المطلَبُ الرَّابعُ: فَنُّ الحِكاياتِ والقَصَصِ
استفاد الأُدَباءُ في تلك الفترةِ من أحوالِ بلادِهم وأوضاعِ مجتَمَعاتِهم الاقتِصاديَّةِ والسِّياسيَّةِ والاجتِماعيَّةِ، فضلًا عمَّا أتى به الأتراكُ المماليكُ من وقائِعَ وعاداتٍ، ناهيك عن موروثِ العَرَبِ الأدبيِّ من أخبارِ الجاهليِّينَ والإسلاميِّينَ وغَيرِهم؛ فاتَّسع ميدانُ العَقلِ لإطلاقِ عِنانِ الخَيالِ، فازدهَرَت فنونُ النَّثرِ المعتَمِدةُ على القَصَصِ والحكاياتِ، المتوارَثِ منها والمُبتَكَرِ.
أوَّلًا: المقاماتُاهتمَّ الأُدَباءُ في العَصرِ المملوكيِّ بالمقاماتِ العَرَبيَّةِ اهتمامًا بليغًا، وأثْرَوها بمُمَيِّزاتٍ لم تَكُنْ معروفةً قَبْلَهم، وخصائِصَ انفَرد بها عصرُهم، وأبرَزُها:
- أنَّ المقاماتِ لم يَعُدِ الهَدَفُ منها مجرَّدَ التَّسليةِ والإضحاكِ فحَسْبُ، بل تعدَّدَت أغراضُها بَيْنَ التَّعليمِ والوَصفِ والغَزَلِ والفُكاهةِ والوَعظِ وغيرِ ذلك.
- تصويرُ أوضاعِ المجتَمَعِ وأحوالِه تصويرًا جيِّدًا.
- عَدَمُ الاقتصارِ على صورةِ الكُدْيةِ التي كانت المقصَدَ الأسمى للحكايةِ، وسَرْدِ بُطولةِ الرَّاوي فيها.
- تعدُّدُ الرَّاوي، فلم يَعُدْ ذلك الرَّاويَ المعروفَ عِندَ صاحِبِ المقامةِ، مِثلُ: عيسى بنِ هِشامٍ، وأبي زَيدٍ السَّروجيِّ، بل صار لكُلِّ مقامةٍ راوٍ يناسِبُ تلك المقامةَ
[120] يُنظَر: ((النثر الفني في العصر المملوكي الأول)) لجلال العطاري (ص: 165). .
فمن المقاماتِ الفُكاهيَّةِ قولُ ابنِ شَرَفِ الدِّينِ: (اجتاز بعضُ النُّحاةِ ببَعضِ الأساكِفةِ، فقال: أبيتَ اللَّعنَ واللَّعنُ أباك، رَحِم اللهُ أمَّك وأباك، وهذه تحيَّةُ العَرَبِ في الجاهليَّةِ قَبلَ الإسلامِ، لكِنْ عليك أفضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ والسِّلْمِ والسَّلَم، ومِثْلُك مَن يُعَزُّ ويُحترَم، ويُكْرَم ويُحتشَم، قرأتُ القُرآنَ والتَّيسيرَ والعُنوانَ والمقاماتِ الحريريَّةَ والدُّرَّةَ الألفيَّةَ وكَشَّافَ الزَّمخشَريِّ وتاريخَ الطَّبَريِّ، وشرَحْتُ اللُّغةَ مع العَرَبيَّةِ على سِيبَوَيه ونِفْطَوَيه وابنِ خالَوَيه، والقاسِمِ بنِ كُمَيل والنَّضْرِ بنِ شُمَيْل، وقد دعَتْني الضَّرورةُ إليك، وتمثَّلْتُ بَيْنَ يديك، لعَلَّك تُتحِفُني من بعضِ حِكمتِك وحُسنِ صَنعتِك، بنَعلٍ يَقيني الحَرَّ، ويدفَعُ عني الشَّرَّ، وأُعرِبُ لك عن اسمِه حقيقًا؛ لأتَّخِذَك بذلك رفيقًا، ففيه لغاتٌ مؤتَلِفة، على لسانِ الجُمهورِ مُختَلِفة؛ ففي النَّاسِ مَن كَنَّاه بالمَداسِ، وفي عامَّةِ الأُمَمِ مَن لَقَّبَه بالقَدَم، وأهلُ شهرنوزَه سَمَّوه بالسَّرْمُوزَه، وإنِّي أخاطِبُك بلُغاتِ هؤلاء القَوم، ولا إثمَ علَيَّ في ذلك ولا لَوْم، والثَّالثةُ به أَولى، وأسألُك أيُّها المَولى أن تُتحِفَني بسَرْمُوزَهْ أنعَمَ مِن المَوْزَه، أقوى من الصَّوَّان وأطوَلَ عُمرًا من الزَّمان، خاليةٍ من البواشي، مُطبِقةِ الحواشي، لا يتغَيَّرُ عليَّ وشْيُها، ولا يَروعُني مَشْيُها، لا تنقَلِبُ إن وَطِئْتُ بها جَروفًا، ولا تنفَلِتُ إن طِحتُ بها مكانًا مخسوفًا، ولا تَلْتَوِقُ من أجلي ولا يُؤلِمُها ثِقَلي، ولا تمتَرِقُ مِن رِجْلي، ولا تتعَوَّجُ ولا تتلقْوَجُ، ولا تنبَعِجُ ولا تنفَلِجُ، ولا تَقبُّ تحتَ الرِّجل، ولا تَلصَقُ بخُبزِ الفِجْل، ظاهِرُها كالزَّعفران، وباطِنُها كشَقائِقِ النُّعْمان، أخَفَّ من ريشِ الطَّيرِ، شديدةِ البأسِ على السَّير، طويلةِ الكِعاب، عاليةِ الأجناب، لا يَلحَقُ بها التُّراب، ولا يُغرِقُها ماءُ السَّحاب، تَصِرُّ صريرَ الباب، وتَلمَعُ كالسَّراب، وأديمُها من غيرِ جِراب، جِلدُها من خالصِ جُلودِ المَعْز، ما لَبِسَها ذليلٌ إلَّا افتَخَر بها وعَزَّ، مخروزةٍ كخَرزِ الخَرْدَفوش، وهي أخَفُّ من المنقوش، مُسمَّرةٍ بالحديدِ مُمَنطَقةٍ ثابتةٍ في الأرضِ الزَّلِقةِ، نَعْلُها من جِلدِ الأفيِلةِ الخَميرِ لا الفَطير، وتكونُ بالنَّزرِ الحَقير. فلمَّا أمسك النَّحويُّ من كلامِه، وَثَب الإسكافيُّ على أقدامِه، وتمشَّى وتبَخْتَر، وأطَرَق ساعةً وتفَكَّر، وتشَدَّد وتشَمَّر، وتحَرَّج وتنَمَّر، ودَخَل حانوتَه وخَرَج، وقد داخَلَه الحَنَق والتَّحَرُّج. فقال له النَّحويُّ: جئتَ بما طلَبْتُه؟ فقال: لا، بل بجوابِ ما قُلْتَه، فقال: قُلْ وأوجِزْ، وسَجِّعْ ورَجِّزْ. فقال: أخبِرُك أيُّها النَّحويُّ أنَّ الشرسا بحزوى شطبطبات المتقرقل والمتقبعقب لما قرب من قرى قرق القرنقنقف، طرق زرفنات شراسيف قصر القشتبع من جلنب الشَّرشنكل، والدَّيوك تصهل كنهيق زقازيق الصَّولجانات، والحرفرف الفرتاح يبيض الفَرْقنطق والزَّعر برجو احلبنبوا، يا حيز من الطَّيز بحج بحمندك بشمر دلو خاط الرَّكبنبو شاع الجبربر بجفر التَّرتاح ابن يوشاخ على لؤي بن شمندخ بلسان القرواق مازكلوخ... وابخرك بحصى البان المستراح، وأوقيك وأرقيك وأرقيك برقوات مرقات قرقرات البطون؛ لتخلص من داء البرسام والجنون!
ونَزَل مِن دُكَّانِه مُستغيثًا بجيرانِه، وقبَضَ لِحيةَ النَّحويِّ بكَفَّيه وخنَقَه بإصبَعَيه حتَّى خرَّ مغشيًّا عليه، وبربَر في وَجهِه وزَمجَر، ونأى بجانِبِه واستكْبَر، ونَخَر وتقَدَّم وتأخَّر، فقال النَّحويُّ: اللهُ أكبَر اللهُ أكبَر، وَيْحَك أنت تجنَّنْتَ! فقال: لا، بل أنت تخرَّفْتَ، والسَّلامُ)
[121] يُنظَر: ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (16/ 80، 81). .
ومن المقاماتِ التَّعليميَّةِ (المقامةُ الصُّوفيَّةُ) لابنِ الوَرديِّ، يُبَيِّنُ فيها حقيقةَ التَّصوُّفِ ومفهومَ الصُّوفيَّةِ، يقولُ: (حكى إنسان مِن مَعَرَّة النُّعْمان، قال: سافَرْتُ إلى القُدسِ الشَّريف، سَفَرَ مُنْكِرٍ بَعدَ التَّعريف، فاجتَزْتُ في الطَّريقِ بوادٍ وقانا لفحةَ الرَّمضا، وقال: حكَمتُ على الوادي الذي تروعُ حَصاه حاليةَ العَذارى، فقُلْنا: دائِمُ الحُكمِ والإمضا، وإذا عَينٌ كعَينِ الخنساء تجري على صَخْر، ويقولُ ماؤها: أنا سَيِّدُ ماء هذا الوادي ولا فَخْر ... قلتُ: قد وَعَيتُ على رَمزِكم، وانتهَيتُ إلى كنزِكم، فزيدوني إيضاحًا زادكم اللهُ إصلاحًا، قالوا: نحن -أيَّتُها العُصبة- لنا في التَّصوُّفِ رَغبة، وجِدالُنا مَعاشِرَ الرُّفقةِ في لفظةِ التَّصوُّفِ: ممَّ هي مُشتَقَّة؟ وماذا شَرْطُ الصُّوفي الصَّافي؟ وإلى الآنَ ما تحرَّر لنا في ذلك جوابٌ شافي. قال الشَّيخُ: على الخبيرِ سقَطْتُم، وبجُهَينة الخَبَر أحَطْتُم، ولكِنَّكم ما ألقَفْتُم أوَّلًا إليَّ، ولا عوَّلتُم في ذلك علَيَّ، قالوا: مِثلُك لا يبخَلُ بإفادتِنا، وأنت عوَّدْتَنا المسامحةَ في المطارَحة فاصبِرْ لعادتِنا. قال: سمعًا وطاعة، اعلَموا -أيُّها الجماعة- أنَّ اشتقاقَ التَّصوُّفِ عِندَ أهلِ التَّعريفِ والتَّعرُّف، من الصَّفاءِ والوَفاءِ والفَناءِ، هذا من حيثُ عِبارةُ النَّاطِق، فأمَّا اشتقاقُه من حيثُ الحقائِق، فمِن أحَدِ أربعةِ أشياء، تحيي الأسرارَ وتُسِرُّ الأحياء: الأوَّلُ: من الصُّوفانة، وهي بَقلةٌ قصيرةٌ ذاتُ رَغبة، الثَّاني: مِن صُوفةَ؛ قبيلةٍ كانت تجيزُ الحاجَّ وتخدُمُ الكَعْبة، الثَّالثُ: من صُوفةِ القفا: شَعَراتٍ في قفا الإنسان، الرَّابعُ: من الصُّوفِ الغَنيِّ عن البيان، وإذ قد أصغَيتُم لبياني فسآتي بالبديعِ في شَرحِ هذه المعاني ... وأمَّا شَرطُ الصُّوفيِّ باستِحقاقٍ، فأن يتخَلَّقَ بأخلاقِ الرَّسول، ويفوزَ مِن سُولِ رياضاتِه بالشُّمول، ويتنكَّبَ عمَّا عنه نَكب، ويأخُذَ بما إليه نَدَب، لا يتَّخِذُ مُحَرَّمَه رَبيعَه، ولا يَجري كالعاصي الذي يزيدُ إعراضُه عن الشَّريعة، فقد صُفِّيَ من الكَدَر، ونُحِّي عن الفِكَر، ونُجِّي من الغِيَر، ومَن عَدَل عن سَمْتِه ونَهْجِه، وعوَّل على حُكمِ نفسِه وهَرْجِه، وسعى لبَطْنِه وفَرْجِه، كان من التَّصوُّفِ خاليًا، وفي التَّجاهُلِ ساعيًا، ومَن داخَلَه في ذلك مِرْيَة، فقد عطَّل، كما ذكَرَه الحافِظُ في الحِلْية)
[122] يُنظَر: ((ديوان ابن الوردي)) (ص: 16). .
ثانيًا: الحكاياتُ الطَّويلةُبَرَز من بَيْنِ الفُنونِ النَّثريَّةِ في عَصرِ المماليكِ حكاياتٌ من نوعٍ خاصٍّ، أشبَهُ ما يكونُ بالرِّوايةِ في العَصرِ الحديثِ؛ إذ الحكايةُ بالنِّسبةِ للمَقامةِ كالرِّوايةِ بالنِّسبةِ للقِصَّةِ القصيرةِ، مع اختلافِ الخصائِصِ والهُوِيَّةِ في كلٍّ، إلَّا أنَّ الحكايةَ تعتَمِدُ على العُنصُرِ القَصَصيِّ الوَصفيِّ، مع طولِ الوَصفِ وزيادةِ الأحداثِ وتعدُّدِ الشَّخصيَّاتِ، وغيابِ شَخصيَّةِ الرَّاوي، بحيث تعتَمِدُ الحكايةُ على الحِوارِ والوَصفِ والسَّردِ، وغيرِ ذلك من أدواتِ القَصِّ.
ومن أشهَرِ تلك الحكاياتِ حِكايةُ صلاحِ الدِّينِ الصَّفَديِّ (لوعةُ الشَّاكي ودمعةُ الباكي)، وهي حكايةٌ في ثمانينَ صَفحةً
[123] يُنظَر: ((النثر الفني في العصر المملوكي الأول)) لجلال العطاري (ص: 167). .
ثالثًا: خَيالُ الظِّلِّابتَدع المماليكُ نوعًا جديدًا من الحِكاياتِ والعُروضِ، وهي حوارٌ بَيْنَ أشخاصٍ بَيْنَهم وبينَ الجُمهورِ الذي يراهم حاجِبٌ بحيثُ يبدو منهم مجرَّدُ خيالِهم على ذلك الحاجِبِ؛ ولهذا سُمِّيَ بـ(خيال الظِّلِّ)، وهو أقرَبُ ما يكونُ إلى (الأراجُوز).
ويعتَمِدُ خيالُ الظِّلِّ على لغةٍ عامِّيَّةٍ تناسِبُ الجُمهورَ؛ ولهذا لم تَرْقَ إلى لغةِ الأدَبِ العالي، وقد اعتبَرَ الأُدَباءُ والمؤَرِّخون خيالَ الظِّلِّ نواةً لفِكرةِ المسرَحِ الحديثِ.
وقد وصَلَنا من تلك الحكاياتِ ثلاثةُ نُصوصٍ تعودُ لمؤلِّفٍ واحدٍ، وهو شمسُ الدِّينِ محمَّدُ بنُ دانيالَ المتوفَّى (660هـ). وقد تبدَّى في حكاياتِه تلك الانخلاعُ من قواعِدِ اللُّغةِ العَرَبيَّةِ، والاعتمادُ على شخصيَّاتٍ عرَبيَّةٍ وأعجَميَّةٍ، عالَجَ فيها مُشكِلاتِ المجتَمَعِ، بطريقةٍ تتلاءَمُ مع تلك الشَّخصيَّاتِ التي أغلَبُها من عامَّةِ الشَّعبِ وبُسَطائِه.
وقد بدأ ابنُ دانيالَ حكاياتِه تلك بقَولِه
[124] يُنظَر: ((طيف الخيال وتمثيليات ابن دانيال)) (ص: 144). :
خيالُنا هذا لأهلِ الرُّتَب
والفَضلِ والبَذْلِ لأهلِ الأدَب
حوى فُنونَ الجِدِّ والهَزْلِ في
أحسَنِ سمطٍ وأتى بالعَجَب
فانظُرْه يا مَن فَهْمُه ثاقِبٌ
ففيه للعِرفانِ أدنى سَبَب
إذ قام فيه ناطقٌ واحدٌ
عن كُلِّ شَخصٍ ناظرٍ واحتَجَب
ترجمتُه طيفُ الخيالِ الذي
حكى هلالًا طالعًا بالحَدَب
مذاهِبُ الفَضلِ به جمَّةٌ
فنَطِّقوه سادتي بالذَّهَبِ
وقد أكَثَر ابنُ دانيالَ في باباتِه بالأشعارِ والأرجازِ وغَيرِها، وكَثُرت فيها الشَّخصيَّاتُ، وانتقَد فيها أوضاعَ المجتَمَعِ وسلَّط الضَّوءَ على مُشكِلاتِه. ففي البابةِ الأولى (طَيفُ الخيالِ) يتناوَلُ ردَّةَ فِعلِ النَّاسِ حينَ أصدر الظَّاهِرُ بِيبَرْسُ أمرًا بمنعِ تناوُلِ الحشيشِ والخُمورِ ونحوِها، ثمَّ ينتَقِدُ بعضًا من الأوضاعِ القائمةِ آنذاك؛ كاللِّواطِ والقِمارِ وخُروجِ النِّساءِ إلى الحمَّاماتِ، وبعضِ البِدَعِ والعاداتِ الخاطئةِ في دَفنِ الموتى، ثمَّ يتطَرَّقُ إلى موضوعٍ آخَرَ، وهو الذي ساق له الحكايةَ، وهو ما تفعَلُه الخاطباتُ عِندَ الزَّواجِ؛ حيثُ تَعرِضُ للخاطِبِ امرأةً جميلةً، حتى إذا ما عَقَد عليها وأراد البناءَ بها، فُوجِئَ بامرأةٍ أخرى دميمةٍ، وهذا ما حصَل للأميرِ وِصالٍ، الذي اضطُرَّ للعُزوفِ عن الزَّواجِ تمامًا.
والبابةُ الثَّانيةُ (عَجيبٌ وغَريبٌ) تقومُ على فكرةٍ أشبَهَ بعَمَلِ أهلِ السِّيركِ وإن اختَلَف الشَّكلُ؛ إذ يَعمِدُ كلُّ واحدٍ إلى تقديمِ مَوهبتِه ومهاراتِه أمامَ الجُمهورِ؛ رغبةً في أن يَجُودوا ببعضِ مالِهم تشجيعًا لهم.
وفي البابةِ الأخيرةِ (المُتَيَّمُ والضَّائِعُ اليَتيمُ) يحكي طَرَفًا من أحوالِ المحِبِّين، وبعضًا من الغَزَلِ العفيفِ والفاحشِ، كما يَعرِضُ لبعضِ المحَرَّماتِ والممارَساتِ الجِنسيَّةِ الفاسِقةِ.
وممَّا يؤخَذُ على ابنِ دانيالَ في حكاياتِه تلك: التَّناقُضُ فيما يُقَدِّمُه؛ إذ تمتَلِئُ حكاياتُه بالفُسوقِ والمعاصي، ولا يأبَهُ بالإكثارِ من تلك الألفاظِ الصَّريحةِ الفاحِشةِ، ثمَّ يختِمُ جميعَ حكاياتِه بنَفسِ الفِكرةِ، وهي فِكرةُ التَّطهُّرِ والتَّوبةِ؛ ففي البابةِ الأُولى يذهَبُ الأميرُ وِصالٌ إلى مكَّةَ للحَجِّ والتَّطَهُّرِ من آثامِه بماءِ زَمْزَمَ، وفي البابةِ الثَّانيةِ يدعو كلُّ واحدٍ من الموهوبين جمهورَهم إلى الجُودِ بما عندَهم من مالٍ، ثمَّ إلى التَّوبةِ والاستغفارِ، والبابةُ الأخيرةُ يختَتِمُها المؤلِّفُ بتَوبةِ الفاسِقِ ورجوعِه إلى رَبِّه، ثمَّ موتِه.