الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالثُ: دِيةُ ذَهابِ السَّمعِ


تَجِبُ الدِّيةُ كامِلةً في ذَهابِ السَّمعِ كُلِّه، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1062] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/129)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/576). ، والمالِكيَّةِ [1063] ((الكافي)) لابن عبد البر (2/1111)، ((منح الجليل)) لعليش (9/108). ، والشَّافِعيَّةِ [1064] ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/69). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (12/244). ، والحَنابلةِ [1065] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/71). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/442). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [1066] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعَ عَوامُّ أهلِ العِلمِ على أنَّ في السَّمعِ الدِّيةَ). ((الأوسط)) (13/204). وقال: (في السَّمعِ الدِّيةُ؛ إذ لا اختِلافَ فيه أعلَمُه أنَّ في السَّمعِ الدِّيةَ). ((الأوسط)) (13/205). وقال ابنُ قُدامةَ: ((وفي السَّمعِ إذا ذَهَبَ مِنَ الأُذُنَينِ الدِّيةُ) لا خِلافَ في هذا ... رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ، وبه قال مُجاهِدٌ، وقتادةُ، والثَّوريُّ، والأوزاعيُّ، وأهلُ الشَّامِ، وأهلُ العِراقِ، ومالِكٌ، والشَّافِعيُّ، وابنُ المُنذِرِ، ولا أعلمُ عن غَيرِهم خِلافًا لهم). ((المغني)) (8/442). وقال المرداويُّ: (قَولُه: «فَصلٌ في ديةِ المَنافِعِ: في كُلِّ حاسَّةٍ دِيةٌ كامِلةٌ، وهيَ السَّمعُ، والبَصَرُ، والشَّمُّ، والذَّوقُ». في كُلٍّ واحِدٍ مِنَ السَّمعِ والبَصَرِ والشَّمِّ ديةٌ كامِلةٌ بلا نِزاعٍ). ((الإنصاف)) (10/71). وخالف في ذلك ابنُ حَزمٍ، فقال: لا ديةَ في ذَهابِ السَّمعِ بالخَطَأِ، وفي العَمدِ القِصاصُ، ونَفى الإجماعَ في المَسألةِ لوُجودِ خِلافٍ فيها؛ قال ابنُ حَزمٍ: (عن أبي قِلابةَ، قال: رَمى رَجُلٌ رَجُلًا بحَجَرٍ في رَأسِه، فذَهَبَ سَمعُه ولِسانُه وعَقلُه، ويَبِسَ ذَكَرُه، فقَضى فيه عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بأربَعِ دياتٍ. قال عليٌّ: ليسَ عن أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم شَيءٌ في السَّمعِ غَيرُ هذا، وهو لا يَصِحُّ؛ لأنَّ أبا المُهَلَّبِ لم يُدرِكْ عُمَرَ أصلًا، ولا في السَّمعِ أثَرٌ عنِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لا صحيحