الموسوعة الفقهية

المَطلبُ السَّادِسُ: هَل يُجبَرُ المُفلَّسُ على التَّكَسُّبِ أو على إيجارِ نَفسِه ليَقضيَ دَينَه؟


لا يُجبَرُ المُفلَّسُ على التَّكَسُّبِ أو على إيجارِ نَفسِه ليَقضيَ دَينُه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [560] ((المبسوط)) للسرخسي (24/143) و (5/167)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (11/123)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/308). والمالِكيَّةِ [561] أطلقَ المالكيَّةُ القَولَ بعَدَمِ إجبارِه على التَّكَسُّبِ ولو كان قادِرًا عليه، ولا يَلزَمُه أن يَتَسَلَّفَ، ولا قَبولُه، ولا قَبولُ صَدَقةٍ ولا هبةٍ، لكِنَّه إن كان صانِعًا أُجبِرَ على العَمَلِ. ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (3/270، 271). ويُنظر: ((التبصرة)) للَّخمي (12/5550). ، والشَّافِعيَّةِ [562] فرَّق الشَّافِعيَّةُ إذا كان الدَّينُ في غَيرِ مَعصيةٍ لا يُلزَمُ بالتَّكَسُّبِ ولا أن يُؤاجِرَ نَفسَه، ويُجبَرُ على أخذِ الدِّيةِ التي لا قِصاصَ فيها، لكِن إذا كان الدَّينُ عاصيًا بسَبَبه، كَغاصِبٍ، فيُلزَمُ بالتَّكَسُّبِ. ((روضة الطالبين)) للنووي (4/147)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/139). ، وروايةٌ عن أحمَدَ [563] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/301). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكِتابِ
قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة: 280] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى أمَر في المُعسِرِ بإنظارِه ليَسارِه، ولم يَأمُرْه بالتَّكَسُّبِ [564] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/139). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أُصيبَ رَجُلٌ في عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ثِمارٍ ابتاعَها، فكَثُرَ دَينُه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تصَدَّقوا عليه، فتَصَدَّقَ النَّاسُ عليه، فلم يَبلُغْ ذلك وفاءَ دَينِه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لغُرَمائِه: خُذوا ما وجَدتُم، وليس لكُم إلَّا ذلك)) [565] أخرجه مسلم (1556). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خُذوا ما وجَدتُم، وليس لكُم إلَّا ذلك)) [566] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/326)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/301). دَلالةٌ على أنَّ المُفلَّسَ لا يُجبَرُ على التَّكَسُّبِ.
ثالثًا: لأنَّ مَنافِعَ الحُرِّ ليست بمالٍ، وإنَّما هي أسبابٌ إلى تَمَلُّكِ المالِ، والإنسانُ لا يُجبَرُ على أسبابِ التَّمليكِ إذا أفلَسَ [567] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/326). .
رابعًا: لأنَّ الدَّينَ إنَّما تَعلَّقَ بذِمَّتِه [568] يُنظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (3/270، 271). .

انظر أيضا: