الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: بَذْلُ طَرفٍ ثالثٍ العِوَضَ إذا كان السِّباقُ في غَيرِ مَعنى المنصوصِ عليه


اختَلَف الفُقَهاءُ في المُسابَقةِ بعِوَضٍ في أمر مباح [1016] كاللَّعِبِ بكُرةِ القدَمِ وكُرةِ السَّلَّةِ، وكُرةِ الطَّائِرةِ، والتِّنِسِ، والألعابِ الإلكتِرونيَّةِ، وكسِباقِ السَّيَّاراتِ والدَّرَّاجاتِ، وغَيرِها مِنَ الألعابِ المُباحةِ في الأصلِ. وهذه الألعابُ تَجوزُ بالضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ؛ كَعَدَمِ الانشِغالِ عنِ الواجِبِ، وعَدَمِ اشتِمالِها على مُحَرَّمٍ؛ كَكَشفِ العَورةِ، والاختِلاطِ بالنِّساءِ، أوِ السَّبِّ والشَّتمِ فيما بَينَ اللَّاعِبينَ، وألَّا تُؤَدِّيَ إلى العَداوةِ والبَغضاءِ والتَّحَيُّزِ والتَّعَصُّبِ المَقيتِ، وألَّا يَنشَأَ عنها ضَرَرٌ. يُنظر: ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الرابع عشر (1/301- 302)، ((المعايير الشرعية)) لهيئة المحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية (ص: 1260). في غَيرِ مَعنى الخُفِّ والحافِرِ والنَّصلِ إذا كان العِوَضُ مِن طَرَفٍ ثالثٍ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: لا يَجوزُ بَذلُ العِوَضِ في المُسابَقةِ في أمرٍ مُباحٍ في غَيرِ مَعنى الخُفِّ والحافِرِ والنَّصلِ مُطلَقًا، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1017] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/554)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/402). ، والمالِكيَّةِ [1018] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/270)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/209). ، والشَّافِعيَّةِ [1019] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/350)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/312)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/229). ، والحَنابِلةِ [1020] ((كشاف القناع)) (4/48)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/703). ؛ وذلك لأنَّ ما كان في غَيرِ مَعنى الخُفِّ والحافِرِ والنَّصلِ لا يَنفعُ في الحَربِ، وليس مِن آلاتِ القِتالِ [1021] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/229)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/166). .
القَولُ الثَّاني: يَجوزُ بَذلُ العِوَضِ في المُسابَقةِ في أمرٍ مُباحٍ في غَيرِ مَعنى الخُفِّ والحافِرِ والنَّصلِ إذا كان العِوَضُ مِن طَرَفٍ ثالثٍ [1022] نَسَبَه ابنُ القَيِّمِ للحَنَفيَّةِ، فقال: (قالتِ الحَنَفيَّةُ: النَّصُّ على هذه الثَّلاثةِ لا يَنفي الجَوازَ فيما عَداها، وقَولُه: «لا سَبَقَ إلَّا في خُفٍّ أو حافِرٍ أو نَصلٍ»، يُريدُ به: لا سَبَقَ كامِلًا ونافِعًا ونَحوَه، وبَذلُ السَّبَقِ هو مِن بابِ الجَعالاتِ؛ فيَجوزُ في كُلِّ عَمَلٍ مُباحٍ يَجوزُ بَذلُ الجُعلِ فيه، فالعَقدُ مِن بابِ الجَعالاتِ، فهيَ لا تَختَصُّ بالثَّلاثةِ). ((الفروسية)) (ص: 262). ، وهو قَولٌ للمالِكيَّةِ [1023] ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/614). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/156). ، وقَولُ عَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ [1024] قال ابنُ القَيِّمِ: (ذَكَرَ الجُوزَجانيُّ في كِتابِه «المُتَرجمِ»: حَدَّثَنا النُّفَيليُّ، ثنا يَحيى بنُ يَمانٍ عنِ ابنِ جُرَيجٍ قال: قال عَطاءٌ: «السَّبَقُ في كُلِّ شَيءٍ»). ((الفروسية)) (ص: 262). ، ونَصَّت عليه هَيئةُ المُحاسَبةِ للمُؤَسَّساتِ الماليَّةِ الإسلاميَّةِ [1025] جاءَ في المَعاييرِ الشَّرعيَّةِ التَّالي: (تَجوزُ المُسابَقاتُ بشُروطٍ: أن تَكونَ في الأُمورِ المُباحةِ، مِثلُ: المُسابَقاتِ العِلميَّةِ، والثَّقافيَّةِ، والرِّياضيَّةِ. ألَّا تَشتَمِلَ المُسابَقةُ على مَحظورٍ، ومِن ذلك ... أن يَكونَ العِوَضُ مِن طَرَفٍ ثالثٍ، أو مِن واحِدٍ مِنَ المُتَسابقَينِ فقَط، فإن كان العِوَضُ مِنِ اثنَينِ مِنَ المُتَسابقَينِ فأكثَرَ فإنَّه لا يَجوزُ). ((المعايير الشرعية)) لهيئة المحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية (ص: 1260). ، وهو قَولُ ابنِ عُثَيمين [1026] قال ابنُ عُثَيمين: (إذا قال: إن سَبَقتَني فأنا أضمَنُ لَك مِائةَ ريالٍ، وليس في الجانِبِ الثَّاني شَيءٌ، فهذه لا تَدخُلُ في المُراهَنةِ، هذه ليس فيها شَيءٌ. السَّائِلُ: طَيِّب! إذا كان العِوَضُ مِن طَرَفٍ ثالثٍ ليس مِنَ المُتَسابقَينِ؟ الشَّيخُ: فهذا لا بَأسَ به. السَّائِلُ: في كُلِّ المُسابَقاتِ، أو في الثَّلاثِ؟ الشَّيخُ: في كُلِّ المُسابَقاتِ، إلَّا هذه المُسابَقاتِ المُحَرَّمةِ). ((لقاء الباب المفتوح)) اللقاء رقم (2). وقال أيضًا: (فإن قال قائِلٌ: ما حُكمُ بَذلِ العِوَضِ مِن غَيرِ أحَدِ المُتَسابقين في المُسابَقاتِ التي لا يُشتَرَطُ فيها مَنفَعةٌ شَرعيَّةٌ؟ فالجَوابُ: الظَّاهرُ أنَّه لا بَأسَ؛ لأنَّ الإنسانَ له أن يَبذُلَ مالَه فيما يَتَفرَّجُ عليه، وهذا سَوف يَتَفرَّجُ على المُتَسابقينَ، ويُعطيهم جائِزةً). ((تعليقات ابن عثيمين على الكافي)) (6/285). وقال: (فإن قال قائِلٌ: إذا تَبَرَّعَ شَخصٌ ما للمُصارَعةِ والمُسابَقةِ بالأقدامِ، فهَل هذا جائِزٌ؟ فالجَوابُ: لا بَأسَ إذا كان هذا مِمَّا يُباحُ، فلَو أنَّ اثنَينِ تَسابَقا على الأقدامِ، وقال غَيرُهما: مَن سَبَق مِنكُما فلَه كَذا، فلا بَأسَ، وكَذلك في المُصارَعةِ؛ لأنَّ المُصارَعةَ لا بَأسَ بها). ((تعليقات ابن عثيمين على الكافي)) (6/282). وقال أيضًا: (إذا كان دَفعُ الجائِزةِ مِمَّن لا يُشارِكُ بالمُسابَقةِ، مِثلُ أن يَدفعَ شَخصٌ ليس مِن جُملةِ المُتَسابقينَ مَبلَغًا مِنَ المالِ للغالِبِ مِن هذه الفِرَقِ، فلا يَدخُلُ هذا في المَيسِرِ المُحَرَّمِ. أمَّا إذا كان دَفعُ الجائِزةِ مِنَ الفريقَينِ المُتَسابقَينِ، مِثلُ أن يَدفعَ كُلُّ فريقٍ شَيئًا مِنَ المالِ، ومَن سَبَقَ مِنَ الفريقَينِ كان له، فهذا مِنَ المَيسِرِ المُحَرَّمِ؛ لقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90] ، وكَذلك لَو كانتِ الفِرَقُ ثَلاثًا فدَفعَ الفريقانِ ولَم يَدفعِ الثَّالِثُ، وأخذ الجائِزةَ مَن سَبَقَ؛ فهو حَرامٌ أيضًا). ((فتاوى إسلامية)) لمحمد عبد العزيز المسند (4/433). وقال أثناءَ حَديثِه عنِ السِّباقِ: (عَمَلُ النَّاسِ الآنَ في المُسابَقاتِ لا بَأسَ به؛ لأنَّ العِوضَ قد يَكونُ مِن بَيتِ المالِ، وقد يَكونُ مِنَ السُّلطانِ مِن جَيبِه الخاصِّ، وقد يَكونُ مِن أحَدِ التُّجَّارِ أوِ الشَّرِكاتِ أو ما أشبَهَها، فلَيسَ بلازِمٍ أن يَكونَ مِن أحَدِ المُتَسابقَينِ). ((تعليقات ابن عثيمين على الكافي)) (6/284). .

انظر أيضا: