المَطلَبُ الرَّابِعُ: كَعْبُ بنُ مالِكٍ
هو كَعْبُ بنُ مالِكِ بنِ أبي كَعْبٍ، عَمْرِو بنِ القَيْنِ بنِ كَعْبِ بنِ سَوادِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلَمةَ الأنْصارِيُّ الخَزْرجيُّ.
أحَدُ شُعَراءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، شَهِدَ العَقَبةَ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وشَهِدَ معَه المَغازيَ كلَّها إلَّا بَدْرًا، وقِصَّتُه في التَّخلُّفِ عن تَبوكٍ مَشْهورةٌ.
قاتَلَ يَوْمَ أحُدٍ قِتالًا شَديدًا وهو يُدافِعُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى جُرِحَ سَبْعةَ عشَرَ جُرْحًا، حتَّى أشْرَفَ على المَوْتِ، وقدْ كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آخى بيْنَه وبيْنَ
الزُّبَيرِ، فقيلَ: لو ماتَ وَرِثَه
الزُّبَيْرُ، فأنْزَلَ اللهُ:
وَأُولُو الْأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال: 75] ، فصارتِ القَرابةُ أولى بالميراثِ مِن المُؤاخاةِ.
كانَ كَعْبٌ يُدافِعُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويَهْجو الكُفَّارَ ويُهدِّدُهم بالحَرْبِ، فيقولُ: فعَلْنا فيكم وفعَلْنا ونَفعَلُ، وحسَّانُ يَذكُرُ مَثالِبَهم وعُيوبَهم، وابنُ رَواحةَ يُوبِّخُهم على الكُفْرِ.
وعن كَعبِ بنِ مالكٍ رَضِي الله عنه: أنَّه قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
((يا رَسولَ اللهِ، قد أنْزَلَ اللهُ في الشُّعَراءِ ما أنْزَلَ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ المُجاهِدَ مُجاهِدٌ بسَيْفِه ولِسانِه، والَّذي نفْسي بيَدِه لكأنَّ ما تَرْمونَهم به نَضْحُ النَّبْلِ )) [377] أخرجه أحمد (27174) واللفظ له، وابن حبان (4707)، والطبراني (19/75) (151). .
وقد أسَلَمَتْ قَبيلةُ دَوْسٍ خَوْفًا مِن بَيْتٍ قالَه كَعْبُ بنُ مالِكٍ، وهو قَولُه:
نُخَيِّرُها ولو نَطَقَتْ لقالَتْ
قَواطِعُهنَّ دَوْسًا أو ثَقيفا
وقد قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له:
((ما نَسيَ ربُّك لك، وما كانَ ربُّك نَسِيًّا بَيْتًا قُلْتَه))، قالَ كَعْبٌ: وما هو؟ قالَ النَّبيُّ: أنْشِدْه يا
أبا بَكْرٍ، فقالَ
أبو بَكْرٍ:
زَعَمَتْ سَخينةُ أنْ ستَغلِبَ رَبَّها
ولَيُغلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلَّابِ
[378] أخرجه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (1/120)، وابن أبي الدنيا في ((الأشراف)) (221)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (50/190) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ناصَرَ كَعْبٌ عُثْمانَ رَضيَ اللهُ عنه يَوْمَ الفِتْنةِ، ونافَحَ عنه إلى أن أمَرَ عُثْمانُ بعَدَمِ القِتالِ، ثُمَّ اسْتُشهِدَ عُثْمانُ رَضيَ اللهُ عنه، فأنْشَدَ كَعْبٌ:
فكَفَّ يَدَيهِ ثُمَّ أغْلَقَ بابَهُ
وأيْقَنَ أنَّ اللهَ ليس بِغافِلِ
وقالَ لِمَن في دارِهِ: لا تُقاتِلوا
عَفا اللهُ عن كلِّ امْرِئٍ لم يُقاتِلِ
فكيف رأيْتَ اللهَ صَبَّ عليهمُ ال
عَداوةَ والبَغْضاءَ بعْدَ التَّواصُلِ
وكيف رأيْتَ الخَيْرَ أدْبَرَ عنهمُ
وولَّى كإِدْبارِ النَّعامِ الجَوافِلِ
تُوفِّيَ رَضيَ اللهُ عنه سَنَةَ 40هـ، وكانَ قد كُفَّ بَصَرُه في آخِرِ حَياتِه
[379] يُنظر: ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (50/176)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (2/ 523). .
ومِن جيِّدِ شِعْرِه [380] ((ديوان كعب بن مالك)) (ص: 238). :قَضَيْنا مِن تِهامةَ كلَّ رَيْبٍ
وخَيْبَرَ ثُمَّ أجْمَمْنا السُّيوفا
نُخَيِّرُها ولو نَطَقَتْ لَقالَتْ
قَواطِعُهنَّ دَوْسًا أو ثَقيفا
فلسْتُ لِحاضِنٍ إنْ لم تَرَوها
بِساحةِ دارِكم منَّا أُلوفا
ونَنْتَزِعُ العُروشَ بِبَطْنِ وَجٍّ
وتُصبِحُ دُورُكم مِنكم خُلوفا
ويَأتيكم لنا سَرعانُ خَيْلٍ
يُغادِرُ خَلْفَهُ جَمْعًا كَثيفا
إذا نَزَلوا بساحتِكم سَمِعْتُم
لها ممَّا أناخَ بها رَجيفا
بأيديهم قَواضِبُ مُرْهَفاتٌ
يُزِرْنَ المُصْطَلينَ بها الحُتوفا
كأمْثالِ العَقائِقِ أخْلَصَتْها
قُيونُ الهِنْدِ لم تُضرَبْ كَتيفا
تَخالُ جَديَّةَ الأبْطالِ فيها
غَداةَ الزَّحْفِ جادِيًّا مَدوفا
أجِدَّهمُ أليس لهُمْ نَصيحٌ
مِن الأقْوامِ كانَ بنا عَريفا
يُخبِّرهُم بأنَّا قد جَمَعْنا
عِتاقَ الخَيْلِ والنُّجُبَ الطُّروفا
وأنَّا قد أتَيْناهم بزَحْفٍ
يُحيطُ بسُورِ حِصْنِهم صُفوفا
رَئيسُهمُ النَّبيُّ وكانَ صُلْبًا
نَقيَّ القَلْبِ مُصْطبِرًا عَزوفا
رَشيدُ الأمْرِ ذو حُكْمٍ وعِلمٍ
وحِلمٍ لم يكُنْ نَزَقًا خَفيفا
نُطيعُ نَبيَّنا ونُطيعُ رَبًّا
هو الرَّحْمنُ كانَ بنا رَؤوفا