الفَصلُ الخامِسُ: قُطْرُب (ت: 206 هـ)
أبو عليٍّ مُحَمَّدُ بنُ المُسْتَنِير بن أحمد البَصْريُّ، مَوْلَى سَلْمِ بن زِياد، النَّحْويُّ، اللُّغَويُّ، المُفَسِّرُ، المعروفُ بقُطْرُب.
مِن مشايخِه:سِيبَوَيْه، وعيسى بنُ عُمَرَ، والنَّظَّام.
ومِن تَلامِذَتِه:مُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ السِّمَّرِي، وأبو القاسم المُهَلَّبيُّ.
سَبَبُ تَسْمِيَتِه بقُطْرُب:قيل: إنَّه سُمِّي قُطْرُبًا؛ لأنه كان يُبكِّر إلى
سِيبَوَيْه للأَخْذ عنه؛ فكان
سِيبَوَيْه إذا خرج بالأَسْحَارِ رآه على بَابِه، فرآه يومًا فقال له: إنما أنت قُطْرُبُ لَيْل، والقُطْرُب: دُوَيبَّةٌ تَدُبُّ ولا تَفْتُرُ؛ فاشْتَهَر بذلك.
عقيدتُه:كان قُطرُبٌ على مَذهَبِ
المُعتَزِلةِ، أخذ اعتِقادَه عن إبراهيمَ النَّظَّامِ، فكان يُنكِرُ الإجماعَ، ولا يَقبَلُ إلَّا القُرآنَ والعَقْلَ، كما ذَهَب مَذْهَبَهم في إنكارِ القَدَرِ، وأنَّ العِبادَ يَخلُقونَ أفعالَهم بلا تأثيرٍ مِنَ اللهِ
[113] ينظر: ((معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)) لياقوت الحموي (6/ 2646)، ((لسان الميزان)) لابن حجر (7/ 502). !
قال ياقوتٌ الحَمَويُّ في ترجمَتِه: (ولَمَّا صنَّف كِتابَه في التَّفسيرِ أراد أن يَقرَأَه في الجامِعِ، فخاف مِنَ العامَّةِ وإنكارِهم عليه؛ لأنَّه ذَكَر فيه مَذهبَ أهلِ الاعتِزالِ، فاستعان بجَماعةٍ مِن أصحابِ السُّلْطانِ ليتمَكَّنَ مِن قراءتِه في الجامِعِ)
[114] ينظر: ((معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)) لياقوت الحموي (6/ 2646). .
وقال
أبو البَرَكاتِ الأنباريُّ: (كان يَذهَبُ إلى مَذهَبِ
المعتَزِلةِ)
[115] ينظر: ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) للأنباري (ص: 77). .
وقد ظهَرت آثارُ الاعتزالِ في تَفسيرِه، فمنها تفسيرُه قولَه تعالى:
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ [الأعراف: 143] بأنَّ المرادَ تَجَلِّي أمْرِ ربِّه وقُدرتِه، كقولِه:
وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا [يوسف: 82] [116] ينظر: ((تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) (4/ 278)، ((تفسير القرطبي)) (7/ 278). .
ومنها تفسيرُه الإضلالَ بالتَّسميةِ بالضَّلالِ؛ فمعنى "أضلَّه اللهُ" سمَّاه ضالًّا وحكَمَ عليه به
[117] ينظر: ((تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير)) (2/ 369). .
مَنزِلتُه ومكانتُه:كان قُطْرُبٌ أحَدَ أئمَّةِ العِلْم بالنَّحْوِ واللُّغَة.
وَكَانَ يَرَى رَأْيَ
المُعْتَزِلَة، فَأخذ عَن النَّظَّام مذْهَبَه، واتَّصل بأبي دُلَفٍ العِجْلِي، وأَدَّب وَلَده.
وقد وثَّقه فيما نَقَل من اللُّغَة: الخطيبُ البغداديُّ، والقفطيُّ، و
الذهبيُّ، والفيروزابادي، ولم يوثِّقِه: الداودي، و
طاش كبري زادة، والصَّفَدِي، و
السُّيُوطِي.
قال أبو منصور الأزهريُّ في تهذيبِ اللغة: (وقُطْرب لَيْسَ مِن الثِّقَات، وَله فِي اشتقاقِ الأَسْمَاءِ حُرُوفٌ مُنْفَرِدَة).
مُصنَّفاتُه:مِن مُصَنَّفَاتِه: ((معاني القرآن))، وكتاب: ((الاشتقاق))، وكتاب: ((القوافي))، وكتاب: ((العِلَل في النَّحْو))، و((مُثَلَّثَات قُطْرُب)) التي اشْتَهَر بها؛ لأنَّه أوَّلُ من ألَّف فيها، وهي عبارةٌ عن دراسةٍ لُغَويةٌ دَلاليَّةٌ للمُفرداتِ التي تتَّفِقُ في البناءِ الصَّرْفِي من حيثُ ترتيبُ الحروفِ، وتختَلِفُ حركاتها، وسمِّيت: "مُثَلَّثَات"؛ لأنها تجمَعُ كُلَّ ثلاثِ كَلِماتٍ في مجموعةٍ، تتغيَّر معانيها حسبَ حركاتِها، مثل: (الغَمْرُ، الغِمْرُ، الغُمْرُ)، ثم تَبِعه في هذا الفَنِّ مِن العِلْم:
البَطَلْيَوْسِي، والخَطِيب، والبَلَنْسِي.
وفاتُه:تُوفِّي قُطْرُب سنةَ سِتٍّ ومائَتَينِ
[118] يُنظَر: ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 99)، ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 76)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحَمَوي (6/ 2646)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (3/ 219)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (4/ 312)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (5/ 145)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 284)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (1/ 242). .