الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الصُّلحُ عَن حُدودِ اللهِ


لا يَجوزُ الصُّلحُ عَن حُدودِ اللهِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن أبي هُرَيرةَ وزَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهما قالا: ((إنَّ رَجُلًا مِنَ الأعرابِ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رَسولَ اللهِ، أنشُدُك اللهَ إلَّا قَضَيتَ لي بكِتابِ اللهِ. فقال الخَصمُ الآخَرُ -وهو أفقَهُ مِنه-: نَعَمْ، فاقضِ بَينَنا بكِتابِ اللهِ، وأْذَنْ لي. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: قُلْ، قال: إنَّ ابني كان عَسيفًا على هذا، فزَنى بامرَأتِه، وإنِّي أُخبِرتُ أنَّ على ابني الرَّجمَ، فافتَدَيتُ مِنه بمِائةِ شاةٍ ووليدةٍ، فسَألتُ أهلَ العِلمِ فأخبَروني أنَّما على ابني جَلْدُ مِائةٍ، وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرَأةِ هذا الرَّجمَ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نَفسي بيَدِه لأقضيَنَّ بَينَكُما بكِتابِ اللهِ، الوليدةُ والغَنَمُ رَدٌّ، وعَلى ابنِك جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، واغْدُ يا أُنَيسُ إلى امرَأةِ هذا، فإنِ اعتَرَفت فارجُمْها، قال: فغَدا عليها فاعتَرَفَت، فأمَر بها رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فرُجِمَت)) [174] أخرجه البخاري (2724، 2725) واللفظ له، ومسلم (1697، 1698). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه في الحَديثِ: ((الوليدةُ والغَنَمُ رَدٌّ عليك))؛ لأنَّه في مَعنى الصُّلحِ عَمَّا وجَبَ على العَسيفِ مِنَ الحَدِّ، ولمَّا كان ذلك لا يَجوزُ في الشَّرعِ كان جَورًا [175] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/301). .
2- عَن أبي هُرَيرةَ قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الصُّلحُ جائِزٌ بَينَ المُسلِمينَ إلَّا صُلحًا أحَلَّ حَرامًا أو حَرَّمَ حَلالًا)) [176] أخرجه البخاريُّ معلَّقًا بصيغةِ الجزمِ مختصَرًا قبلَ حديثِ (2274)، وأخرجه موصولًا أبو داود (3594) واللفظ له، وأحمد (8784) مختصَرًا. صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5091)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3594)، وقال ابنُ القَطَّانِ في ((الوهم والإيهام)) (5/211): ينبغي أن يقالَ فيه: حَسَنٌ، وصحَّح إسنادَه عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ في ((الأحكام الصغرى)) (718)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (16/319)، وقال النَّوويُّ في ((المجموع)) (9/376): إسنادُه حَسَنٌ أو صحيحٌ. .
ثانيًا: أنَّ الحَدَّ حَقُّ اللهِ تَعالى وليس حَقَّه، والاعتياضُ عَن حَقِّ الغَيرِ لا يَجوزُ [177] ((العناية)) للبابرتي (8/418). .
ثالثًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الكاسانيُّ [178]  قال الكاسانيُّ: (لا خِلافَ في حَدِّ الزِّنا والشُّربِ والسُّكرِ والسَّرِقةِ أنَّه لا يَحتَمِلُ العَفوَ والصُّلحَ والإبراءَ بَعدَ ما ثَبَتَ بالحُجَّةِ). ((بدائع الصنائع)) (7/55). ، وابنُ حَجَرٍ [179] قال ابنُ حَجَرٍ: (وفيه -أي: حَديثِ زَيدِ بنِ خالِدٍ في قِصَّةِ العَسيفِ الذي في مُستَنَدِ الإجماعِ- أنَّ الحَدَّ لا يَقبَلُ الفِداءَ، وهو مُجمَعٌ عليه في الزِّنا والسَّرِقةِ والحِرابةِ وشُربِ المُسكِرِ، واختُلِفَ في القَذفِ، والصَّحيحُ أنَّه كغَيرِه، وإنَّما يَجري الفِداءُ في البَدَنِ، كالقِصاصِ في النَّفسِ والأطرافِ، وأنَّ الصُّلحَ المَبنيَّ على غَيرِ الشَّرعِ يُرَدُّ، ويُعادُ المالُ المَأخوذُ فيه). ((فتح الباري)) (12/141). ، والعَينيُّ [180] قال العَينيُّ: (م: «ولا يَجوزُ» ش: أي الصُّلحُ، م: «مِن دَعوى حَدٍّ؛ لأنَّه حَقُّ اللهِ تَعالى لا حَقُّه» ش: صورَتُه أخَذَ زانيًا أو سارِقًا أو شارِبَ الخَمرِ فصالَحَ على مالٍ ألَّا يَرفعَه إلى الحاكِمِ، فهو باطِلٌ، ولا نَعلَمُ فيه خِلافًا). ((البناية)) (10/14). .
رابعًا: لأنَّه حَقُّ اللهِ تَعالى خالِصًا، لا حَقَّ للعَبدِ فيه، فلا يَملِكُ إسقاطَه [181] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/55). .

انظر أيضا: