المَطْلَبُ الثَّالثُ: القَطعُ عن الإضافة لفظًا
بعضُ الأسماءِ قد تُقطَعُ عن الإضافةِ لفظًا فحسْبُ، لكن تُنوى في المعنى، فهذه الأسماءُ تُبنى حينئذٍ على الضَّمِّ؛ فبناؤها لقَطْعِها عن الإضافةِ، والبناءُ على الضَّمِّ عَكسُ سائِرِ أنواعِ البناءِ؛ للدَّلالةِ على أنَّه بناءٌ عارِضٌ.
وهذه الأسماءُ هي: "غير، قَبْل، بَعْد، أَوَّل، حَسْب، دون، يمين، شمال، فوق، تحت، وراء، أمام، عَلُ".
فإذا قطَعْتَها عن الإضافةِ لفظًا ونَوَيت الإضافة معنًى، تُبْنى على الضَّمِّ، ومن ذلك قَولُه تعالى:
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم: 4] ، أي: من قَبلِ الهزيمةِ ومِن بَعْدِها، وتَقولُ: عندي رجلٌ لا غيرُ، أي: لا غيرُه، ومعي دِرهَمٌ فحسْبُ، أحاط بي القومُ مِن يمينُ وشمالُ. ومنه قَولُ مَعْنِ بنِ أَوسٍ:
لَعَمْرُكَ ما أدري وإني لأوجَلُ
على أَيِّنَا تعدو المنيَّةُ أَوَّلُ
ففي تلك الأمثِلةِ ونَظائِرِها بُنيت تلك الأسماءُ على الضَّمِّ؛ لقَطعِ الإضافة لفظًا، فإن صُرِّح بالمُضافِ إليه أُعرِبَت تلك الأسماءُ، تَقولُ: جاء محمدٌ قبلَ عليٍّ، دخل عليٌّ من بعدِ إبراهيمَ، القردُ فوقَ الشَّجَرةِ، قدِمَ سعيدٌ في أوَّلِ الوَفدِ.
كذلك إذا نَوَيتَ التلفُّظَ بالمُضافِ إليه وإن لم تنطِقْ به، ومن هذا قَولُ الشَّاعِرِ:
ومن قَبْلِ نادى كلُّ مولى قرابة
فما عطَفَت مولًى عليه العواطِفُ
فقد رُوِي بجرِّ "قبل" مع أنَّ المُضافَ إليه لم يُنطَقْ، لكنَّ نيَّةَ التلفُّظِ به كنُطْقِه؛ فلهذا أُعرِبَ "قبل" هنا، وهو اسمٌ مجرورٌ بـ(مِن) وعلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ.
أمَّا إذا أتت تلك الكَلِماتُ بلا نِيَّةِ الإضافةِ أصلًا فإنَّها تكونُ نَكِرةً، وتُعرَبُ حَسَبَ مَوقِعِها، ومن ذلك قراءةُ الجحْدري: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ)
[الروم: 4] بالجرِّ
يُنظَر: ((الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها)) لأبي القاسم اليشكري (ص: 616). ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
فساغ ليَ الشَّرابُ وكنتُ قَبْلًا
أكاد أَغَصُّ بالماءِ الحَميمِ
ومنه: "ابدأ بذا مِن أَوَّلُ" بالضَّمِّ على البناءِ للقَطعِ عن الإضافةِ، وبالفَتحِ؛ لأنَّه اسمٌ مَجرورٌ ممنوعٌ من الصَّرفِ على أنه مُفرَدٌ لا مضافٌ، وبالكَسْرِ على نيَّةِ التلَفُّظِ بالمضافِ
يُنظَر: ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (2/ 962)، ((شرح ألفية ابن مالك)) للأشموني (2/ 165). .