المطلَبُ الثَّالِثُ: الغَزَلُ
لم يتغَيَّرْ شِعرُ الغَزَلِ عمَّا كان عليه في العُصورِ السَّابقةِ؛ فما زال الشَّاعِرُ يُعبِّرُ عن هُيامِه لمحبوبتِه، ويبتَدِئُ بعضُهم القصائدَ بالمقَدِّمةِ الغَزَليَّةِ على نَهْجِ القُدَماءِ، بل منهم من غَلَب ذلك الغَرَضُ على شِعرِه. وتنوَّع غزلُهم إلى عفيفٍ وفاحشٍ.
ومن الغَزلِ العفيفِ قولُ إبراهيمَ الإسْعِرْديِّ
[23] يُنظَر: ((النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة)) لابن تغري بردي (8/ 51). : الكامل
كُنْ كيف شِئتَ فإنَّني بك مُغرَمُ
راضٍ بما فَعَل الهوى المتحَكِّمُ
ولئِنْ كَتمتُ عن الوُشاةِ صَبابتي
بك فالجوانِحُ بالهوى تتكَلَّمُ
أشتاقُ مَن أهوى وأعجَبُ أنَّني
أشتاقُ مَن هو في الفُؤادِ مُخَيِّمُ
يا مَن يَصُدُّ عن المُحِبِّ تَدَلُّلًا
وإذا بكى وَجْدًا غدَا يتبسَّمُ
أسكنتُك القلبَ الذي أحرقْتَه
فحَذَارِ مِن نارٍ به تتضرَّمُ
وهذا الشَّاعِرُ جَعفَرُ بنُ المتأبِّدِ بنِ يحيى المعتَلي يرغَبُ عن زيارةِ محبوبتِه وقد هيَّأتْ له الجوَّ وأعدَّت الرُّقَبَاءَ لرَصدِ حرَكةِ النَّاسِ؛ حِفاظًا على سُمعتِها وقَطعًا لألسِنةِ الوُشاةِ، فيقولُ
[24] يُنظَر: ((أعيان العصر وأعوان النصر)) للصفدي (2/157)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (11/ 117). : الرَّمل
لا تلُمْنا إن رقَصْنا طَرَبًا
لنَسيمٍ مرَّ مِن ذاك الخَبا
طبَّق الأرضَ بنَشْرٍ عاطرٍ
فيه للعُشَّاقِ سرٌّ ونَبَا
يا أُهَيلَ الحيِّ من كاظمةٍ
قد لقِينا من هواكمُ نَصَبَا
قُلتمُ جُزْ لترانا بالحِمى
وملأتُم حيَّكم بالرُّقَبا
لستُ أخشى الموتَ في حُبِّكُمُ
ليس قتلي في هواكُم عَجَبَا
إنَّما أخشى على عِرضكمُ
أن تقولَ النَّاسُ قَولًا كَذِبَا
استَحِلُّوا دمَه في حُبِّكمْ
فاجعَلوا وَصلي لقَتلي سَبَبَا
ومن الغَزَلِ الحِسِّي قَولُ صَفِيِّ الدِّينِ الحِلِّيِّ
[25] يُنظَر: ((ديوان صفي الدين الحلي)) (ص: 95). : الكامل
أسبَلْنَ من فَوقِ النُّهودِ ذَوائِبًا
فجَعَلْنَ حَبَّاتِ القُلوبِ ذَوائِبَا||hamish||26||/hamish||
وجَلَونَ من صُبحِ الوُجوهِ أشِعَّةً
غادَرْنَ فَودَ اللَّيلِ منها شائِبَا||hamish||27||/hamish||
بِيضٌ دَعاهنَّ الغبيُّ كَواعِبًا
ولو استبانَ الرُّشْدَ قَالَ كواكبَا
وربائِبٌ فإذا رأيتَ نِفارَها
مِن بَسطِ أُنسِكَ خِلْتَهُنَّ رَبارِبَا||hamish||28||/hamish||
سَفَهًا رأينَ المانَويَّةَ عِندَما
أسبَلْنَ من ظُلمِ الشُّعورِ غياهبَا||hamish||29||/hamish||
وسَفَرْنَ لي فَرأينَ شَخصًا حاضرًا
شُدِهَتْ بَصِيرَتُه وقَلبًا غائِبَا||hamish||30||/hamish||
أشرَقْنَ في حُلَلٍ كأنَّ
شَفَقٌ تَدَرَّعُهُ الشُّموسُ جَلَابِبَا
وغَرَبْنَ في كِلَلٍ فقُلتُ لصاحبي
بأبي الشُّموسُ الجانحاتُ غَواربَا
ومُعَربِدِ اللَّحَظاتِ يَثني عِطفَهُ
فيُخالُ مِن مَرَحِ الشَّبِيبَةِ شَارِبَا||hamish||31||/hamish||
حُلْوِ التَّعتُّبِ والدَّلالِ يروعُهُ
عَتبِي ولَستُ أراهُ إلَّا عاتِبَا
عاتَبتُهُ فتَضَرَّجَتْ وَجَناتُهُ
وازوَرَّ ألحاظًا وقَطَّبَ حاجِبَا||hamish||32||/hamish||
ذو منظرٍ تغدو القُلوبُ لحُسنِهِ
نَهْبًا وإنْ مَنَحَ العُيونَ مواهِبَا
[33] نَهْبًا: مصدرٌ بمعنى المفعولِ، أي: منهوبةً مستباحةً.