المَبْحَثُ الخامِسُ: التَّلميحُ
وهُو: "أنْ يُشيرَ ناظِمُ هذا النَّوعِ في بيتٍ أو قَرينةِ سَجْعٍ إلى قصَّةٍ مَعْلومةٍ، أو نُكتَةٍ مَشْهورةٍ، أو بيتِ شِعرٍ حُفِظ لتَواتُرِه، أو إلى مَثَلٍ سائِرٍ يُجريه في كَلامِه على جِهةِ التَّمثيلِ".
فمنه قولُ ابنِ المُعتَزِّ: الخفيف
أتَرى الجِيرةَ الَّذينَ تَداعَوا
عندَ سَيْرِ الحَبيبِ وقتَ الزَّوالِ؟
عَلِموا أنَّني مُقيمٌ وقَلْبي
راحِلٌ فيهمُ أمامَ الجِمالِ
مثْلُ صاعِ العَزيزِ في أَرْحُلِ القومِ
ولا يَعْلمونَ ما في الرِّحالِ
أشارَ في البيتِ الأخيرِ إلى قصَّةِ يُوسفَ عليه السَّلامُ حينَما دَسَّ صُواعَ المَلِكِ في رحْلِ أخيه بِنْيامينَ ليَأخُذَه، والقصَّةُ مَذْكورةٌ في القُرآنِ؛ قالَ تعالى:
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف: 70 - 76] .
ومنه قولُ الحَريريِّ: "بِتُّ بلَيلةٍ نابِغيَّةٍ"، يُلمِحُ به إلى قولِ النَّابغةِ الذُّبيانيِّ: الطويل
فبتُّ كأنِّي ساوَرتْنِي ضَئيلَةٌ
مِنَ الرُّقْشِ في أنْيابِها السُّمُّ ناقِعُ
ومنه قولُ آخَرَ: الطويل
لَعَمْرٌو معَ الرَّمْضاءِ والنَّارُ تَلْتظي
أرقُّ وأحفَى منْك في ساحَةِ الحرْبِ
يُشيرُ به إلى البيتِ المَشْهورِ: البسيط
المُسْتجيرُ بعَمْرٍو عندَ كُرْبتِه
كالمُسْتجيرِ مِنَ الرَّمْضاءِ بالنَّارِ
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الطويل
فواللهِ ما أدْري أأحْلامُ نائِمٍ
ألمَّتْ بنا أم كانَ في الرَّكبِ يُوشَعُ
يُشيرُ به إلى حَديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((غزا نَبيٌّ مِنَ الأنْبياءِ، فقالَ لقوْمِه: لا يَتْبَعني رجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرأةٍ، وهُو يُريدُ أنْ يَبْنيَ بها ولمَّا يَبْنِ بها، ولا أحدٌ بنَى بُيوتًا ولم يَرفَعْ سُقوفَها، ولا أحدٌ اشْترى غَنَمًا أو خَلِفاتٍ وهُو يَنْتظرُ وِلادَها، فغزا فدَنا مِنَ القَرْيةِ صَلاةَ العصْرِ أو قَريبًا مِن ذلك، فقالَ للشَّمسِ: إنَّكِ مَأمورَةٌ وأنا مَأمورٌ، اللَّهمَّ احْبِسْها علينا، فحُبِستْ حتَّى فتَح اللهُ عليه )) [512] أخرجه مطولًا البخاري (3124) واللفظ له، ومسلم (1747) باختلاف يسير من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. ، وهذا النَّبيُّ هو يُوشَعُ بنُ نُون
[513] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 342)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 376). .