المَطلَبُ الرَّابعُ: الاستعارةُ بحسَبِ الطَّرفَينِ
تَنقسِمُ الاستعارةُ كذلك باعتبارِ حالِ الطَّرفَينِ إلى:
1- الاستعارةُ العِناديَّةُ: وهي الاستعارةُ الَّتي لا يُمكِنُ اجتماعُ طَرَفَيها في شَيءٍ واحدٍ، وإنَّما تَأْتي تلك الاستعارةُ لأحدِ غَرَضينِ:
أ- التَّهكُّمِ والسُّخريةِ، كقولِه تعالى:
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: 21] ؛ حيث استعارَ البِشارةَ للإنذارِ بالعذابِ مِن بابِ التَّهكُّمِ والسُّخريةِ، ولا يُمكِنُ اجتماعُ البِشارةِ والنِّذارةِ في شَيءٍ واحدٍ. ومنه أيضًا قولُه تعالى:
فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 23] ؛ جَعَل الإضلالَ هِدايةً سُخْريةً واستهزاءً بالكافرينَ الَّذين أشْرَكوا باللهِ سُبحانه، والهِدايةُ والإضلالُ لا يَجتمعانِ.
ومنه قولُ بَشَّارِ بنِ بُرْدٍ: الطويل
إذا المَلِكُ الجبَّارُ صَعَّر خَدَّه
أتَيْنا إليه بالسُّيوفِ نُعاتِبُه
أراد بالعِتابِ العِقابَ والقتْلَ، ولا يَجتمعانِ معًا.
ب- الملاحةُ والظَّرافةُ، كقولِ
المتنبِّي: الطويل
فلم أرَ بَدْرًا ضاحكًا قِبَلَ وَجهِها
ولم أرَ قَبْلي ميِّتًا يَتكلَّمُ
حيث استعار الموتَ للمُحِبِّ المُتَيَّمِ، ولا يَجتمِعُ الموتُ والحبُّ معًا.
2- الاستعارةُ الوفاقيَّةُ: وهي الاستعارةُ الَّتي يُمكِنُ اجتماعُ طَرَفَيها في شَيءٍ واحدٍ، كقولِ الشَّاعرِ: الكامل
ولقدْ سَموتُ بهِمَّتي وسَما بها
طَلَبُ المكارِمِ بالفِعال الأفضلِ
لأنالَ مَكرُمةَ الحياةِ وربَّما
عَثُرَ الزَّمانِ بذي الدَّهاءِ الأحولِ
استعارَ الحياةَ لبقاءِ الذِّكر والأثرِ الحسَنِ، وقد يَجتمعانِ معًا، فَيَحْيا الإنسانُ ذائعُ الصِّيتِ بالخيرِ ومَكارمِ الأخلاقِ.
وقد اجتمَعَ نَوْعا الاستعارةِ في قولهِ تعالى:
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام: 122] ؛ حيث استعارَ الموتَ للضَّلالِ؛ فجَعَل الضَّالَّ ميتًا، وهي استعارةٌ عِناديَّةٌ؛ إذ الميِّتُ لا يُوصَفُ بضَلالٍ، كما استعار الإحياءَ للهِدايةِ، وهي استعارةٌ وِفاقيَّةٌ؛ حيث يَكثُرُ في الأحياءِ الهِدايةُ
[321] ينظر: ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (1/ 87)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حبنكة (2/ 261). .