الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الخامِسُ: قَتلُ الواحِدِ بالجَماعةِ


اختَلف العُلماءُ في القِصاصِ بقَتلِ الواحِدِ بالجَماعةِ، على قَولينِ:
القَولُ الأوَّلُ: إذا قَتَل الواحِدُ جَماعةً يُقتَلُ بهم، وليسَ للباقينَ الدِّيةُ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [419] ((المبسوط)) للسرخسي (26/113)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/355)، ((الفتاوى الهندية)) (6/5). ، والمالِكيَّةِ [420] ((الكافي)) لابن عبد البر (2/1099). ويُنظر: ((عيون المسائل)) للقاضي عبد الوهاب (ص: 431). ، وقَولٌ مُخَرَّجٌ عِندَ الحَنابلةِ [421] ((الإنصاف)) للمرداوي (9/365). ؛ وذلك لأنَّ القِصاصَ شُرِعَ مَعَ المُنافي لتَحقيقِ الإحياءِ، وقد حَصَل بقَتلِه، فاكتُفيَ به [422] ((البناية)) للعيني (13/126). .
القَولُ الثَّاني: إذا قَتَل الواحِدُ جَماعةً يُقتَلُ بواحِدٍ مِنهم، وللباقينَ الدِّيةُ [423] عِندَ الشَّافِعيَّةِ: يُنظَرُ إلى قَتلِهم؛ فإن قَتَلهم على التَّرتيبِ يُقتَلُ بالأوَّلِ، وللباقينَ الدِّياتُ، وإن كان قد قَتَلهم مَعًا فيُقرَعُ بَينَهم؛ فمَن خَرَجَت له القُرعةُ قُتِل به، وللباقينَ الدِّياتُ. وعِندَ الحَنابلةِ: إن رَضيَ كُلُّهم بقَتلِه لا شَيءَ لهم سِوى القِصاصِ، وإن طَلبَ أحَدُهمُ القِصاصَ والباقونَ الدِّيةَ، فلهم ذلك. يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (9/218)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/255). ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ [424] ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (10/177،261) ((روضة الطالبين)) للنووي (9/218)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (5/47). ، والحَنابلةِ [425] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/255)، ((الإنصاف)) للمرداوي (9/365). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة: 45] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
جَعَل اللهُ تعالى النَّفسَ بمُقابَلةِ النَّفسِ قِصاصًا، فلا يَجوزُ أن تُجعَلَ النَّفسُ بمُقابَلةِ النُّفوسِ قِصاصًا بالرَّأيِ [426] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (26/113). .
ثانيًا: لأنَّه لا مُساواةَ بَينَهما إلَّا أنَّا أوجَبنا القِصاصَ على العَشرةِ بقَتلِ الواحِدِ لرَدِّ غَلَبةِ القَتلِ بغَيرِ حَقٍّ، وهذا لا يوجَدُ في القَتلِ قِصاصًا؛ لأنَّ ذلك يَكونُ بقوَّةِ السُّلطانِ، فلا تَقَعُ الحاجةُ فيه إلى التَّعاوُنِ والتَّغالُبِ [427] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (26/113). .
ثالثًا: لأنَّ في إيجابِ القِصاصِ هناكَ تَحقيقَ مَعنى الزَّجرِ، وذلك لا يوجَدُ هنا؛ فإنَّه بَعدَ ما قَتَل الواحِدَ إذا عَلمَ أنَّه وإن قَتَل جَميعَ أعدائِه لا يَلزَمُه القِصاصُ أخَذَ يَتَجاسَرُ على قَتلِ الأعداءِ [428] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (26/113). .
رابعًا: لأنَّه إذا عَلمَ أنَّه يُستَوفى الدِّياتُ مِن تَرِكَتِه يَتَحَرَّزُ مِن ذلك لإبقاءِ العَناءِ لورَثَتِه؛ فكان مَعنى الزَّجرِ فيما قُلنا [429] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (26/113). .

انظر أيضا: