الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: الزَّوجةُ إذا كانت رَشيدةً


لا يُحجَرُ على تَبَرُّعاتِ الزَّوجةِ إذا كانت رَشيدةً، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [425] لم يَذكُرِ الحَنَفيَّةُ في أسبابِ الحَجْرِ عِندَهمُ الحَجْرَ على تَبَرُّعاتِ الزَّوجةِ. ((بداية المبتدي)) للمرغيناني (ص: 200)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (11/75). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/169). ، والشَّافِعيَّةِ [426] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/169). ، والحنابِلةِ [427] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/345)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهوتي (2/180). ، والظَّاهِريَّةِ [428] الظَّاهريَّةُ يَرَونَ أنَّ مَن بلغَ مُمَيِّزًا فقد أونِسَ منه الرُّشدُ. قال ابنُ حَزمٍ: (لا يَجوزُ الحَجْرُ أيضًا على امرَأةٍ ذاتِ زَوجٍ، ولا بِكرٍ ذاتِ أبٍ، ولا غَيرِ ذاتِ أبٍ، وصَدَقَتُهما وهِبَتُهما نافِذٌ كُلُّ ذلك من رَأسِ المالِ إذا حاضَت، كالرَّجُلِ سَواءً سَواءً، وهو قَولُ سُفيانَ الثَّوريِّ، وأبي حَنيفةَ، والشَّافِعيِّ، وأبي ثَورٍ، وأبي سُليمانَ، وأصحابِهم). ((المحلى بالآثار)) (7/181). وقال أيضًا: (فصَحَّ أنَّ مَن بلغَ مُمَيِّزًا للإيمانِ منَ الكُفرِ فقد أونِسَ منه الرُّشدُ الذي لا رُشدَ سِواه أصلًا، فوجَبَ دَفعُ مالِه إليه... لم نجِدْ في شَيءٍ من لُغةِ العَرَبِ أنَّ الرُّشدَ هو الكَيسُ في جَمعِ المالِ وضَبطِه؛ فبَطَل تَأويلُهم في الرُّشدِ بالآيةِ، وفي دَفعِ المالِ بإيناسِه، وصَحَّ أنَّها موافِقةٌ لقَولِنا، وأنَّ مُرادَ اللهِ تعالى يَقينًا بها إنَّما هو أن مَن بلغَ عاقِلًا مُمَيِّزًا مُسلِمًا وجَب دَفعُ مالِه إليه). ((المحلى)) (7/149، 150). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكِتابِ
قَولُه تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 12] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ دَلالةٌ على نُفوذِ تَصَرُّفِ المَرأةِ في مالِها دونَ إذنِ زَوجِها [429] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (2/124). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَجَ يومَ أضحى أو فِطرٍ، فصلَّى ركعتَينِ، لم يُصَلِّ قَبْلَها ولا بَعْدَها، ثمَّ أتى النِّساءَ ومعه بلالٌ، فأمَرَهنَّ بالصَّدَقةِ، فجعَلَت المرأةُ تُلقي خُرْصَها، وتُلقي سِخابَها)) [430] أخرجه البخاري (5881)، ومسلم (884) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عَطيَّةَ المرأةِ البالِغةِ وصَدقَتَها بغيرِ إذنِ زَوجِها جائزةٌ ماضيةٌ، ولو كان ذلك مفتَقِرًا إلى الأزواجِ لم يكُنْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليأمُرَهنَّ بالصَّدَقةِ قَبلَ أن يَسألَ أزواجَهنَّ الإذنَ لهُنَّ في ذلك [431] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/253). .
2- عن ميمونةَ بنتِ الحارِثِ أمِّ المُؤمِنينَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّها أعتَقَت وليدةً ولم تستأذِنِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا كان يومُها الذي يدورُ عليها فيه قالت: أشعَرَتْ يا رسولَ اللهِ أنِّي أعتَقْتُ وَليدتي؟ قال: أوَفعَلْتِ؟ قالت: نعم، قال: أمَا إنَّكِ لو أعطَيتِها أخوالَكِ كان أعظَمَ لأجْرِك)) [432] أخرجه البخاري (2592) واللفظ له، ومسلم (999). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّها أعتَقَت قَبلَ أن تستأمِرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانت رشيدةً فلم يَستدرِكْ ذلك عليها، بل أرشَدَها إلى ما هو الأَولى، فلو كان لا يَنفُذُ لها تصَرُّفٌ في مالِها لأبطَلَه [433] يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (4/348). .
ثالثًا: لأنَّ مَن وجَبَ دَفعُ مالِه إليه لرُشدِه جازَ له التَّصَرُّفُ فيه بلا إذنِ أحَدٍ [434] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهوتي (2/180). .
رابعًا: لأنَّ المَرأةَ من أهلِ التَّصَرُّفِ، ولا حَقَّ لزَوجِها في مالِها، فلم يملِكِ الحَجْرَ عليها في التَّصَرُّفِ في مالِها [435] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/349). .

انظر أيضا: