المطلَبُ الثَّاني: شُعَراءُ الشِّعرِ المَنثورِ
1- أمينٌ الرَّيحانيُّ: هو أمينُ بنُ فارِسِ بنِ أنطونَ بنِ يُوسُفَ بنِ عبدِ الأحَدِ البجَّانيُّ، المعروفُ بالرَّيحانيِّ، وُلِد سَنةَ 1876م، بقريةِ الفريكةِ من قُرى لُبنانَ، وتعلَّم في مَدرَسةٍ ابتدائيَّةٍ، ورحَل إلى أمريكا وهو في الحاديةَ عَشرةَ من عُمُرِه مع عمٍّ له، ثمَّ لحِقَ بهما أبوه فارِسٌ، فاشتغلوا بالتِّجارةِ في نِيُويُوركَ، وأُولِع أمينٌ بالتَّمثيلِ، فلَحِق بفرقةٍ جال معها في عِدَّةِ وِلاياتٍ، والتحق بكُلِّيَّةِ الحُقوقِ، ولكن لم يستمِرَّ بها، وعاد إلى لُبنانَ سنة 1898م، فدرَس شيئًا من قواعِدِ العربيَّةِ، وحَفِظ كثيرًا من لُزُوميَّاتِ
المَعَرِّي .
وتردَّد الرَّيحانيُّ بَينَ بلادِ الشَّامِ وأمريكا، وزار نجدًا والحِجازَ، واليَمَنَ والعِراقَ، ومِصرَ وفِلَسطينَ، والمَغرِبَ والأندَلُسَ، ولَنْدَن وبارِيسَ، وكتَب وخطَب بالعَرَبيَّةِ والإنجليزيَّةِ، واختاره مَعهَدُ الدِّراساتِ العَرَبيَّةِ في المَغرِبِ الإسبانيِّ رئيسَ شَرَفٍ له، كما انتخَبه المجمَعُ العِلميُّ العَرَبيُّ عُضوًا مراسِلًا سَنةَ 1921م، وكان يقالُ له: فيلسوفُ الفريكةِ، وتُوفِّيَ في قريتِه سَنةَ 1940م.
ومِن كُتُبِه: «الرَّيحانيَّاتُ»، «مُلوكُ العَرَبِ»، «تاريخُ نجدٍ الحديثُ»، «فَيصَل الأوَّل»، «قَلبُ العِراقِ»، «المغرِبُ الأقصى». وله بالإنجليزيَّةِ: «الرُّباعيَّاتُ»
لأبي العَلاءِ ، «اللُّزوميَّاتُ»
للمَعَرِّي ، «ابنُ سُعودٍ ونَجدٌ»، «حَولَ الشَّواطئِ العَرَبيَّةِ»، «بلادُ اليَمَنِ»
[906] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (2/ 18- 19). .
مِن النُّقَّادِ من ينعَتُ الرَّيحانيَّ بأنَّه أبو الشِّعرِ المنثورِ؛ لأنَّه أوَّلُ من نقَل هذا الزِّيَّ الرَّائجَ في الغَرْبِ إلى العَرَبيَّةِ، وأنَّه قد وَجَد فيه آخِرَ ما اتَّصل إليه من الارتقاءِ الشِّعريِّ؛ فهو أوَّلُ شاعرٍ عَرَبيٍّ اهتمَّ بالشِّعرِ المنثورِ تنظيرًا وممارسةً، كما تقولُ حُوريَّةُ الخَمليشيُّ، أمَّا أدونيسُ فيرى أنَّ الرَّيحانيَّ بشَّر بالتخَلُّصِ من الأشكالِ التَّعبيريَّةِ الجامِدةِ في تُراثِنا الأدَبيِّ، والبَحثِ عن أشكالٍ تُسايِرُ نموَّ الفِكرِ وتُلائِمُه، وأحلَّ محلَّ الصِّيغِ القديمةِ والقوافي والأوزانِ في الشِّعرِ العَرَبيِّ صِيَغًا وطرائِقَ إيقاعيَّةً جديدةً سمَّاها الشِّعرَ المنثورَ
[907]يُنظر: ((الشعر المنثور والتحديث الشعري)) لحورية الخمليشي (ص65- 66). .
2- يوسُفُ الخال: وُلِد يوسُف عَبد الله الخال في سُوريَا سَنةَ 1916م، وأجيزَ في الآدابِ من جامِعةِ بَيروتَ الأمريكيَّةِ، ودرَّس فيها أيضًا، وعَمِل في الأُمَمِ المتَّحِدةِ، وفي الصِّحافةِ، وقد برزَت أفكارُه من خِلالِ مجَلَّةِ «شِعْر» اللُّبنانيَّةِ، وحرَّر جَريدَتيَ «صوتُ المرأةِ»، و«الهُدى» اليوميَّة في نِيُويُوركَ
[908] يُنظَر: ((تكملة معجم المؤلفين)) لمحمد خير رمضان (ص641). .
كان يوسُف الخال من كِبارِ الدُّعاةِ إلى الشِّعرِ المنثورِ، ولم يكتَفِ بالشِّعرِ الحُرِّ، بل إنَّه شَنَّ حملةً على نازك الملائكة، على إثرِ صُدورِ كِتابِها «قضايا الشِّعرِ المعاصِرِ»، يقولُ: (كانت خَيبتُنا مريرةً حينَ أخَذْنا الكتابَ وكِدْنا لا نعثُرُ على قضيَّةٍ جَوهريَّةٍ من قضايا الشِّعرِ العَرَبيِّ المعاصِرِ)، وهذا الهجومُ سَبَبُه أنَّ نازك الملائكة نقَدَت الشِّعرَ الذي ليس له قواعِدُ مُنضَبِطةٌ، وقد كان ينتَظِرُ منها تأييدًا وإشادةً
[909] «من أصنام الحداثة.. يوسف الخال»، د. وليد الطويرقي، مجلة البيان، ع 18، ص (55)، تصدر عن المنتدى الإسلامي. .
3- محمود دَرويش: وُلِد محمود درويش سَنةَ 1941م، في قَريةِ البروةِ قريبًا من عَكَّا، لجأ مع أهلِه إلى لُبنانَ في سِنِّ السَّابعةِ من عُمُرِه، بَعدَ أن احتَلَّ اليَهودُ قريتَه سَنةَ 1948م، ثمَّ عاد إلى فِلَسْطينَ بَعدَ سَنةٍ واحِدةٍ، وسكَن في قريةِ ديرِ الأسَدِ، وكان يعشَقُ القِراءةَ والرَّسمَ مُنذُ صِغَرِه، وعَمِل مُدرِّسًا، وتمَّ اعتِقالُه في السُّجونِ الإسرائيليَّةِ أكثَرَ من مَرَّةٍ، وذاع اسمُه كشَخصيَّةٍ عربيَّةٍ نِضاليَّةٍ ضِدَّ الاحتلالِ الإسرائيليِّ، وتنقَّل محمود درويش بَينَ العواصِمِ العربيَّةِ والأجنبيَّةِ، حتَّى استقَرَّ به المُقامُ في بيروتَ، إلى أن اجتاحها العُدوانُّ الإسرائيليُّ سَنةَ 1982م؛ ليتنقَّلَ درويش تائِهًا بَينَ سُوريَا وقُبرُصَ والقاهِرةِ وتُونُسَ وبارِيسَ.
تميَّز محمود درويش بغَزارةِ الإنتاجِ، وبَساطةِ العِبارةِ، وشُموليَّةِ المضمونِ، حتَّى أصبح ظاهِرةً مُمَيَّزةً في حَرَكةِ الحداثةِ الشِّعريَّةِ العَرَبيَّةِ، توفِّيَ محمود درويش سَنةَ 2008م
[910]يُنظَر: ((ديوان محمود درويش، الأعمال الكاملة)) (ص4- 6). .
اتَّجه محمود درويش إلى مذهَبِ الحَداثةِ، فكَتَب شِعرَ التَّفعيلةِ، ثمَّ تطرَّق إلى كتابةِ الشِّعرِ المنثورِ الذي يخلو من الوَزنِ والقافيةِ ومِن كُلِّ معاييرِ القصيدةِ العَرَبيَّةِ، وقد مرَّ عطاءُ درويش الشِّعريُّ بمراحِلَ عديدةٍ؛ تبدَأُ بديوانهِ (عصافيرُ بلا أجنحةٍ) الصَّادِرِ سَنةَ 1960م، وهو باكورةُ أعمالِه، ثمَّ ديوانِ (أوراقُ الزَّيتونِ) الصَّادِرِ سَنةَ 1964م، الذي لُوحِظ فيه نُضجُه الشِّعريُّ، إلى أن وصل إلى المَرحلةِ السَّادِسةِ، التي يمثِّلها ديوانُه (لماذا ترَكْتَ الحِصانَ وَحيدًا؟)؛ حيث فَتَر حينئذٍ حماسُه وتغَيَّرت عَلاقتُه بالشِّعرِ، فأصبح شِعرُه ممعِنًا بالذَّاتيَّةِ والبُكاءِ والحُزنِ
[911]يُنظَر: ((ديوان محمود درويش، الأعمال الكاملة)) (ص5- 6). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش