الفَصلُ السَّادِسُ والأربعون: أَبُو الحَسَن بنُ كَيْسَانَ (ت: 299 هـ)
أبو الحَسَن مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بنِ إبراهيمَ بنِ كَيْسَانَ، البغداديُّ، النَّحْويُّ.
مِن مَشَايِخِه:المُبَرِّد وثَعْلَب.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:كان أَبُو الحَسَن بن كَيْسَانَ أحدَ المذكورينَ بالعِلْمِ، والموصوفينَ بالفَهْمِ، وكان يَحفَظُ مَذهَبَ البَصْريِّين والكُوفِيِّين معًا في النَّحْوِ.
وكان يقال: (أَبُو الحَسَن بن كَيْسَانَ أَنْحَى مِن الشَّيخينِ، يعني: ثَعْلَبًا و
المُبَرِّد).
وكان له الأقوالُ المَشْهُورةُ في التَّفَاسِير ومَعَانِي الآيات، وكان فَوْق الثِّقَة.
وكان مَجْلِسُه مِن أكْثَر المَجَالِس فَائِدَةً وأَجْمَع لأَصْنَاف العُلُومِ والتُّحَف والنُّتَف، وكان يَجْتَمِع على بابِه نَحْوٌ من مِائة رأسٍ من الدَّوَابِّ لِلْرُّؤَسَاء والأَشْرَاف الَّذِين يَقْصِدُونَه، وكان إقْبَالُه عَلَى صَاحِب الرُّقْعَة والخِلَق كإقْبَالِه عَلَى صَاحِب الدِّيبَاج والدَّابَةِ والغُلَامِ.
مُصَنَّفَاتُه:مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((المُهَذَّب فِي النَّحْو))، وكتاب: ((غَلَط أدَبِ الكَاتِب))، وكتاب: ((اللَّامات))، وكتاب: ((البُرْهَان))، وكتاب: ((غَرِيب الحَدِيث))، وكتاب: ((مَعَاني القُرْآن))، وكتاب: ((عِلَل النَّحْو))، وكتاب: ((مصابيح الكتاب)).
مَنْهَجُه:أتَقَن أبو الحَسَنِ مَذهَبَ البَصْريِّينَ والكُوفيِّينَ معًا؛ لأنَّه أخذ عن
المُبَرِّدِ وثَعلَبٍ، إلَّا أنَّه كان لمذهَبِ البَصْريِّينَ أمْيَلَ، وقيل: بل خَلَط المذهبَينِ فلم يَضبِطْ مِنهما شيئًا.
عَقِيدَتُه:ظهَرَت مَلامحُ الاعتزالِ عندَ ابنِ كَيْسانَ مِن خِلالِ تَفسيرِه الذي نَقَله عنه المفسِّرون، فمِن ذلك قولُ
أبي حيَّانَ في قولِه تعالى:
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران: 8] : (ومعنى الإزاغةِ هنا الضَّلالةُ، وفي نِسبةِ ذلك إليه تعالَى ردٌّ على
المعتزِلةِ في قولِهم: إنَّ اللهَ لا يُضِلُّ؛ إذ لو لم تكُنِ الإزاغةُ مِن قِبَلِه تعالَى لَما جاز أنْ يُدْعَى في رَفْعِ ما لا يَجوزُ عليه فِعلُه. وقال
الزَّجَّاجُ: المعنى: لا تُكَلِّفْنا عِبادةً ثَقيلةً تُزِيغُ بها قُلوبَنا، وهذا القولُ فيه التَّحفُّظُ مِن خَلْقِ اللهِ الزَّيغَ والضَّلالةَ في قَلبِ أحدٍ مِن العِبادِ. وقال ابنُ كَيْسانَ: سَأَلوا أنْ لا يَزيغوا، فيُزِيغَ اللهُ قلوبَهم، نحوُ:
فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5] ، أي: ثَبِّتْنا على هِدايتِكَ، وأنْ لا نَزيغَ، فنَستحِقَّ أنْ تُزِيغَ قُلوبَنا. وهذه نَزْعةٌ اعتزاليَّةٌ)
[252] ينظر: ((البحر المحيط في التفسير)) لأبي حيان (3/ 31). .
ونقَلَ عنه الثَّعلبيُّ تفسيرَه لقولِه تعالى:
كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] فقال: (إلَّا مُلكَه)
[253] ينظر: ((تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) (7/ 268). ، وذكَرَ
الزَّمَخشريُّ في تفسيرِه أنَّ ابنَ كَيْسانَ قال في قولِه تعالى:
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15] : (عن كَرامتِه)
[254] ينظر: ((تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل)) (4/ 722). .
وَفَاتُه:تُوفِّي سَنةَ تسعٍ وتسعينَ ومِائَتَينِ. وقيل: سَنةَ عِشرينَ وثلاثِ مِائة
[255] يُنظَر: ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 153)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (5/ 2306)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (2/ 24)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (14/ 776)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 255)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (1/ 18)، ((الأعلام)) للزركلي (5/ 308). .