الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: ثُبوتُ الجِنايةِ بالإقرارِ


تَثبُتُ الجِنايةُ بإقرارِ الجاني.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَجَمَ ماعِزًا والغامِديَّةَ بإقرارِهما [833] عن بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ الأسلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: جاءَ ماعِزُ بنُ مالكٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني، فقال: ويحَكَ! ارجِعْ فاستَغفِرِ اللَّهَ وتُبْ إليه، قال: فرَجَعَ غَيرَ بَعيدٍ، ثُمَّ جاءَ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني ... قال: ثُمَّ جاءَته امرَأةٌ مِن غامِدٍ مِنَ الأزدِ، فقالت: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْني، فقال: ويحَكِ! ارجِعي فاستَغفِري اللَّهَ وتوبي إليه، فقالت: أراكَ تُريدُ أن تُرَدِّدَني كَما رَدَّدتَ ماعِزَ بنَ مالكٍ...)). أخرجه مسلم (1695). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وهو جالسٌ على مِنبَرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللَّهَ قد بَعَثَ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحَقِّ، وأنزَل عليه الكِتابَ، فكان مِمَّا أنزَل عليه آيةُ الرَّجمِ، قَرَأناها ووعَيناها وعَقَلناها. فرَجَمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَجَمنا بَعدَه، فأخشى إن طال بالنَّاسِ زَمانٌ أن يَقولَ قائِلٌ: ما نَجِدُ الرَّجمَ في كِتابِ اللهِ، فيَضِلُّوا بتَركِ فريضةٍ أنزَلها اللهُ، وإنَّ الرَّجمَ في كِتابِ اللهِ حَقٌّ على مَن زَنى إذا أحصَنَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، إذا قامَتِ البَيِّنةُ، أو كان الحَبَلُ أوِ الاعتِرافُ)) [834] أخرجه البخاري (6830)، ومسلم (1691) واللَّفظُ له. .                  
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه دَليلٌ على وُجوبِ الرَّجمِ على مَنِ اعتَرَف وأقَرَّ بالزِّنا [835] يُنظر: ((شرح النوَوي على مسلم)) (11/ 192).              .
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [836] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفقوا على وُجوبِ الحُكمِ بالبَيِّنةِ مَعَ يَمينِ المَشهودِ له، وبالإقرارِ الذي لا يَتَّصِلُ به استِثناءٌ أو ما يُبطِلُه إذا كان في مَجلسِ القاضي، ولم يَكُنْ تَقدَّمَه إنكارٌ عِندَه، أو أثبَتَه القاضي في ديوانِه وشَهدَ به عَدلانِ عِندَ ذلك القاضي). ((مراتب الإجماع)) (ص: 50). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [837] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَعَ العُلماءُ على القَضاءِ بإقرارِ المُدَّعى عليه). ((الاستذكار)) (7/113). ، وابنُ رُشدٍ [838] قال ابنُ رُشدٍ: (الإقرارُ إذا كان بَيِّنًا فلا خِلافَ في وُجوبِ الحُكمِ به). ((بداية المجتهد)) (4/254). ، والزَّيلَعيُّ [839] قال الزَّيلعيُّ: (الأُمَّةُ أجمَعَت على أنَّ الإقرارَ حُجَّةٌ في حَقِّ نَفسِه، حتَّى أوجَبوا عليه الحُدودَ والقِصاصَ بإقرارِه). ((تبيين الحقائق)) (5/ 3).             .
ثالثًا: لأنَّ العاقِلَ لا يُقِرُّ على نَفسِه كاذِبًا بما فيه ضَرَرٌ على نَفسِه أو مالِه، فتَرَجَّحَت جِهةُ الصِّدقِ في حَقِّ نَفسِه لعَدَمِ التُّهمةِ، وكَمالِ الوِلايةِ، بخِلافِ إقرارِه في حَقِّ غَيرِه [840] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/3). .

انظر أيضا: