الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: ما نَبَتَ في أرضِه مِن غَيرِ إنباتِه


إذا نَبَتَ الكَلأُ في أرضِه مِن غَيرِ إنباتِه فالنَّاسُ مُشتَرِكونَ فيه، ولا يُمنَعُ أحَدٌ مِنه [2346] أمَّا ما نَبَتَ في أرضِه بإنباتِه فهو أحَقُّ به، وله مَنعُ غَيرِه. يُنظر: ((المَبسوط)) للسرخسي (23/ 165)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/75)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/141). ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [2347] نَصَّ الحَنَفيَّةُ على أنَّه إن كان يَجِدُ المُريدُ الكَلأَ في مَوضِعٍ آخَرَ غَيرِ مَملوكٍ لأحَدٍ، قَريبٍ مِن تلك الأرضِ، فيَأخُذُ مِنها، وإن لم يَجِدْ فصاحِبُ الأرضِ يُعطيه بيَدِه أو يَأذَنُ له حتَّى يَدخُلَ فيَأخُذَ حَقَّه. ((المبسوط)) للسرخسي (23/165)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (12/316). ، والمالِكيَّةِ [2348] اشتَرَطَ المالكيَّةُ عَدَمَ وُجودِ زَرعٍ مَعَ الكَلأِ، فإن وُجِدَ زَرعٌ فله أن يَمنَعَ مِنَ الرَّعيِ فيه. ((الشرح الكبير)) للدردير (4/75)، ((منح الجليل)) لعليش (8/105). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (7/77). ، والحَنابِلةِ [2349] نَصَّ الحَنابلةُ على أنَّه لا يَجوزُ له دُخولُ مِلكِ غَيرِه بغَيرِ إذنِ صاحِبِه، وأنَّ صاحِبَ الأرضِ أحَقُّ به؛ لكَونِه في أرضِه، ولوِ استَأذَنَه أحَدٌ في الدُّخولِ حَرُم عليه مَنعُه إن لم يَحصُلْ ضَرَرٌ بدُخولِه. ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/22)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/365)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/160). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن رَجُلٍ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُسلِمونَ شُرَكاءُ في ثَلاثٍ: الماءِ، والكَلأِ، والنَّارِ)) [2350] أخرجه أبو داود (3477)، وأحمد (23082) واللَّفظُ له. صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3477)، وصَحَّحَ إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3477)، ووثَّق رجالَه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/353)، وابن حجر في ((بلوغ المرام)) (272)، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (29/219): معروفٌ، رواه أهلُ السُّنَن، وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/76): مرويٌّ من طرُقٍ، وقال الشوكانيُّ في ((الدراري المضية)) (282): أحاديثُ البابِ تنتَهِضُ بمَجموعِها. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
 في هذا الحَديثِ لم يُرِدِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ النَّاسَ شُرَكاءُ فيما يَنبُتُ في الأرضِ المُباحةِ فقَط؛ لأنَّ النَّاسَ يَشتَرِكونَ في كُلِّ ما يَنبُتُ في الأرضِ المُباحةِ مِن جَميعِ الأنواعِ، فعُلمَ أنَّه أرادَ ما يَنبُتُ في أرضِ الإنسانِ [2351] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/218). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثَلاثةٌ لا يُكَلِّمُهمُ اللهُ يَومَ القيامةِ، ولا يَنظُرُ إليهم:... ورَجُلٌ مَنَعَ فَضلَ ماءٍ، فيَقولُ اللهُ: اليَومَ أمنَعُك فضلي كما مَنَعتَ فَضلَ ما لم تَعمَلْ يَداك)) [2352] أخرجه البخاري (2369) واللَّفظُ له، ومسلم (108). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
توعُّدُ اللهِ بالعَذابِ لِمَن مَنَعَ فضلَ ماءٍ؛ لكَونِه مَنَع فَضلَ ما لم تَعمَلْ يَداه، والكَلأُ الذي يَنبُتُ بغَيرِ فِعلِه لم تَعمَلْه يَداه [2353] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/219). .
ثانيًا: لأنَّه لا يَملِكُ الكَلأَ قَبلَ حيازَتِه، والنَّاسُ شُرَكاءُ فيه [2354] يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي ( 4/291). .
ثالثًا: أنَّ له حَقَّ أرضِه في الانتِفاعِ فقط لا في مِلكِ العَينِ التي أودَعَها اللهُ فيها [2355] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/712). .
رابعًا: لأنَّه مِنَ المُباحِ، فيَملِكُه آخِذُه، كما لو أخَذَه مِن أرضٍ مُباحةٍ [2356] يُنظر: ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/22). .

انظر أيضا: