المَطلَبُ الأوَّلُ: حسَّانُ بنُ ثابِتٍ
هو حسَّانُ بنُ ثابِتِ بنِ المُنذِرِ الخَزْرَجيُّ الأنْصاريُّ، أبو الوَليدِ، الصَّحابيُّ، شاعِرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأحَدُ المُخَضْرَمينَ الَّذين أدْرَكوا الجاهِليَّةَ والإسْلامَ.
عاشَ سِتِّينَ سَنَةً في الجاهِليَّةِ وسِتِّينَ سَنَةً في الإسْلامِ، وكانَ يَضرِبُ بلِسانِه رَوثةَ أنْفِه مِن طولِه! ويقولُ: ما يَسُرُّني به مَقولُ أحَدٍ مِن العَربِ، واللهِ لو وَضَعْتُه على شَعْرٍ لحَلَقَه، أو على صَخْرٍ لفَلَقَه!
لم يَشهَدْ مَشْهَدًا مِن المَشاهِدِ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّه كانَ يَجبُنُ ولا يَقْوى على الجَلَدِ والقِتالِ.
وقد تَرَكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النِّساءَ يَوْمَ الخَنْدقِ في حِصْنِ حسَّانَ بنِ ثابِتٍ، وجَعَلَ عليهم حسَّانَ، فأرادَ رَجُلٌ مِن المُشْرِكينَ أن يَقْتحِمَ عليهم الحِصْنَ، فأشارَتْ صَفيَّةُ بِنْتُ عبْدِ المُطَّلِبِ عمَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى حسَّانَ ليَقتُلَه، فأبى وجَبُنَ، فأخَذَتِ السَّيْفَ فقَتَلَتْه، ثُمَّ أمَرَتْ حسَّانَ أن يَأخُذَ رأسَه فيَرْميَها على اليَهودِ تحتَ الحِصْنِ، فأبى ففعَلَتْ هي ذلك، فقالَ الأحْزابُ: ما كانَ مُحمَّدٌ ليَتْرُكَ النِّسوةَ ليس معَهنَّ أحَدٌ، وتَفرَّقوا عنِ الحِصْنِ!
كانَ يُدافِعُ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويَهْجو أعْداءَه، وبَنى له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَسجِدِه مِنْبَرًا يَقومُ عليه يُنافِحُ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
واشْتَهرَتْ مَدائِحُه في الغَسَّانيِّينَ ومُلوكِ الحِيرةِ قبْلَ الإسْلامِ، ولمَّا أسْلَمَ قَصَرَ شِعْرَه على مَدْحِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونُصرةِ الإسْلامِ.
وكانَ ممَّن خاضَ في حادِثةِ الإفْكِ، ثُمَّ دَخَلَ على
عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها وقد أصابَه العَمى، وأنْشَدَها قَصيدتَه "حَصانٌ رَزانٌ" في الدِّفاعِ عنها وتَبْرئتِها ممَّا قيلَ، والاعْتِذارِ عمَّا بَدَرَ منه، فعاتبَها مَسْروقٌ على ذلك فقالَ: لمَ تَأذَنينَ له يَدخُلُ عليكِ؟ وقدْ قالَ اللهُ:
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 11] فَقالَتْ: فأيُّ عَذابٍ أشَدُّ مِنَ العَمى؟ إِنَّه كانَ يُنافِحُ أو يُهاجي عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
[367] أخرجه البخاري (4146)، ومسلم (2488). .
عاشَ رَضيَ اللهُ عنه إلى زَمانِ
مُعاوِيةَ، وقيلَ: تُوفِّيَ سَنَةَ (40هـ)، وقيلَ: (54هـ)
[368] ينظر: ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (1/296)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (2/ 512). .
ومِن شِعْرِه [369] ((ديوان حسان بن ثابت)) (ص: 54). :أغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبوَّةٍ خاتَمٌ
مِنَ اللهِ مَشْهودٌ يَلوحُ ويَشهَدُ
وضَمَّ الإلهُ اسمَ النَّبيِّ إلى اسمِهِ
إذا قالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
وشقَّ لهُ مِنِ اسمِهِ ليُجِلَّهُ
فذو العَرْشِ مَحْمودٌ وهذا مُحمَّدُ
نَبيٌّ أتانا بَعْدَ يَأسٍ وفَتْرَةٍ
مِنَ الرُّسْلِ والأوْثانُ في الأرضِ تُعبَدُ
فأمْسى سِراجًا مُسْتَنيرًا وهادِيًا
يَلُوحُ كما لاحَ الصَّقيلُ المُهَنَّدُ
وأنْذَرَنا نارًا وبَشَّرَ جَنَّةً
وعلَّمَنا الإسْلامَ فاللهَ نَحمَدُ
وأنتَ إلهَ الخَلْقِ ربِّي وخالِقي
بذلك ما عُمِّرْتُ في النَّاسِ أشْهَدُ
تَعالَيْتَ رَبَّ النَّاسِ عن قَوْلِ مَن دَعا
سِواكَ إلهًا أنْتَ أعْلَى وَأمْجَدُ
لكَ الخَلْقُ والنَّعْماءُ والأمْرُ كُلُّهُ
فإيَّاكَ نَسْتَهْدي وإيَّاكَ نَعبُدُ