المَطْلَبُ الأوَّلُ: أبو نُواسٍ
هو
الحَسَنُ بنُ هانِئِ بنِ عبْدِ الأوَّلِ بنِ صَباحٍ، الحَكَميُّ بالوَلاءِ، مَوْلى الحَكَمِ بنِ سَعْدِ العَشيرةِ، مِن اليَمَنِ.
نَشَأَ يَتيمًا، وانْتَقلَ إلى البَصْرةِ، وتَعاهَدَتْه أمُّه على الكُتَّابِ، فحَفِظَ القُرآنَ وشيئًا مِن الشِّعْرِ والأدَبِ، ثُمَّ ألْحَقَتْه أمُّه بأحَدِ العَطَّارينَ ليَكْسِبَ قوتَ يَوْمِه، إلَّا أنَّه كانَ يَذهَبُ إلى المَسجِدِ بعْدَ انْتِهاءِ عَمَلِه ليَنهَلَ شيئًا مِن الشِّعْرِ وغَرائِبِ اللُّغةِ وأيَّامِ العَربِ، فحَفِظَ القُرآنَ وأطْرافًا مِن الشِّعْرِ، وتَفتَّحَتْ مَوْهِبتُه، فأخَذَ يَلهَجُ ببعضِ الأشعارِ؛ حتَّى تَوسَّمَ فيه والِبةُ بن الحُبابِ -أحَدُ ماجِني الكوفةِ المَشاهيرِ- النَّجابةَ والذَّكاءَ، فعَرَضَ عليه أن يَصْطحِبَه إلى الكوفةِ، وهناك يَرى مِن المُجونِ واللَّهْوِ على يَدِ والِبةَ وأصْدِقائِه مُطيعِ بنِ إياسٍ وحَمَّاد عَجْرَد وغيْرِهما، فعاقَرَ الخَمْرَ ونادَمَ القِيَانَ وأدْمَنَ مَجالِسَ اللَّهْوِ والمُجونِ، وعَكَفَ على تَصْويرِ الخَمْرِ في شِعْرِه حتَّى صارَ شاعِرَ الخَمْرِ، وذاعَ صيتُه في شِعْرِ المُجونِ واللَّهْوِ والتَّغزُّلِ بالنِّساءِ، وتابَعَ حمَّادًا في الغَزَلِ بالمُذكَّرِ حتَّى فاقَه
[588] ينظر: ((طبقات الشُّعَراء)) لابن لمعتز (ص: 193)، ((الشِّعْر والشُّعَراء)) لابن قتيبة (2/784). .
ومِن شِعْرِه:ألَا فاسْقِني خَمْرًا وقُلْ لي هي الخَمْرُ
ولا تَسْقِني سِرًّا إذا أمْكَنَ الجَهْرُ
فما الغُبْنُ إلَّا أن تَرانيَ صاحيًا
وما الغُنْمُ إلَّا أن يُتَعْتِعَني السُّكْرُ
فبُحْ باسمِ مَن تَهْوى ودَعْني مِن الكُنى
فلا خَيْرَ في اللَّذَّاتِ مِن دونِها سِتْرُ
وخَمَّارةٍ نَبَّهْتُها بَعْدَ هَجْعةٍ
وقد غابَتِ الجَوْزاءُ وارْتَفَعَ النَّسْرُ
فقالت: مَن الطُّرَّاقُ، قُلْنا: عِصابةٌ
خِفافُ الأداوى، يُبْتَغى لهمُ خَمْرُ
ولا بُدَّ أن يَزْنوا، فقالت: أو الفِدا
بأبْلَجَ كالدِّينارِ في طَرْفِه فَتْرُ
فقُلْتُ: فهاتيهِ، فما إنْ لمِثلِنا
فَدْيناكِ بالأهْلينَ عن مِثلِهِ صَبْرُ
فجاءَتْ به كالبَدْرِ لَيلةَ تِمِّهِ
تَخالُ به سُكْرًا وليس به سُكْرُ
فقُمْنا إليه واحِدًا بعْدَ واحِدٍ
فكانَ به مِن صَوْمِ غُرْبتِنا فِطْرُ
وبِتْنا يَرانا اللهُ شَرَّ عِصابةٍ
نُجرِّرُ أذْيالَ الفُسوقِ ولا فَخْرُ
[589] ((ديوان أبي نواس)) (ص: 241). وقالَ:أموتُ ولا تَدْري وأنت قَتَلْتَني
ولو كنْتَ تَدْري كنْتَ لا شَكَّ تَرْحَمُ
أهابُك أن أشْكو إليك صَبابةً
فلا أنا أُبْديها ولا أنت تَعلَمُ
لِساني وقَلْبي يَكْتُمانِ هَواكمُ
ولكنَّ دَمْعي بالهَوى يَتَكلَّمُ
ولو لم يَبُحْ دَمْعي بمَكْنونِ حُبِّكم
تَكلَّمَ جِسْمي بالنُّحْولِ يُتَرجِمُ
[590] ((ديوان أبي نواس)) (ص: 574).