الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: الصُّلحُ عَنِ الجِنايةِ


 يَجوزُ الصُّلحُ عَنِ الجِنايةِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة: 178] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الآيةَ نَزَلَت في الصُّلحِ عَن دَمِ العَمدِ، والمُرادُ بالعَفوِ هو قَبولُ الدِّيةِ في قَتلِ العَمدِ، كما ورَدَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما [202] يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (13/113)، ((المحلى)) لابن حزم (10/239)، ((الهداية)) للمرغيناني (3/194). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن أبي شُرَيحٍ الكَعبيِّ قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ألَا إنَّكُم -يا مَعشَرَ خُزاعةَ- قَتَلتُم هذا القَتيلَ مِن هُذَيلٍ، وإنِّي عاقِلُه، فمَن قُتِل له بَعدَ مَقالتي هذه قَتيلٌ فأهلُه بَينَ خِيرَتَينِ: بَينَ أن يَأخُذوا العَقلَ، أو يَقتُلوا)) [203] أخرجه أبو داود (4504) واللفظ له، والترمذي (1406)، وأحمد (27160). صحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (8/168)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4504)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1232)، وقال ابنُ عبد البر في ((الاستذكار)) (7/50): لا خلافَ في صِحَّتِه، وقال ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (354): أصلُه في الصَّحيحينِ بمعناه. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ العَقلَ (المُفاداةَ) يَكونُ بالصُّلحِ [204] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (21/9). .
ثالثًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: النَّوويُّ [205] قال النَّوويُّ: (إذا أوجَبَتِ الجِنايةُ مالًا مَعلومَ القَدْرِ والوَصفِ، بأن أتلَفَ مالًا، أو قَتَلَ عَبدًا ووجَبَت قيمَتُه، فصالحَه المُستَحِقُّ على عَينٍ، وهما يَعلَمانِ؛ صَحَّ الصُّلحُ بلا خِلافٍ). ((روضة الطالبين)) (9/251). ، والعَينيُّ [206] قال العَينيُّ: («ويَصِحُّ [أي: الصُّلحُ] عَن جِنايةِ العَمدِ والخَطَأِ» ش: وكَذا عَن كُلِّ حَقٍّ، بجَوازِ أخذِ العِوَضِ عنه بلا خِلافٍ). ((البناية)) (10/10). ، وعلاءُ الدِّينِ الإسْبيجابيُّ [207] قال الشِّلْبيُّ نَقلًا عَن عَلاءِ الدِّينِ الإسْبيجابيِّ: (قال شَيخُ الإسلامِ عَلاءُ الدِّينِ الإسْبيجابيُّ في شَرحِ الكافي: والصُّلحُ مِن كُلِّ جِنايةٍ فيها قِصاصٌ على ما قَلَّ مِنَ المالِ أو كَثُرَ: جائِزٌ؛ لأنَّ القِصاصَ مِمَّا يَحتَمِلُ الإسقاطَ بغَيرِ مالٍ، فيَحتَمِلُه بالمالِ أيضًا، وهو حَقٌّ يَحتَمِلُ التَّقويمَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الأُمَّةِ، كَذا قال الإتقانيُّ، ثُمَّ قال: وأمَّا السُّنَّةُ فما رُوِيَ عَن رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «مَن قُتِل له قَتيلٌ فأهلُه بَينَ خِيرَتَينِ: إن أحَبُّوا قَتَلوا، وإن أحَبُّوا أخَذوا الدِّيَةَ»، أرادَ به برِضا القاتِلِ. وإجماعُ الأُمَّةِ على هذا). ((حاشية الشِّلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (5/35). ، والإتقانيُّ [208] نقله عنه الشِّلْبيُّ. يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (5/35). .
رابعًا: لأنَّ القِصاصَ مِمَّا يَحتَمِلُ الإسقاطَ بغَيرِ مالٍ، فيَحتَمِلُه بالمالِ أيضًا، وهو حَقٌّ يَحتَمِلُ التَّقويمَ [209]  يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (5/35). .
خامسًا: لأنَّ دَمَ العَمدِ حَقٌّ يَجوزُ أن يَؤولَ إلى مالٍ، وهو إذا دَخَلتْه شُبهةٌ، فجازَ الصُّلحُ مِنه على مالٍ، كالرَّدِّ بالعَيبِ [210] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (5/35). .

انظر أيضا: