الفَصلُ الخامِسُ والثَّلاثون: أبو مَنصورٍ الأزهريُّ (ت: 370هـ)
أبو منصورٍ مُحَمَّدُ بنُ أحمَدَ بنِ طَلحةَ بنِ نُوحِ بنِ الأزهَرِ، الهَرَويُّ، الأزهَريُّ، اللُّغَويُّ، الشَّافِعيُّ.
مَوْلِدُه:وُلِد بهَراة في خُراسانَ سَنةَ اثنتينِ وثَمانينَ ومائَتَينِ.
مِن مَشَايِخِه:الحُسَينُ بنُ إدريسَ، ومُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ السَّامي، وأبو القاسِمِ البَغَويُّ، وابنُ أبي داودَ، وإبراهيمُ بنُ عَرَفةَ، وابنُ السَّرَّاجِ، وأبو الفَضلِ المُنذِريُّ.
ومِن تَلَامِذَتِه:أبو عُبَيدٍ الهَرَويُّ، وأبو يعقوبَ القرابُ، وأبو ذَرٍّ عبدُ بنُ أحمدَ الحافِظُ، وسعيدُ بنُ عُثمانَ القُرَشيُّ، والحُسَينُ بنُ مُحَمَّدٍ الباشانيُّ.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:أحَدُ الأئمَّةِ في اللُّغةِ، والرِّوايةِ، والفِقهِ، وكان بارِعًا فيه، وهو عُمدةُ الفُقَهاءِ في تفسيرِ ما يُشكِلُ عليهم من اللُّغةِ المتعَلِّقةِ بالفِقهِ، وكتابِ التفسيرِ، وكان ثقةً، ثَبتًا، دَيِّنًا، كُنيَتُه أشهَرُ من اسمِه، إمامٌ بالفِقهِ فاشتَهَرَ به أوَّلًا، ثم غَلَب عليه التبحُّرُ في العَرَبيَّةِ، فرحل في طلَبِها وقَصَد القبائِلَ وتوسَّع في أخبارِهم. وقع في إسارِ القَرامِطةِ، فكان مع فريقٍ مِن هوازنَ يتكلَّمون بطِباعِهم البدَويَّةِ فصَحِبَهم سَنةً، فاستفاد منهم أشياءَ حَسَنةً، ولا يكادُ يُوجَدُ في مَنطِقِهم لَحنٌ.
عَقيدتُه:قال
الذَّهبيُّ: ((كان ثِقةً ثَبْتًا دَيِّنًا))
[352] ينظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (16/ 316). .
وقال أبو المظَفَّرِ الإسْفِرايِينيُّ: (وكذلك لم يكُنْ في أئِمَّةِ الأدَبِ أحَدٌ إلَّا وله إنكارٌ على أهلِ
البِدعةِ شَديدٌ، وبُعْدٌ مِن بِدَعِهم بعيدٌ، مِثْلُ: الخَليلِ بنِ أحمَدَ، ويُونُسَ بنِ حَبيبٍ، و
سِيبَوَيهِ، والأخفَشِ، و
الزَّجَّاجِ، و
المُبَرِّدِ، وأبي حاتِمٍ السِّجِسْتانيِّ، و
ابنِ دُرَيدٍ، والأزهَريِّ، و
ابنِ فارِسٍ، والفارابيِّ، وكذلك مَن كان مِن أئمَّةِ النَّحْوِ واللُّغةِ، مِثْلُ:
الكِسائيِّ، والفَرَّاءِ، والأصمَعيِّ، وأبي زَيدٍ الأنصاريِّ، وأبي عُبَيدةَ، وأبي عَمرٍو الشَّيبانيِّ، و
أبي عُبَيدٍ القاسِمِ بنِ سَلامٍ. وما منهم أحَدٌ إلَّا وله في تصانيفِه تَعَصُّبٌ لأهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وردٌّ على أهلِ الإلحادِ و
البِدعةِ)
[353] ينظر: ((التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين)) للإسفراييني (ص: 188). .
