الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: القِصاصُ في قَطعِ قَصَبةِ الأنفِ


اختَلَف العُلَماءُ في القِصاصِ في قَطعِ قَصَبةِ الأنفِ [673] قَصَبةُ الأنفِ: عَظمُه المتَّصِلُ بمارِنِ الأنفِ. يُنظر: ((غريب الحديث)) لابن قتيبة (2/208)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص 254). ، على قَولَينِ [674] قال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ الأنفُ له قَصَبةٌ مِنَ العِظامِ، وله أرْنَبةٌ من العِظامِ الرَّقيقةِ، فهل المرادُ العِظامُ الرَّقيقةُ أو كلُّ الأنفِ؟ بعضُ العُلَماءِ يقولُ: كُلُّ الأنفِ، إذا قَصَّ الأنفَ مِن عندِ الجَبهةِ قَصَصْنا أنفَه مِن عندِ الجَبهةِ، وبعضُهم يقولُ: لا يمكِنُ أن يكونَ أنفٌ بأنفٍ إلا إذا كان القَطعُ من الجانِبِ اللَّيِّنِ من الأنفِ؛ لأنَّه هو الذي يمكِنُ الاستيفاءُ منه؛ لأنَّ له حَدًّا فاصِلًا بَيِّنًا يُسَمَّى المارِنَ، أي: مارِنَ الأنفِ، وهو ما لان منه، لكِنَّ القولَ الرَّاجِحَ الأوَّلُ: أنَّه يُقتَصُّ من الأنفِ مِن حيثُ كان موضِعُ الجاني، لا سيَّما في وَقتِنا الحاضِرِ، فالطِّبُّ الآنَ مُتقَدِّمٌ ولا يمكِنُ أن يكونَ فيه حيفٌ). ((تفسير سورة المائدة)) (1/444). :
القَولُ الأوَّلُ: لا قِصاصَ في قَطعِ قَصَبةِ الأنفِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [675] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/111)، ((الفتاوى الهندية)) (6/10). والشَّافِعيَّةِ [676] ((روضة الطالبين)) للنووي (9/277)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (5/62). والحنابِلةِ [677] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/266)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/548). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ القِصاصَ يُبنى على المساواةِ، وقد تعذَّرَ اعتِبارُها في قَصَبةِ الأنفِ؛ لأنَّها عَظمٌ، والعَظمُ لا يُمكِنُ فيه المُساواةُ [678] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/111). .
ثانيًا: لأنَّ القَطعَ ليس مِن مَفصِلٍ، فلا يؤمَنُ فيه من الحَيفِ [679] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/548). .
القَولُ الثَّاني: يجري القِصاصُ في قَطعِ قَصَبةِ الأنفِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [680] نصَّ المالِكيَّةُ على أنَّ كُلَّ كَسرٍ يُستطاعُ فيه القِصاصُ فإنَّه يُقتَصُّ منه وإن كان عَظمًا، واستَثْنَوا فيما إذا خُشِيَ إتلافُ النَّفسِ، كعَظمِ الصَّدرِ، والفَخِذِ، والعُنُقِ، فهذه لا قِصاصَ فيها عِندَهم. ((مواهب الجليل)) للحطاب (8/316)، ((منح الجليل)) لعليش (9/49). ويُنظر: ((التهذيب في اختصار المدونة)) لابن البراذعي (4/554). ، وقَولُ ابنِ حَزمٍ [681] يُنظر: ((المحلى)) (11/48- 51). ، واختيارُ ابنِ عُثَيمين [682] قال ابنُ عُثَيمين: (القَولُ الرَّاجِحُ الأوَّلُ: أنَّه يُقتَصُّ مِنَ الأنفِ مِن حيثُ كان مَوضِعُ الجاني، لا سِيَّما في وَقتِنا الحاضِرِ؛ فالطِّبُّ الآنَ مُتقَدِّمٌ ولا يمكِنُ أن يكونَ فيه حَيفٌ؛ لأنَّ الذين قالوا: لا يُقتَصُّ مِنَ العَظمِ، قالوا: يُخشى أن يكونَ فيه حَيفٌ فيتقَطَّعُ العَظمُ ولا يكونُ الاقتِصاصُ تامًّا، نقولُ: الآنَ الحمدُ للهِ في وَقتِنا الحاضِرِ الطِّبُّ مُتقَدِّمٌ يمكِنُ أن يُقتَصَّ بالشَّعرةِ). ((تفسير سورة المائدة)) (1/444). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ [المائدة: 45] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه: وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ دليلٌ على إجراءِ القِصاصِ في الأنفِ كُلِّه [683] يُنظر: ((تفسير المائدة)) لابن عثيمين (1/445). ، ومنه القَصَبةُ.  
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ الرُّبَيِّعَ -وهيَ ابنةُ النَّضْرِ- كَسَرَت ثَنيَّةَ جاريةٍ، فطَلَبوا الأَرْشَ، وطَلَبوا العَفوَ، فأبَوا، فأتَوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَرَهم بالقِصاصِ، فقال أنَسُ بنُ النَّضْرِ: أتُكسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يا رَسولَ اللهِ؟! لا والذي بَعَثَك بالحَقِّ لا تُكسَرُ ثَنيَّتُها! فقال: يا أنَسُ، كِتابُ اللهِ القِصاصُ! فرَضيَ القَومُ وعَفَوا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ مِن عِبادِ اللهِ مَن لو أقسَمَ على اللهِ لأبَرَّه)) [684] أخرجه البخاري (2703) واللفظ له، ومسلم (1675). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كتابُ اللهِ القِصاصُ)) أنَّه لمَّا جاز القِصاصُ في السِّنِّ إذا كُسِرَت، وهى عَظمٌ، فكذلك سائرُ العِظامِ يجري فيها القِصاصُ [685] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/523). ، ومنها قَصَبةُ الأنفِ.
ثالثًا: أنَّه يمكِنُ المماثَلةُ في القِصاصِ في قَصَبةِ الأنفِ، ولا يُخشى فيه التَّجاوُزُ والحَيفُ، وخاصَّةً مع تقَدُّمِ الطِّبِّ في هذا العَصرِ [686] يُنظر: ((تفسير سورة المائدة)) لابن عثيمين (1/444). .

انظر أيضا: