صاحِبُ الحال: هو الذي تُبَيِّن الحالُ هيئتَه، مِثلُ (الضيف) في قَولِك: جاء الضيفُ مَسرورًا، و(الجيش) في قَولِك: رجع الجيشُ منتصرًا.
حكمُ صاحِبِ الحالِ:
نِسبةُ الحالِ من صاحِبِها مِثْلُ نسبة المُبتَدَأِ من خَبَره، فكما أنَّ الأصلَ في المُبتَدَأِ أن يكونَ معْرِفةً، ولا يكونُ نكرةً إلَّا بمسوِّغ، والأصلَ في الأخبارِ أن تكونَ نَكِرةً؛ فكذلك (الحالُ) الأصلُ فيها أن تكونَ نَكِرةً، وأن يكونَ صاحِبُها مَعْرِفةً.
مِثالُ ذلك: جاء الرَّجُلُ راكبًا، فـ(راكبًا) حالٌ من الرَّجُلِ، وهو صاحِبُها، وهو مَعرِفةٌ، وكذلك قَولُك: لَقِيتُك مُنطَلِقًا، فصاحِبُ الحالِ هنا مَعرِفةٌ، وهو الضَّميرُ المرفوع (التاء) إن كان المُتكَلِّمُ هو الذي كان منطلقًا، أو المنصوبُ (الكاف) إذا كان المنطلقُ المخاطَبَ.
(لقيتُك) لقي: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِل، والتاء: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، والكاف: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به.
(منطلقًا) حالٌ من (التاء) أو (الكاف) منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِها الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
مجيءُ صاحِبِ الحالِ نَكِرةً:
قد يأتي صاحِبُ الحالِ نَكِرةً بشَرطِ أمْن اللَّبسِ وحُصولِ الفائِدةِ، كما يجوز أيضًا في المُبتَدَأِ أن يأتي نكرةً، وهناك مُسَوِّغاتٌ تجيزُ مجيءَ صاحبِ الحالِ نَكِرةً، وهذه المسَوِّغاتُ هي:
1- التخصيصُ: وهو تقليلُ الاشتراكِ في النَّكِراتِ، أي: أن يكونَ نَكِرةً مختَصَّةً إمَّا بالإضافةِ وإمَّا بالوَصفِ.
فمِثالُ التخصيصِ بالإضافةِ قَولُه تعالى: وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ [فصلت: 10] ؛ فـ"سواءً" حالٌ من نكرةٍ، وهي (أربعة)؛ لأنَّها تكونُ مِنَ الأيامِ، أو الأسابيعِ، أو الشُّهورِ، لكِنَّها خُصِّصَت بإضافتِها للأيَّامِ.
ومثاله أيضًا: مررتُ بغلامِ رجُلٍ مَكتوفًا.
مررتُ: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِل، والتاء: ضَميرٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ.
بغلام: الباء حَرفُ جَرٍّ، وغلام: اسمٌ مَجرورٌ بالباء، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
رجلٍ: مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
مكتوفًا: حالٌ منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِها الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
فـ(غلام) نكرةٌ، ولكن خُصِّصَ بإضافتِه إلى رَجُلٍ؛ فصَحَّ مجيئُه صاحبَ حالٍ.
والملاحَظُ هنا أنَّ الإضافةَ هي إضافةٌ إلى النَّكِراتِ، ولو كانت الإضافةُ إلى معْرِفةٍ لَما كان صاحِبُ الحالِ نَكِرةً؛ لأنَّه يكتَسِبُ التعريفَ مِن المُضافِ إليه.
ومثالُ التخصيصِ بالوَصفِ قَولُه تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا [الدخان: 4، 5]، على إعرابِ "أمرًا" حالًا من (أمرٍ)، وإنما جاز كونُه صاحِبَ حالٍ؛ لأنَّه موصوفٌ بقوله: حَكِيمٍ. وتَقولُ: الْتقى الوفدُ برجلٍ مِصْريٍّ ماشيًا.
