المَبْحَثُ الأوَّلُ: أسلوبُ التحذيرِ
التحذيرُ: تنبيه المُخاطَبِ على مكروهٍ يجبُ الاحترازُ منه.
وللتحذيرِ ثلاثةُ أشكالٍ يكونُ في كلِّها الاسمُ مفعولًا به منصوبًا لفعل مُضْمَرٍ، قد يكونُ واجِبَ الإضمارِ، وقد يكونُ جائِزَ الإضمارِ والذِّكْرِ:
1- التحذيرُ بلفظ "إيَّاك وإيَّاكم وإيَّاكما ...": تَقولُ: إياكَ والأسدَ، إياكَ إياكَ من الأسدِ، إياكَ من الأسدِ.
ففي تلك الصُّوَرِ يكونُ "إياك" ضَميرًا مَبْنيًّا في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولًا به لفعل مُضْمَر وجوبًا، تقديرُه: احذَرْ.
إياك: ضميرٌ منفَصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به لفعل مُضْمَرٍ وجوبًا تقديرُه: احذَرْ.
والأسدَ: الواو حَرفُ عَطفٍ، الأسد: معطوف منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
إعرابُ المثالِ الثاني:إياك: ضميرٌ منفَصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به لفعل مُضْمَر وجوبًا تقديره: احذَرْ.
إياك: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نصبٍ توكيدٌ لَفْظيٌّ.
من: حَرفُ جَرٍّ، الأسد: اسمٌ مَجرورٌ بـ(من)، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
إعراب المثال الثَّالثُ:إيَّاك: ضميرٌ منفَصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به لفعل مُضْمَر وجوبًا تقديره: احذَرْ.
من: حَرفُ جَرٍّ، الأسد: اسمٌ مَجرورٌ بمن وعلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
وإنما وجب حذفُ الفِعْل هنا؛ لأن ذلك الأسلوبَ شاع استعمالُه في التحذيرِ، حتى صار "إياك" كأنَّه نائبٌ عن الفِعْل، ولا يجتَمِعُ النائِبُ مع الأصلِ.
2- التحذير بغير "إياك": تَقولُ: رأسَك والسيفَ، الأسَدَ الأسدَ، يَدَك.
يجوز التحذيرُ بغيرِ "إيَّاك" وإن كان "إياك" هو الأصلَ؛ ولهذا لا يجِبُ مع كلِّ صُوَرِ ذلك النوعِ إضمارُ الفِعْل، بل يجِبُ إضماره في المثالين الأولين، وهو مع العطف أو التَّكرارِ؛ ذلك أنَّ العطفَ والمعطوفَ يقومان معًا مقامَ الفِعْل والمفعول؛ فلهذا اكتُفِيَ بهما عن ذِكر الفِعْلِ، كذلك التوكيدُ اللَّفظيُ يحُلُّ محلَّ الفِعْلِ في الجُملة؛ ولهذا يجِبُ إضمارُ الفِعْل في المثالين. أما في حالة الإفراد وخُلُوِّ المثال عن العطفِ أو التوكيدِ فإنه يجوزُ إظهارُ الفِعْل؛ تقولُ في المثال الثَّالثِ: أبعِدْ يَدَك، قِ يَدَك، احْمِ يَدَك...
إعرابُ: رأسَك والسيفَرأسَك: مَفعولٌ به مَنصوبٌ لفِعلٍ مَحذوفٍ وجوبًا تقديرُه: احذَرْ. والكاف ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
والسيفَ: الواو حَرفُ عَطفٍ، السيف: معطوف منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ.
إعراب: الأسدَ الأسدَالأسد: مَفعولٌ به لفِعلٍ مَحذوفٍ وجوبًا تقديرُه: احذَرْ، منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
الأسد: توكيدٌ لَفْظيٌّ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
إعرابُ: يدَكيدَك: مَفعولٌ به لفِعلٍ مَحذوفٍ جوازًا، تقديرُه: احذَرْ، منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ. والكاف ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
ومن التحذيرِ الواردِ في القرآنِ قَولُه تعالى:
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا [الشَّمس: 13] .
ولا يُستعمَلُ في التحذيرِ ضميرَا "إياي، إيانا" للمُتكَلِّمِ، ولا ضَميرُ الغائب "إياه، إياها، إياها..."؛ لأنَّ التحذيرَ ينصبُّ على المُخاطَب؛ فهو المُحَذَّر؛ ولهذا شذَّ أن يأتيَ التحذيرُ للمُتكَلِّمِ، كقَولِهم: «إيايَ وأنْ يَحذِفَ أحدُكم الأرنَبَ»، والمعنى منه: نحُّوني عن حذْفِ الأرنَبِ، ونحُّوا أنفُسَكم عن حذْفِ الأرنَبِ.
وشذَّ أيضًا أن يقَعَ التحذيرُ بلفظِ الغائِبِ؛ كقَولِهم: «إذا بلغ الرجُلُ السِّتينَ فإيَّاهُ وإيَّا الشَّوابَّ» فهذا فضلًا عن كون التحذيرِ للغائِبِ، فإنه كذلك عامَلَ (إيا) معاملةَ الاسمِ الظَّاهِرِ، فأضافها إلى الاسمِ الظَّاهِرِ "الشَّوابَّ"، وهي لا تضافُ إلَّا إلى الضَّمائِرِ
يُنظَر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (1/ 389)، ((شرح الكافية لابن الحاجب)) لرضي الدين الإستراباذي (1/ 479). .