المَطْلَبُ الثَّاني: الاسْتعارةُ بحسَبِ ذِكْرِ المُلائِمِ لأحدِ الطَّرفَينِ
تَنقسِمُ الاسْتعارةُ بحسَبِ ذكْرِ ما يُلائمُ أحدَ طرفَيِ الاسْتعارةِ أو عدَمِ ذكْرِه إلى:
الاسْتعارةِ المُرشَّحةِ:وهِي الَّتي تُقرَنُ بما يُلائِمُ المُستعارَ منه (المُشبَّه به)، ومنه قولُ كُثَيِّر عزَّةَ: الطويل
رمَتْني بسَهْمٍ رِيشُه الكُحْلُ لم يُضِرْ
ظواهِرَ جِلْدي وهُو للقلْبِ جارِحُ
شبَّه نظْرتَها له بالسَّهمِ، بجامِعِ التَّأثيرِ والإضْرارِ في كلٍّ، وصرَّح بذكْرِ السَّهمِ، وهُو المُستعارُ منه، ثمَّ أتى بما يُؤكِّدُه، وهُو ذِكْرُ الرِّيشِ.
الاسْتعارةُ المُجرَّدةُ:وهِي الَّتي تَقترِنُ بما يُلائِمُ المُستعارَ له (المُشبَّه)، كقولِ
البُحْتُريِّ: الوافر
يُؤدُّون التَّحيَّةَ كلَّ يومٍ
إلى قمَرٍ مِنَ الإيْوانِ بادِ
فاسْتعارَ لفْظَ القمَرِ للمَمدوحِ، ثمَّ قرَن الاسْتِعارةَ بما يُلائِمُ المَمدوحَ بأنَّه مِن بَني البشَرِ، وهُو أنَّه ظاهِرٌ في الإيْوانِ
[318] (مجْلِسٌ كَبِيرٌ على هَيْئَةِ صُفَّةٍ وَاسِعَةٍ، لَهَا سَقفٌ مَحْمُولٌ من الأَمَامِ على عَقدِ، يجلِسُ فِيهَا كِبارُ الْقَوْمِ). ينظر: ((المعجم الوسيط)) (1/ 33). .
ومنه قولُ
المُتَنبِّي: الوافر
وغيَّبتِ النَّوى الظَّبَياتِ عنِّي
فساعَدتِ البَراقِعَ والحِجالا
أراد بالظَّبَياتِ -جمعُ ظَبْيةٍ- النِّساءَ، وهِي اسْتعارةٌ تَصريحيَّةٌ صرَّح فيها بذكْرِ المُشبَّهِ به، ثمَّ أتى بقَرينةٍ تُلائمُ المُستعارَ له (المُشبَّه)، وهُو ذِكْرُ البَراقِعِ والحِجالِ؛ فإنَّ الظَّبَياتِ لا تَستخدِمُها ولا تَلْبَسُها.
الاسْتعارةُ المُطلَقةُ:وهي الَّتي خلَتْ عمَّا يُلائمُ أحدَ طرفَيِ الاسْتعارةِ؛ لا المُستعارَ منه ولا المُستعارَ له، أو ما ذُكِر معَها ما يُلائمُ المُشبَّهَ به والمُشبَّهَ معًا.
فمِن الأوَّلِ قولُ الشَّاعِرِ: البسيط
فأمْطَرتْ لُؤلؤًا مِن نَرجِسٍ وسقَتْ
ورْدًا وعضَّتْ على العُنَّابِ بالبَرَدِ
حيثُ أتى بكلِّ تلك الاسْتعاراتِ؛ فشبَّه الدَّمعَ باللُّؤلؤِ، والعَينَ بالنَّرجِسِ، والخدَّ بالوَرْدِ، والأنامِلَ بالعُنَّابِ، والأسْنانَ بالبَرَدِ، ولم تأتِ قَرينةٌ تُلائمُ المُستعارَ منه أوِ المُستعارَ له في كلِّ تلك الاسْتعاراتِ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: البسيط
قَومٌ إذا الشَّرُّ أبْدى ناجِذيْهِ لهُمْ
طارُوا إليهِ زَرافاتٍ ووُحْدانَا
حيثُ صوَّر الشَّرَّ بأنَّه حَيوانٌ مُفترِسٌ له نواجِذُ يُكشِّرُ عنها ويُبديها تَخويفًا وإرْهابًا، وهذه اسْتعارةٌ مَكنيَّةٌ مُرشَّحةٌ، ثمَّ شبَّه مشْيَ القوْمِ بالطَّيرانِ، والجامِعُ بينَهما السُّرعةُ، ثمَّ لم يأتِ بما يُلائمُ المُشبَّهَ أو المُشبَّهَ به، وهذه اسْتعارةٌ تَصريحيَّةٌ مُطلَقةٌ.
ومِن الثَّاني -ما ذُكِر معَها ما يُلائمُ المُشبَّهَ به والمُشبَّهَ معًا- قولُ الشَّاعِرِ:
لدى أسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقذَّفٍ
لهُ لِبَدٌ أظْفارُه لم تُقلَّمِ
فاسْتَعار الأسدَ للرَّجلِ الشُّجاعِ، وذكَر ما يُناسِبُ المُستعارَ له، وهُو قولُه: «شاكي السِّلاحِ مُقذَّفٍ»، وهذا هو التَّجريدُ، ثمَّ ذكَر ما يُناسبُ المُستعارَ منه (الأسد)، وهُو قولُه: «له لِبَدٌ أظْفارُه لم تُقلَّمِ»، وهذا هو التَّرشيحُ، واجْتِماعُ التَّجريدِ والتَّرشيحِ يؤدِّي إلى تَعارُضِهما وسُقوطِهما، فكأنَّ الاسْتعارةَ لم تَقترِنْ بشيءٍ، وتكونُ في رُتبةِ (المُطلَقةِ)
[319] ينظر: ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (3/ 506)، ((الصورة البيانية في الموروث البلاغي)) لحسن طبل (ص: 140). .