المَطلَبُ الأوَّلُ: الوَصْفُ
وهو أعْظَمُ أغْراضِ الشِّعْرِ وأَكْثَرُه، وكما قال ابنُ رَشيقٍ: (الشِّعْرُ إلَّا أقَلَّه راجِعٌ إلى بابِ الوَصْفِ، ولا سَبيلَ إلى حَصْرِه واسْتِقصائِه)
[156] ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (2/ 294). ؛ فجَميعُ أنْواعِ الشِّعْرِ مُسْتخدِمةٌ له؛ فإنَّ الشَّاعِرَ إذا أرادَ هِجاءً أو مَدْحًا أو رِثاءً أو نَحْوَ ذلك، اسْتَعانَ بالوَصْفِ والتَّشْبيهِ ليَخلَعَ على أفْكارِه المُجرَّدةِ أثْوابَ الحِسِّ، فإذا ذَكَرَ الكَرَمَ أخَذَ مِن السَّيْلِ تَدفُّقَه، ومِن السَّحابِ وَدْقَه، وإذا ذَكَرَ الشَّجاعةَ اسْتَعارَ صَوْلةَ اللَّيثِ وانْقِضاضَ النَّسْرِ
[157] يُنظر: ((الأدب الجاهلي؛ قضاياه أغراضه أعلامه فنونه)) لزكي طليمات وعرفات الأشقر (ص: 63). .
وتَتجلَّى قِيمةُ الوَصْفِ في الكَشْفِ عن مَظاهِرِ الحَياةِ الَّتي كانَ يَعيشُها الجاهِليُّونَ، مِن وَصْفِ الطَّبيعةِ والأشْخاصِ، والعاداتِ والتَّقاليدِ.
والوَصْفُ جُزْءٌ طَبيعيٌّ مِن فِطرةِ الإنْسانِ ومَنْطقِه؛ لأنَّ النَّفْسَ تَحْتاجُ إليه في كَشْفِ المَوْجوداتِ وإظْهارِ الخَفيَّاتِ، ولا يكونُ ذلِك إلَّا بتَمْثيلِ الحَقيقةِ وتَأديتِها في التَّصوُّرِ عن طَريقِ السَّمْعِ أوِ البَصَرِ
[158] ينظر: ((تاريخ آداب العرب)) للرافعي (3/80). .
وأحْسَنُ الوَصْفِ ما نُعِتَ به الشَّيءُ حتَّى كأنَّ السَّامِعَ يَنظُرُ إليه بعَيْنِه، وهو ما ذَكَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَديثِه، فقالَ:
((لا تُباشِرِ المَرْأةُ المَرْأةَ، فتَنعَتَها لزَوْجِها كأنَّه يَنظُرُ إليها )) [159] أخرجه البخاري (5240) عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. ؛ ولِذا اسْتَحسَنوا وَصْفَ النَّابِغةِ الجَعْديِّ لذِئْبٍ افْتَرسَ صَغيرَ بَقَرةٍ وَحْشيَّةٍ، فقالَ:
فباتَ يُذَكِّيهِ بغيْرِ حَديدةٍ
أَخو قَنَصٍ يُمْسي ويُصبِحُ مُفْطِرا
إذا ما رأى مِنهُ كُراعًا تَحرَّكَتْ
أَصابَ مَكانَ القَلْبِ مِنهُ وفَرْفَرا
فهذا وَصْفٌ لافْتِراسِ الذِّئْبِ، دونَ أن يَأتيَ بضَرْبٍ مِنَ المَجازِ، فلا اسْتَعانَ بتَشْبيهٍ أوِ اسْتِعارةٍ أو كِنايةٍ، بل وَصفٍ على الحَقيقةِ، فمَثَلَ المَوْصوفُ في قَلْبِ سامِعِه
[160] يُنظر: ((العمدة في محاسن الشعر وآدابه)) لابن رشيق (2/ 294). .
وقد تَفنَّنَ العَربُ في الجاهِليَّةِ في وَصْفِ بيئتِهم وما فيها مِن حَيَوانٍ وجَمادٍ، وبلَغوا في ذلك غايةَ الإتْقانِ والتَّصْويرِ، فأدْهَشوا السَّامِعينَ؛ فالوَليدُ بنُ عبْدِ المَلِكِ لمَّا سَمِعَ وَصْفَ الشَّمَّاخِ بنِ ضِرارٍ للحُمُرِ الوَحْشيَّةِ -كانَ الشَّمَّاخُ أوْصَفَ النَّاسِ لها- قالَ الوَليدُ: ما أوْصَفَه لها، إنِّي لأَحْسَبُ أنَّ أحَدَ أبَوَيه كانَ حَمَّارًا
[161] ينظر: ((الأغاني)) لأبي الفرج الأصفهاني (9/ 111)، ((خزانة الأدب)) لعبد القادر البغدادي (2/197). .
على أنَّ الشُّعَراءَ وإن كانوا يُجيدونَ أَكْثَرَ الأوْصافِ فإنَّهم اشْتَهروا بأنْواعٍ غلَبَتْ عليهم الإجادةُ فيها؛ فاشْتَهرَ مِن نُعَّاتِ الخَيلِ: امْرُؤُ القَيْسِ، وأبو دُؤادٍ، وطُفَيلٌ الغَنَويُّ، والنَّابِغةُ الجَعْديُّ، ومِن نُعَّاتِ الإبِلِ: طَرَفةُ، وأوْسُ بنُ حَجَرٍ، و
كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ، والشَّمَّاخُ، وإن كانَ أَكْثَرُ القُدَماءِ يُجيدونَ وَصْفَها؛ لأنَّها مَراكِبُهم، وكانَ عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ، والرَّاعي النُّمَيريُّ، أوْصَفَ النَّاسِ لها؛ ولِذلِك سُمِّيَ راعيًا، وأمَّا الخَمْرُ فمِن أوْصافِ الأعْشى والأخْطَلِ و
أبي نُواسٍ، واشْتَهرَ
أبو نُواسٍ وابنُ المُعْتزِّ أيضًا بصِفةِ الصَّيْدِ والطَّرْدِ، وكان ذو الرُّمَّةِ أوْصَفَ النَّاسِ لرَمْلٍ وهاجِرةٍ، وفَلاةٍ وماءٍ وقُرادٍ وحيَّةٍ ...
[162] يُنظر: ((تاريخ آداب العرب)) للرافعي (3/ 83). .
وقد تَفنَّنَ جُلُّ شُعَراءِ الجاهِليَّةِ في الوَصْفِ وبلَغوا فيه سامِقَ العُلا، فنَجِدُ امْرَأَ القَيْسِ يَصِفُ اللَّيلَ ويَتفنَّنُ في تَصْويرِه وتَصْويرِ العَناءِ الَّذي يَلقاه فيه بقَولِه:
ولَيلٍ كمَوجِ البَحْرِ أَرْخى سُدولَهُ
عليَّ بأَنْواعِ الهُمومِ ليَبتَلي
فقُلْتُ لهُ لمَّا تَمَطَّى بصُلْبِهِ
وأَردَفَ أَعْجازًا وناءَ بكَلْكَلِ
ألَا أيُّها اللَّيلُ الطَّويلُ ألَا انْجَلي
بصُبْحٍ، وما الإصْباحُ مِنكَ بأَمثَلِ
فيا لكَ مِن لَيْلٍ كأنَّ نُجومَهُ
بكلِّ مُغارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بيَذْبُلِ
[163] أبيات من بحر الطَّويل لامرئ القيس، وهي من معلَّقتِه المشهورةِ. يُنظر: ((ديوان امرئ القيس)) (ص: 48). ومَعنى تَمطَّى: تَمدَّدَ، وأرْدَفَ: أتْبَعَ، والأعْجازُ: المُؤخِّراتُ، وناءَ: بَعُدَ، والكَلْكَلُ: الصَّدْرُ. ومَعنى البَيْتِ: فقُلْتُ للَّيلِ لمَّا مَدَّ صُلْبَه، يَعني لمَّا أفْرَطَ طولُه، وأرْدَفَ أعْجازًا، يَعني: ازْدادَتْ مَآخيرُه امْتِدادًا وتَطاوُلًا، وناءَ بكَلْكَلٍ، يَعني: أبْعَدَ صَدْرَه.
ومَعنى مُغارِ الفَتْلِ: أي: أُحكِمَ فَتْلُه ورَبْطُه، ويَذبُل: اسمُ جَبَلٍ. يقولُ: إنَّ هذا اللَّيلَ لطولِه كأنَّ النُّجومَ قد وُثِّقَتْ ورُبِطَتْ رَبْطًا مُحكَمًا بالجَبَلِ، فلا تَسْتطيعُ الخَلاصَ مِنه والرَّحيلَ عنه.
ومِن أبْرَزِ الأوْصافِ أيضًا وَصْفُ عَنْتَرةَ لرَوْضةٍ مِن الرِّياضِ؛ حَيْثُ شبَّهَ رائِحةَ ثَغْرِ حَبيبتِه برائِحةِ حَديقةٍ غَنَّاءَ، فقالَ
[164] أبيات من بحر الكامل لعنترة بن شداد العبسي، وهي من معلَّقتِه المشهورةِ. يُنظر: ((ديوان عنترة)) ص: (196). :
أو رَوْضةً أُنُفًا تَضمَّنَ نَبْتَها
غَيْثٌ قَليلُ الدِّمْنِ ليس بمعْلَمِ
جادَتْ عليهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ
فتَرَكْنَ كلَّ قَرارةٍ كالدِّرهَمِ
سَحًّا وتَسْكابًا فكُلُّ عَشيَّةٍ
يَجْري عليها الماءُ لم يَتَصرَّمِ
وخَلا الذُّبابُ بها فليس ببارِحٍ
غَرِدًا كفِعْلِ الشَّارِبِ المُترنِّمِ
هَزِجًا يَحُكُّ ذِراعَه بذِراعِه
قَدْحَ المُكِبِّ على الزِّنادِ الأجْذَمِ
فالرَّوْضةُ الأُنُفُ: الَّتي لم تُوطَأْ، والدِّمْنُ: الغَيْثُ، والمَعلَمُ: المَشْهورُ، ومَعنى ثَرَّة: كَثيرة، والقَرارةُ: المَوضِعُ المُطمئِنُّ مِن الأرْضِ يَجْتمِعُ فيه السَّيْلُ، والسَّحُّ والتَّسكابُ بمَعنى الصَّبِّ، ويَتصرَّمُ: يَتقطَّعُ، ومَعنى غَرِدٍ: طَرِبٌ، والهَزِجُ: السَّريعُ الصَّوْتِ، والأجْذَمُ: المَقْطوعُ اليَدِ.
ومِن ذلِك وَصْفُ طَرَفةَ بنِ العَبْدِ ناقتَه، وهو أفْضَلُ ما قيلَ في وَصْفِ النَّاقةِ:وإنِّي لأُمْضي الهَمَّ عنْدَ احْتِضارِه
بعَوْجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وتَغْتَدي
أَمونٍ كألْواحِ الإرانِ نَصَأْتُها
على لاحِبٍ كأنَّهُ ظَهْرُ بُرجُدِ
جَماليَّةٍ وَجْناءَ تَردي كأنَّها
سَفَنَّجةٌ تَبري لأزْعَرَ أرْبَدِ
تُباري عِتاقًا ناجياتٍ وأتْبَعتْ
وَظيفًا وَظيفًا فوقَ مَوْرٍ مُعبَّدِ
تَرَبَّعتِ القُفَّينِ في الشَّوْلِ تَرْتعي
حَدائِقَ مَوليِّ الأسِرَّةِ أغْيَدِ
تَريعُ إلى صَوْتِ المُهيبِ وتَتَّقي
بذي خُصَلٍ رَوْعاتِ أكْلَفَ مُلبِدِ
كأنَّ جَناحَي مَضْرَحيٍّ تَكنَّفا
حِفافَيهِ شُكَّا في العَسيبِ بمِسْرَدِ
فَطورًا به خَلْفَ الزَّميلِ وتارةً
على حَشَفٍ كالشَّنِّ ذاوٍ مُجدَّدِ
لها فَخِذانِ أُكْمِلَ النَّحْضُ فيهما
كأنَّهما بابا مُنيفٍ مُمرَّدِ
وطيُّ مَحالٍ كالحَنيِّ خُلوفُه
وأجْرِنةٌ لُزَّتْ بدأيٍ مُنضَّدِ
[165] ينظر: ((ديوان طرفة ابن العبد)) (ص: 27). فالاحتضارُ: الحُضورُ، والعَوجاءُ: النَّاقةُ النَّشيطةُ التي لا تستقرُّ في سيرِها، والمرقالُ: التي تسيرُ سيرًا شديدًا، والأَمُون: التي يطمئِنُّ الرَّاكبُ إليها، والإرانُ: التابوتُ الكبيرُ، ونَصَأتُها: زجَرتُها، واللَّاحِبُ: الطَّريقُ السَّهلُ، والبُرجُدُ: الثَّوبُ المخطَّطُ، والجَماليَّةُ: النَّاقةُ التي تشبِهُ الجمَلَ في قوَّتِها، والوجناءُ: النَّاقةُ الكثيرةُ اللَّحمِ، تردي: تَعدو، السَّفَنَّجةُ: النَّعامةُ، تَبري: تَظهرُ، الأزعرُ: الخفيفُ الشَّعرِ، الأربَدُ: المغبَرُّ اللَّونِ كلَونِ الرَّمادِ، العِتاقُ: مفردُها العتيقُ، وهو الكريمُ، النَّاجياتُ: مفردُها النَّاجيةُ، وهي التي تسيرُ سيرًا سريعًا، الوَظيفُ: العَظمُ ما بينَ الرُّسغِ إلى الرُّكبةِ في الرِّجْلِ، أو ما بينَ الرُّسغِ إلى المرفِقِ في اليدِ، المورُ: الطَّريقُ، المُعَبَّدُ: السَّهلُ أثناءَ السَّيرِ، تربَّعَت: أقامت وحلَّت في المكانِ، القُفَّان: موضِعٌ، الشَّوْلُ: مكانُ الرَّعيِ المرتَفِعُ، المَوْليُّ: العُشبُ الذي أصابه الوَلْيُ، وهو المطَرُ، وهو يأتي بعدَ الوَسميِّ، الأسرَّةُ: مفردُها السرُّ، وهو الخيرُ والفضلُ، الأغيَدُ: النَّاعِمُ، تَريعُ: تعودُ، المُهيبُ: الرَّاعي، ذو الخُصَلِ: الفَحْلُ من الإبِلِ، الرَّوعاتُ: مُفردُها الرَّوعةُ، وهي الخشيةُ والخوفُ، الأكلَفُ: الفحلُ الذي يميلُ لونُه إلى السَّوادِ، الملبِدُ: الذي تلَبَّد وبرُه من كثرةِ الوَسخِ، المضْرَحيُّ: النَّسرُ الكبيرُ الأبيضُ، تكنَّفا: أقاما، الحِفافي: الجوانبُ، العسيبُ: عَظْمُ الذَّنَبِ، المَسرَدُ: الإشفى، أو آلةٌ حادَّةٌ تُستعمَلُ للغَرزِ، الهاء في "به" تعودُ للعسيبِ أو الذَّنَبِ، الزَّميلُ: الرَّاكبُ على النَّاقةِ خَلفَ الرَّاكبِ الأصليِّ، الحَشَفُ: مفردُها الحَشَفةُ، وهو الضَّرعُ الذي جفَّ لبنُه، الشَّنُّ: القِربةُ الباليةُ، الذَّاوي: الذَّابلُ، المجدَّدُ: الذي انقطع لبنُه، والمعنى: أنَّ هذه النَّاقةَ تضرِبُ بذَيلِها يمينًا ويَسرةً، فتُصيبُ مرَّةً الرَّاكِبَ على ظَهرِها خَلفَ الرَّاكبِ الأوَّلِ، ومرَّةً تصيبُ أخلافَها التي جفَّ الحليبُ منها، النَّحضُ: اللَّحمُ، البابُ المنيفُ: البابُ العائِدُ للقصرِ العالي، المُمرَّد: الأملَسُ، والمعنى: أنَّ اللَّحمَ قد غطَّى فَخِذَي هذه النَّاقةِ حتى أصبحا كبابِ قصرٍ عالٍ عريضٍ وأملَسَ، المَحالُ: مفردُها المحالةُ، وهي فقرةُ الظَّهرِ، الحَنِيُّ: الواحِدةُ حنيَّةٌ، وهي العصا، الخُلوفُ: مُفردُها الخَلفُ، وهو الضِّلعُ، الأجرِنةُ: مفرَدُها الجِرانُ، وهو باطِنُ العُنُقِ، لُزَّت: ضُمَّت، الدَّأيُ: مفرَدُها الدَّأيةُ، وهي خَرَزةُ الظَّهرِ والعُنُقِ، المنضَّدُ: الموضوعُ بعضُه فوقَ بعضٍ، وهو ما زال يصِفُ فَقارَ ظهرِ النَّاقةِ.
خَصائِصُ الوَصْفِ:يَتميَّزُ الوَصْفُ الجاهِليُّ بعِدَّةِ خَصائِصَ تُميِّزُه، ومِنها:
- أنَّه لم يكنْ غَرَضًا مُتفرِّدًا، بمَعنى أنَّه لم تُوجَدْ قَصيدةٌ تَفرَّدَ فيها الوَصْفُ وَحدَه، وإنَّما يَأتي الوَصْفُ غَرَضًا مُشْترَكًا، فيكونُ الوَصْفُ مُشترَكًا معَ الغَزَلِ أوِ المَدْحِ أو غيْرِ ذلِك.
- غَلَبةُ الطَّابَعِ الحِسِّيِّ على الصُّوَرِ؛ بحيثُ تَطْغى العَيْنُ على غيْرِها مِن الحَواسِّ في التَّشْبيهِ والوَصْفِ، فلا يُوصَفُ إلَّا بشيءٍ مَرئيٍّ مُشاهَدٍ، كما تَتَّسِمُ أيضًا باقْتِرابِ المُشبَّهِ مِن المُشبَّهِ به، فالنَّاقةُ تُشبَّهُ بالسَّفينةِ، وعَيْنُ المَحْبوبةِ بعُيونِ المَها، وقِوامُها بالرُّمْحِ.
- تَجْسيدُ المَعنى أو تَجْسيمُه؛ فالقيمةُ مِن التَّشْبيهِ هي تَحْويلُ المَعْنويِّ إلى ماديٍّ له رُوحٌ، يَتَحرَّكُ ويَرى ويَنظُرُ، يَتجلَّى ذلِك في تَصْويرِ زُهَيْرٍ للمَوْتِ بالنَّاقةِ العَمْياءِ؛ حيثُ قالَ:
رأيتُ المَنايا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ
تُمِتْهُ ومَن تُخطِئْ يُعَمَّرْ فيَهْرَمِ
- الاسْتِطرادُ: وهو الانْتِقالُ مِن وَصْفٍ إلى آخَرَ، وقد يَعودُ إلى الأوَّلِ، كما صنَعَ لَبيدٌ في مُعلَّقتِه؛ حيثُ انْتَقلَ مِن وَصْفِ النَّاقةِ إلى وَصْفِ الحِمارِ الوَحْشيِّ، فوَصَفَه في عشَرةِ أبْياتٍ، ثُمَّ رجَعَ مرَّةً أخرى فاسْتَكمَلَ وَصْفَ النَّاقةِ مُجدَّدًا.
- الواقِعيَّةُ: وهي أن يكونَ وَصْفُ الشَّيءِ مُعْتمِدًا على الواقِعِ؛ فإذا كانَ الشَّاعِرُ أعْرابيًّا جِلْفًا، جاءَ وَصْفُه بصورةٍ جافيةٍ، فلم يَتحرَّجْ مِن أن يَصِفَ وجوهَ أصْحابِه بوجوهِ الذِّئابِ
[166] يُنظر: ((الأدب الجاهلي؛ قضاياه أغراضه أعلامه فنونه)) لزكي طليمات وعرفات الأشقر (ص: 103-105). .