التقى: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ المقَدَّرِ للتعَذُّرِ.
الوفد: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ
برجل: جارٌّ ومَجرورٌ، وهو صاحِبُ الحالِ.
مصريٍّ: نعتٌ مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
ماشيًا: حالٌ منصوبةٌ، وعَلامةُ نَصبِها الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
2- أن تكونَ النَّكِرةُ عامَّةً؛ بأن تعتَمِدَ على نفيٍ أو نهيٍ أو استفهامٍ. مِثالُ النَّفيِ قَولُه تعالى: وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ [الحجر: 4]؛ فجُملة: «ولها كتابٌ معلومٌ» حاليَّةٌ، وصاحِبُها (قرية)، وهي نَكِرةٌ عامَّةٌ وقعت في سياقِ نَفيٍ.
ومثال النَّهيِ قَولُك: لا يبْغِ امرؤٌ على امرئٍ مُسْتسهِلًا، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
لا يركنَنْ أحدٌ إلى الإحجامِ
يومَ الوغى مُتَخَوِّفًا لِحِمَامِ
فـ(مستسهلًا) حالٌ من (امرؤ) الأولى، وقد جاءت في سياقِ نَهي،ٍ فسوَّغ ذلك مجيئَها نكرةً.
وكذلك (متخَوِّفًا) في البيتِ؛ فإنها حالٌ من (أحد)، وهي نَكِرةٌ في سياقِ نَهيٍ.
ومثالُ الاعتمادِ على الاستفهامِ قَولُ الشَّاعِرِ:
يا صاحِ هل حُمَّ عَيشٌ باقيًا فترى
لنفْسِك العُذرَ في إبعادِها الأَمَلَا
أي: هل قُدِّر للإنسانِ العيشُ باقيًا فيه مُخلَّدًا؛ فتكونَ مُحِقًّا في طولِ الأمَلِ؟! وقد وقع الحالُ هنا (باقيًا) لنكرةٍ (عَيْش) في سياقِ الاستفهامِ.
3- أن يكونَ صاحِبُ الحالِ مُؤَخَّرًا عن الحالِ، مِثلُ قَولِ الشَّاعِرِ:
لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ
يَلُوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ
فـ(مُوحِشًا) حالٌ، وصاحِبُها (طَلَل)، وهي نَكِرةٌ، والمسَوِّغُ في مجيءِ صاحِبِ الحالِ نَكِرةً تأخيرُه عنْها، والأصلُ: (لِمَيَّةَ طَلَلٌ مُوحِشٌ) على الوَصفِيَّةِ؛ إذ لا مُسَوِّغَ حينئذٍ لكونها حالًا بعد التأخُّرِ.
ومِثالُه أيضًا: في الدَّارِ جالسًا رجُلٌ يُنظَر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (2/ 331)، ((ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب)) لأبي حيان الأندلسي (3/ 1577). .
(في الدار) في: حَرفُ جَرٍّ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، الدَّار: اسمٌ مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ، وشِبهُ الجُملةِ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ.
(جالسًا) حالٌ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
(رجل) مُبتَدَأٌ مؤخَّرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
وقد يكونُ صاحِبُ الحالِ نَكِرةً بغَيرِ مُسَوِّغٍ، وهذا يكونُ في المسموعِ فقط عن العَرَبِ، كقَولِهم: عليه مائةٌ بِيضًا، وقَولِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها في الحديثِ: «صَلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيتِه وهو شاكٍ، فصلَّى جالسًا وصلَّى وراءه قومٌ قيامًا » أخرجه مطولاً البخاري (688) واللفظ له، ومسلم (412) من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. .
فالغالِبُ في صاحِبِ الحالِ أن يكونَ معْرِفةً، وقد يأتي نَكِرةً بمُسوِّغٍ، وإتيانُه نَكِرةً بغَيرِ مُسَوِّغٍ لا يُقاسُ عليه يُنظَر: ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (2/ 701)، ((أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك)) لابن هشام (2/ 265). .