المَبحَثُ الخامِسُ: الكَشْفُ عن معاني الألفاظِ في المعاجِمِ
قَبلَ الوقوفِ على طريقةِ الكَشْفِ عن الكَلِمةِ العربيَّةِ في المعاجِمِ الخاصَّةِ بذلك؛ لا بُدَّ من معرفةِ طبيعةِ وبِنيةِ الكَلِمةِ العربيَّةِ في البدايةِ:
(أوَّلًا: يرتكِزُ وَضعُ الكَلِماتِ والبِنى في اللُّغةِ العربيَّةِ على الجُذورِ الثُّلاثيَّةِ المؤلَّفةِ من ثلاثةِ حروفٍ صامِتةٍ كأساسٍ أوَّلَ لبناءِ تنظيمٍ لُغَويٍّ هَيكليٍّ متكاملٍ، تجري فيه تحوُّلاتٌ تعتَمِدُ على بضعِ عَمَليَّاتٍ بُنيانيَّةٍ داخليَّةٍ.
ثانيًا: يتطوَّرُ تنظيمُ الوضعِ في خطَّينِ أساسيَّيَنِ ثابتَينِ يؤلِّفانِ هيكَلَ هذا النِّظامِ الدَّاخِليِّ الشَّامِلِ والمتماسِكِ، وهما خَطُّ المَزيداتِ وخَطُّ المشتقَّاتِ؛ أمَّا خطُ المَزيداتِ فيكونُ بوضعِ أفعالٍ جديدةٍ انطلاقًا من الجِذرِ الثُّلاثيِّ بالاعتمادِ على عمليَّاتٍ بُنيانيَّةٍ ثابتةٍ. وأمَّا خطُّ المشتقَّاتِ فيعني وضعَ مجموعةٍ ضَخمةٍ من الأسماءِ والصِّفاتِ وَفْقَ عَمليَّاتٍ اشتقاقيَّةٍ تخضَعُ لموازينَ مُعَيَّنةٍ وعمليَّاتٍ بُنيانيَّةٍ معروفةٍ تعتَمِدُ الجَذرَ الثُّلاثيَّ من جهةٍ، وجميعَ مَزِيداتِه من جهةٍ أُخرى.
ثالثًا: وتعتني عمليَّةُ الوضعِ هذه بفِعلِ تحوُّلاتٍ بُنيانيَّةٍ داخليَّةٍ بحتةٍ ذاتِ صِفةٍ ذاتيَّةٍ وشموليَّةٍ. ويحدِّدُ سايير وسائِلَ أو عمليَّاتِ التوليدِ اللَّفظيِّ في اللُّغاتِ العالميَّةِ بسِتٍّ، ولكُلِّ لغةٍ وسيلةٌ أو بِضعُ وسائِلَ منها، هي:
1- وسيلةُ ترتيبِ وَضعِ الكَلِماتِ في الجملةِ.
2- النَّحتُ أو التركيبُ.
3- الإلصاقُ (بالتَّصديرِ والإقحامِ والتَّذييل)ِ.
4- التَّخالُفُ في القِيَمِ الصَّوتيَّةِ الدَّاخليَّةِ (سواءٌ على صعيدِ الحروفِ الصَّامتةِ أو المَصُوتةِ).
5- ترديدُ الأصلِ.
6- تعديلُ الإمالاتِ الصَّوتيَّةِ، والتَّنغيمُ والنَّبْرُ.
وتنتَظِمُ عَمليَّةُ الوَضعِ في النِّهايةِ مبادئَ الاقتصادِ والانسِجامِ والشُّمولِ، وهي تتجَلَّى في الأقيِسةِ البِنْيَويَّةِ وفي الأوزانِ العربيَّةِ. والأوزانُ رُموزٌ شَكليَّةٌ وصوتيَّةٌ تتكَوَّنُ من مطابَقةِ عَشَراتِ الألفاظِ -المَزيدةُ والمشتَقَّةُ بشَكلٍ خاصٍّ- لعناصِرِ هذا الرَّمزِ الشَّكليَّةِ والصَّوتيَّةِ بحيثُ تَعكِسُ عَددَ حُروفِ الكَلِمةِ التي تَزِنُها وترتيبَها، كما تُحمَلُ على حروفِ الرَّمزِ أو الميزانِ مَصُوتاتُ الكَلِمةِ التي تَزِنُها، وهيئةُ بِنْيَتِها، وحروفُ الزِّيادةِ التي تدخُلُ الجذورَ والألفاظَ المزيدةَ، فتُعَيِّنُ أنواعَها ومواضِعَها، ونتعَرَّفُ بخاصيَّةِ اللَّفظِ العربيِّ من امتحانِ انسجامِ هيئتِه مع هذه الموازينِ، ومدى انسجامِه مع طبيعةِ المقاطِعِ والصِّلاتِ الصَّوتيَّةِ للُّغةِ العربيَّةِ)
[325] يُنظَر: ((مصطلح المعجمية العربية)) أنطوان عبدو (ص: 50 – 51). .
هذا، وتَختلِفُ المَعاجِمُ في طُرقِ تَرتيبِها وتَبويبِها، غيرَ أنَّ هناك أمورًا عامَّةً لا بُدَّ مِن مُراعاتِها قبل الكَشفِ عن مَعنى الكَلِمةِ في المُعجَمِ، وهي:
1- الكَلِمةُ المُجرَّدةُ يُمكِنُ البَحثُ عنها مُباشَرةً، مِثلُ: كتَب، قرَأ، درَس.
2- الكَلِمةُ المَزيدةُ تُجرَّدُ مِن حُروفِ الزِّيادةِ وتُرَدُّ إلى أصلِها، مِثلُ: استَعجَم، الَّذي نُبقِي منه الجَذرَ الثُّلاثيَّ (عَجَم).
3- الجُموعُ تُرَدُّ إلى مُفرَداتِها، ثمَّ يُجرَّدُ المُفرَدُ إن كان مَزيدًا، مِثلُ كَلِمة (مُتعلِّمين)، فإنَّ مُفرَدَها (مُتعلِّم)، وعند تَجريدِها مِن حُروفِ الزِّيادةِ يَبقى الجَذرُ (عَلِم).
4- الأفعالُ المُضارِعةُ وأفعالُ الأمرِ تُرَدُّ إلى ماضيها، ثمَّ يُجرَّدُ الماضي إن كان مَزيدًا، مِثلُ: (يَكتبون) تُرَدُّ إلى (كتَبوا)، ثمَّ تُجرَّدُ فيَبقى الجَذرُ الثُّلاثيُّ (كتَب).
5- الكَلِمةُ الَّتي يُوجَدُ فيها حَرفٌ غيرُ أصليٍّ يُرَدُّ إلى أصلِه، مِثلُ: (سَمَا)، فالألِفُ فيها مُنقلِبةٌ عن واوٍ، وعندَما تُرَدُّ إلى أصلِها تُصبِحُ (سَمَوَ).
6- الكَلِماتُ المُشدَّدةُ نَفُكُّ تَشديدَها، مِثلُ: (مَدَّ)، يُفَكُّ تَشديدُها فتُصبِحُ (مَدَد)
[326] يُنظَر: ((علم الدلالة والمعجم العربي)) لعبد القادر أبو شريفة، وحسن لافي، وداود غطاشة (ص: 116). .