المَطْلَبُ الثَّالثُ: بِناءُ المُوَشَّحاتِ
اتَّخَذَ الأنْدَلُسيُّونَ المُوَشَّحاتِ على وَجْهٍ مُعيَّنٍ ونَمَطٍ خاصٍّ يَخْتلِفُ عن الشِّعْرِ في شيءٍ مِن الوَزْنِ والقافِيةِ؛ فلِلمُوَشَّحِ بَحْرٌ مُعيَّنٌ يَجْري عليه كلُّ أجْزائِه، ورُبَّما خالَفَتِ المَطالِعُ والأقْفالُ فحسْبُ في ذلك الوَزْنِ، أمَّا القافِيةُ فتَتَّحِدُ في الغُصْنِ الواحِدِ، كما تَتَّحِدُ في المَطلَعِ والأقفالِ كافَّةً، ولِمَزيدٍ مِن التَّوْضيحِ فهذه أمْثِلةٌ للمُوَشَّحاتِ، يَتْلوها ذِكْرُ مُصْطَلحاتِ المُوَشَّحِ وبِنائِها:
قالَ أبو بَكْرِ مُحمَّدُ بنُ زُهْرٍ:سَلِّمِ الأمْرَ للقَضا
فهْو للنَّفْسِ أنْفَعُ
واغْتَنِمْ حينَ أقْبَلا
وَجْهُ بَدْرٍ تَهَلَّلا
لا تَقُلْ بالهُمومِ لا
كلُّ ما فاتَ وانْقَضى
ليسَ بالحُزْنِ يَرجِعُ
فاصْطَبِحْ بابنةِ الكُروم
مِن يَدَي شادِنٍ رخيم
حينَ يَفْتَرُّ عن نَظيم
ضَوءُ بَرْقٍ قدَ اوْمَضا
أو رَحيقٌ مُشَعْشَعُ
[766] ((نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)) للتلمساني (2/251). وقالَ ابنُ التِّلِمْسانيِّ: قَمَرٌ يَجْلو دُجى الغَلَسِ
بَهَرَ الأبْصارَ مُذْ ظَهَرا
آمِنٌ مِن شُبْهةِ الكَلَفِ
ذُبْتُ مِن عَيْنَيهِ بالكَلَفِ
لم يَزَلْ يَسْعى إلى تَلَفي
برِكابِ الدَّلِّ والصَّلَفِ
آهِ لولا أعْيُنُ الحَرَسِ
نِلْتُ مِنه الوَصْلَ مُقْتدِرا
يا أميرًا جارَ مُذْ وَلِيا
كيف لا تَرْثي لمَن بَلِيا
فبِثَغْرٍ مِنك قد جُلِيا
قد حَلا طَعْمًا وقدْ حَلِيا
وبما أُوتِيتَ مِن كَيسٍ
جُدْ فما أبْقَيْتَ مُصْطَبرا
[767] ((نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)) للتلمساني (2/ 556). وقالَ أبو عامِرِ بنِ يَنَّقٍ:فَتَكَتْ بالعَميدِ
ألْحاظُ تلك الغِيدِ
وانْثَنَتْ كالصِّعادِ
تَهتَزُّ يَوْمَ الطِّرادِ
رُحْنَ بَيْنَ الرِّباطِ
مَشيَ القَطا المَبْهورِ
كالعَوالي السِّباطِ
مُهَفْهَفاتِ الخُصورِ
كالظِّباءِ العَواطي
أو المَها المَذْعورِ
يَثْنينَ وَشْيَ البُرودِ
على غُصونِ القُدودِ
وهُنَّ ذاتُ تَهادٍ
ثَنْيَ القَنا المُنْئادِ
صاحِ عُجْ بالكَثيبِ
وَحَيِّ فيه مَواقِف
مِن عاطِراتِ الجُيوبِ
تَبُضُّ نَبْضَ المُوالِف
واضِحاتٍ غَروبِ
تزهى بحُلْوِ المَراشِف
أيُّ ريقٍ بَرودِ
لحَرِّ صَبٍّ عَميدِ
ما يَصُدُّ الغَوادِ
تُصَدُّ عنه صَوادي
[768] ((جيش التوشيح)) للسان الدين ابن الخطيب (ص: 182). وقولُ ابنُ يَنَّقٍ أيضًا:هل الوَجيبُ
إلَّا كما أجِدُ
قَلْبٌ يَذوبُ
ولَوْعةٌ تَقِدُ
ولي حَبيبُ
مَحَلُّهُ الكَبِدُ
يَدْري الَّذي بي
ويَكتُمُ الحالَ عِلْما
وما نَصيبي
مِنه سِوى الهَجْرِ قَسْما
يا مَن أنادي
مِن فَرْطِ بَلْواهُ
هل أنت هادِ
مَن ضَلَّ مَسْراهُ
رُعْتَ فُؤادي لا راعَك اللهُ
تُذْكي وَجيبي
وتُتْلِفُ الجِسْمَ سُقْما
مَن للكَئيبِ
إن لم يكنْ مِنك رُحْمى
ما كلُّ سُؤْدُدْ
إلَّا أبو بَكْرِ
غَمْرٌ مُمَجَّدْ
مُؤَيَّدُ النَّصْرِ
إذا تَشَدَّدْ
في راحةِ الظَّفْرِ
ناءٍ قَريبْ
كالشَّمْسِ نورًا وعُظْما
خَطٌّ بطيبْ
مِن ذِكْرِ عُلياهُ نَمَّا
[769] ((جيش التوشيح)) للسان الدين ابن الخطيب (ص: 183).