المَطْلَبُ الخامِسُ: الجمْعُ والتَّقْسيمُ
وهُو: "أنْ يَجمَعَ المُتكلِّمُ بينَ شَيئَين أو أكْثرَ في حكْمٍ واحِدٍ، ثمَّ يُقَسِّمَ ما جمَع، أوِ العكْسُ: بأنْ يُقَسِّمَ أوَّلًا ثمَّ يَجمَعَ".
1- الجمْعُ ثمَّ التَّقْسيمُ:كقَولِه تعالى:
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر: 32] ؛ فجمَع عِبادَه الَّذينَ اصْطفاهم وأوْرثَهم الكِتابَ، ثمَّ ذكَر مَنازِلَهم وتَقْسيماتِهم؛ فمنْهم ظالِمٌ لنفْسِه مُقصِّرٌ، ومنهم مُتوسِّطٌ مُعْتدِلٌ، ومنْهم سابِقٌ بالخَيراتِ.
ومنه قولُ
المُتَنبِّي: البسيط
حتَّى أقامَ على أرْباضِ خَرْشَنَةٍ
تَشْقى بهِ الرُّومُ والصُّلبانُ والبِيَعُ
للسَّبيِ ما نكَحوا، والقتْلِ ما ولَدوا
والنَّهبِ ما جمَعوا، والنَّارِ ما زرَعوا
يذكُرُ
المُتَنبِّي غزْوَ سيفِ الدَّولةِ الحَمْدانيِّ لخَرشَنةَ ببِلادِ الرُّومِ، وقد وقَف على أرْباضِها -مَشارِفِها- فجمَع الشَّاعرُ على الرُّومِ في البيتِ الأوَّلِ الشَّقاءَ، ثمَّ قسَّمه في البيتِ الثَّاني؛ فجعَل السَّبيَ لنِسائِهم، والقتْلَ لرِجالِهم، والنَّهبَ لأمْوالِهم، والنَّارَ لزَرْعِهم.
ومنه أيضًا قولُ صَفيِّ الدِّينِ الحِلِّيِّ: البسيط
أبادَهم فلِبيْتِ المالِ ما جمَعوا
والرُّوحُ للسَّيفِ، والأجْسادُ للرَّخَمِ
فجمَع عليهم الإبادَةَ، ثمَّ قسَّمها وفَصَّلها؛ فذكَر أنَّ أمْوالَهم ذهَبتْ لبيْتِ المالِ، وأرْواحَهم اقْتنصَتْها السُّيوفُ، وأجْسادَهم للرَّخَمِ، وهِي الطُّيورُ الَّتي تأكُلُ جُثثَهم.
2- التَّقْسيمُ ثمَّ الجمْعُ:كقولِ حسَّانَ بنِ ثابِتٍ رضِي اللهُ عنه: البسيط
قومٌ إذا حارَبوا ضَرُّوا عَدوَّهمُ
أو حاوَلوا النَّفْعَ في أشْياعِهم نفَعوا
سَجيَّةٌ تلك فيهم غَيرُ مُحدَثةٍ
إنَّ الخَلائِقَ فاعْلَمْ شرُّها البِدَعُ
فجمَع بقولِه: "سَجيَّةٌ تلك فيهم" بعدَ ما فصَّل مِن إضْرارِ العدوِّ ونفْعِ الأصْحابِ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: البسيط
لو أنَّ ما أنتمُ فيه يَدومُ لَكم
ظَننْتُ ما أنا فيه دائِمًا أبَدَا
لكنْ رأيْتُ اللَّياليَ غيرَ تارِكةٍ
ما سرَّ مِن حادِثٍ أو ساءَ مُطَّرِدَا
فقد سكَنتُ إلى أنِّي وأنَّكمُ
سنَستجِدُّ خِلافَ الحالتَينِ غَدَا
فقولُه: "خِلافَ الحالتَينِ" جمْعٌ لَطيفٌ لِما قسَّمه سابِقًا، وهو أنَّ الدُّنيا لا تَدومُ على حالٍ واحِدةٍ؛ فتارةً أسْعَدُ وتَشقَون، وتارةً أشْقى وتَسعَدُون
[412] ينظر: ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (2/ 410)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 312). .