وقد بثَّ في كُتُبِه مَذهَبَ أهلِ السُّنَّةِ؛ فمن ذلك قَولُه تعليقًا على بيتِ رُؤبةَ:
فارتاح رَبِّي وأراد رَحْمتي
ونِعمةً أتمَّها فتمَّتِ
قال: ((وقَولُ رُؤبةَ في فِعْلِ الخالقِ جَلَّ وعَزَّ: «ارتاح» قاله بأعرابيَّتِه، ونحن نَستَوحِشُ مِن مِثْلِ هذا اللَّفْظِ في صِفَتِه؛ لأنَّ اللهَ جَلَّ وعزَّ إنَّما يُوصَفُ بما وَصَف به نَفْسَه، ولولا أنَّ اللهَ هدانا بفَضْلِه لتحميدِه وحَمْدِه بصِفاتِه التي أنزل في كتابِه ما كُنَّا لنَهْتَدِيَ لها أو نجتَرِئَ عليها))
[354] ينظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (5/ 142). .
وقَولُه:
((والعَجَبُ مِن قَومٍ فسَّروا السَّميعَ بمعنى المُسْمِعِ؛ فرارًا من وَصْفِ اللهِ بأنَّ له سمعًا! وقد ذكَرَ اللهُ الفِعْلَ في غيرِ مَوضِعٍ مِن كتابِه. فهو سميعٌ: ذو سَمْعٍ، بلا تكييفٍ ولا تشبيهٍ بالسَّميعِ مِن خَلْقِه، ولا سَمْعُه كسَمْعِ خَلْقِه، ونحن نَصِفُه بما وَصَف به نَفْسَه بلا تحديدٍ ولا تكييفٍ)) [355] ينظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (2/ 74). .
وقَولُه:
((الكُفْرُ على أربَعةِ أوجُهٍ: كُفرُ إنكارٍ، وكُفرُ جُحودٍ، وكُفرُ مُعانَدةٍ، وكُفرُ نِفاقٍ. وهذه الوُجوهُ الأربَعةُ مَن لَقِيَ اللهَ بواحِدٍ منها لم يُغفَرْ له. ... وأمَّا الكُفْرُ الذي هو دونَ ما فَسَّرْنا فالرَّجُلُ يُقِرُّ بالتوحيدِ والنُّبُوَّةِ ويعتَقِدُهما، وهو مع ذلك يَعمَلُ أعمالًا بغَيرِ ما أنزل اللهُ؛ مِنَ السَّعْيِ في الأرضِ بالفَسادِ، وقَتْلِ النَّفْسِ المحَرَّمةِ، ورُكوبِ الفواحِشِ، ومُنازَعةِ الأمرِ أهلَه، وشَقِّ عَصا المُسلِمينَ، والقَولِ في القُرآنِ وصِفاتِ اللهِ تعالى بخِلافِ ما عليه أئمَّةُ المُسلِمينَ وأعلامُ الهدى والرَّاسخون في العِلْمِ، بالتَّأويلاتِ المُستَكْرَهةِ، واعتِمادِ المِراءِ والجَدَلِ، وأَقصُرُ قَولي فيهم على هذا المِقْدارِ، وأَكِلُ أمرَهُم إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ)) [356] ينظر: ((الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)) للأزهري (ص: 250). .
مُصنَّفاتُه:مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((تهذيب اللُّغة))، وكتاب: ((التقريب في التفسير))، وكتاب: ((تفسير ألفاظ محتَصَر المُزَني))، وكتاب: ((عِلَل القراءات))، وكتاب: ((الرُّوح))، وكتاب: ((تفسير إصلاحِ المَنطِقِ)).
وَفَاتُه:تُوفِّي سَنةَ سبعينَ وثلاثِ مِائة
[357] يُنظر: ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (5/ 2321)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقفطي (4/ 177)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (16/ 316)، ((طبقات الشافعية الكبرى)) للسبكي (3/ 63)، ((طبقات الشافعيين لابن كثير)) (ص: 288)، ((سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) (3/ 71)، ((الأعلام)) للزركلي (5/ 311). .