الفَصلُ الخامِسُ: عِيسَى بنُ عُمَرَ (ت: 149 هـ)
أَبُو عُمَرَ عِيسَى بنُ عُمَر، العَلَّامَةُ، إِمَامُ النَّحْوِ، الثَّقَفِيُّ، البَصْرِيُّ.
اخْتُلِف في نَسَبِه؛ فقيل: هو مَوْلًى لبني مخزومٍ، وهو مِن وَلَد الحَكَم بن عبدِ اللهِ الأَعْرَج. وقيل: كان مِن ثَقِيف ل
خالدِ بنِ الوليد. وقيل: هو مَوْلَى
خالدِ بنِ الوليدِ المخزوميِّ، ونزل في ثَقِيفٍ.
مِن شُيوخِه:أخذ القِرَاءَاتِ والنَّحْوَ عن عبدِ اللهِ بنِ أبي إسحاقَ، و
ابنِ كثيرٍ، وابنِ مُحَيْصِنٍ.
ومِن تَلامِذَتِه:الأصمعيُّ، والخليلُ بنُ أحمدَ، وشُجاعٌ البَلْخيُّ، وجالسه
سِيبَوَيه وأخذ عنه.
مَنزِلتُه ومكانتُه:كان لعيسى بنِ عُمَرَ اختياراتٌ على قياسِ العَرَبيَّة، وقيل: إنَّ أبا الأسوَدِ لم يَضَعْ في النَّحْوِ إلَّا كِتابَ الفاعِلِ والمفعولِ فقط، وإنَّ عيسى بنَ عُمَرَ وَضَع كتابَه على الأكثَرِ، وبوَّبه وهذَّبه، وسمَّى ما شذَّ لغةً
[25] ينظر: ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقفطي (2/ 375). .
وكان عيسى صاحِبَ تقعيرٍ في كَلَامِه، ويَسْتَعْمِل الغَرِيبَ الوَحْشِيَّ من الكلامِ، وقد ذُكِرَ عنه أنه سَقَطَ يومًا عن الحمارِ، فَاجْتمع إليه النَّاسُ، فقال: مَا لَكُمْ تَكَأْكَأْتُمْ عَلَيَّ تَكَأْكُؤَكُمْ عَلَى ذِي جِنَّةٍ؟! افْرَنْقِعُوا عَنِّي!) (أي: ما لكم تجمَّعتُم عليَّ تجمُّعَكم عَلَى مجنونٍ؟! انكَشِفوا عني).
مَنْهَجُه:كان عيسى بنُ عُمَرَ مَيَّالًا إلى القياسِ ومُوافَقةِ القواعِدِ، وكان يَنزِعُ إلى النَّصْبِ إذا وَجَد إليه سبيلًا، أو إذا اختَلَفَت العَرَبُ، وكان لا يرى مخالَفةَ الإعرابِ ولو للضَّرورةِ الشِّعْريَّةِ؛ ولهذا كان يَعيبُ على الشُّعَراءِ مُخالَفةَ النَّحْوِ، ولهذا خطَّأ النَّابِغةَ الذُّبْيانيَّ في قَولِه:
فبِتُّ كأَنِّي ساوَرَتْني ضَئيلةٌ
من الرُّقْشِ في أنيابِها السُّمُّ ناقِعُ
[26] ساورتني: واثبَتْني. والضئيلة: هي الحيَّة الدقيقة الضعيفة. والرُّقْش: جمع رَقْشَاء، وهي: الحيَّة فيها نُقَطٌ سوداءُ وبيضاء. والسمُّ الناقع: أي: المنقوع، وإذا نُقع السمُّ كان شديدَ التأثير. يُنظَر: ((علم البيان)) لعبد العزيز عتيق (ص 153). وقال: وجْهُه أن يكونَ: "السُّمُّ ناقِعًا"
[27] قال شوقي ضيف: (إذ جعل القافية مرفوعةً، وحقها أن تُنصَب على الحال؛ لأن المبتدأ قبلها تقدَّمه الخبر، وهو الجار والمجرور، وكأن النابغة ألغاهما لتقدمهما وجعل ناقعًا الخبر). يُنظَر: ((المدارس النحوية)) (ص: 25 - 26). .
مُصنَّفاتُه:ألَّف عيسى بنُ عُمَرَ في النَّحْوِ كتابين: كتابًا مُخْتَصَرًا وكتابًا مَبْسُوطًا؛ فسمَّى أحَدَهما: الإكمالَ، والآخَرَ: الجَامِع. ولم يَصِلْ منهما شيءٌ.
وفيهما قال تلميذُه الخليلُ بنُ أحمدَ مادِحًا لهما:
بَطَلَ النَّحْوُ جميعًا كلُّه
غيرَ مَا أَحْدَثَ عِيسَى بنُ عُمَرْ
ذاك إِكْمَالٌ وَهَذَا جَامِعٌ
فَهُمَا لِلنَّاسِ شَمْسٌ وقَمَرْ
وقيل: إنَّ لَهُ نَيِّفًا وَسبعين مُصَنَّفًا ذهبتْ كلُّها!
وفاتُه:تُوفِّي سنةَ تِسعٍ وأربعينَ ومائةٍ. وقيل: سنةَ خمسٍ وأربعين. وقيل: بَقِيَ إلى بعدِ السِّتينَ ومائةٍ
[28] يُنظَر: ((مراتب النحويين)) لأبي الطيب اللُّغَوي (ص 33)، ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 40)، ((تاريخ العلماء النحويين)) للتَّنُوخي (ص 135)، ((وفيات الأعيان)) (3/ 486)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (7/ 200)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (13/ 411)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) (ص 227)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (2/ 238). .