الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: إذا بلغَ الصَّبيُّ سَفيهًا (غَيرَ رَشيدٍ)


إذا بلغ الصَّبيُّ سَفيهًا [377] السَّفهُ هو: تَبذيرُ المالِ، وعدَمُ حُسنِ التَّصرُّفِ فيه، وإتلافُه على خِلافِ مُقتضى العَقلِ والشَّرعِ. يُنظر: ((العناية)) للبابَرْتي (9/259)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدَّرْدِير)) (3/292). ويُحجَرُ أيضًا على ذي الغَفلةِ: وهو مَن يُغبَنُ في البُيوعِ لسَلامةِ قَلبِه ولا يهتَدي إلى التَّصَرُّفاتِ الرَّابحةِ، ويَختَلِفُ عنِ السَّفيهِ بأنَّ السَّفيهَ مُفسِدٌ لمالِه ومُتابعٌ لهَواه، أمَّا ذو الغَفلةِ فإنَّه ليس بمُفسِدٍ لمالِه، ولا يَقصِدُ الفسادَ. يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/97). (غَير رَشيدٍ) استُديمَ الحَجْرُ عليه حتَّى يُؤنَسَ منه الرُّشدُ [378] المرادُ بالرُّشدِ هو الصَّلاحُ في المالِ، وذلك بحِفظِه وإصلاحِه، وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والحنابلةِ. يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/183)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (2/529)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهوتي (2/173). ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ [379] عندَ أبي حنيفةَ يُحجَرُ عليه حتى يبلُغَ خمسًا وعشرين سنةً. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/91). : المالِكيَّةِ [380] ((الكافي)) لابن عبد البر (ص: 423)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/58)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (6/83). ، والشَّافِعيَّةِ [381] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/160)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/357). ويُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/331). ، والحنابِلةِ [382] ((الكافي)) لابن قدامة (2/106)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/304)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (3/443-452). ، وقَولُ أبي يوسُفَ ومُحمَّدِ بنِ الحَسَنِ منَ الحَنَفيَّةِ [383] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/192)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/91). ويُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) للموصلي (2/103). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [384] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أنَّ الحَجْرَ يَجِبُ على كُلِّ مُضَيِّعٍ لمالِه من صَغيرٍ وكَبيرٍ). ((الإجماع)): (ص:  59). وقال ابنُ قُدامةَ: (المَحجورُ عليه إذا فُكَّ عنه الحَجْرُ لرُشدِه وبُلوغِه، ودُفِعَ إليه مالُه، ثمَّ عادَ إلى السَّفَهِ، أعيدَ عليه الحَجْرُ... وقال أبو حَنيفةَ: لا... ولنا إجماعُ الصَّحابةِ). ((المغني)) (4/352). وقال مَيارةُ الفاسيُّ: (اتَّفقوا أنَّ على الإمامِ أن يولِّيَ عليه إذا ثَبَتَ عِندَه سَفهُه، وخَشيَ ذَهابَ مالِه). ((الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام)) (2/206). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكِتابِ
1- قَولُه تبارك وتعالى: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ [النساء: 5] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ دَلالةٌ على الحَجْرِ على السَّفيهِ بإثباتِ الوِلايةِ عليه [385] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/344)، ((تفسير القرطبي)) (5/30). .
2- قَولُه تعالى: فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء: 6] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّتِ الآيةُ على أنَّ السَّبَبَ المُقتَضيَ للحَجرِ هو السَّفَهُ [386] يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/62). .
3- قَولُه تعالى: فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [البقرة: 282] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أخبَرَ اللهُ تعالى أنَّ هؤلاء السَّفيهَ، والضَّعيفَ كالصَّبيِّ، والذي لا يَستَطيعُ أن يُمِلَّ كالمَغلوبِ على عَقلِه يَنوبُ عنهم أولياؤُهم، فدَلَّ على ثُبوتِ الحَجْرِ عليهم [387] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/165)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج للأنصاري)) (3/334). .
ثانيًا: لأنَّ الحَجْرَ على الصَّبيِّ شُرِعَ لاحتِمالِ التَّبذيرِ، فيَكونُ الحَجْرُ على السَّفيهِ مَعَ تَيَقُّنِ التَّبذيرِ أَولى [388] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/332)، ((الاختيار لتعليل المختار)) للموصلي (2/103). .
ثالثًا: لأنَّ الحَجْرَ إنَّما شُرِع صيانةً لمالِه ولمصلحتِه [389] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/91). .
رابعًا: لأنَّ إطلاقَه في التَّصَرُّفِ يُفضي إلى ضَياعِ أموالِه، وفيه ضَرَرٌ عليه [390] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/106). .
خامسًا: لأنَّ السَّفَهَ لو قارَنَ البُلوغَ مَنع دَفعَ المالِ إليه، فإذا حَدَثَ السَّفَهُ أوجَبَ انتِزاعَ المالِ كالجُنونِ [391] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/610). .

انظر أيضا: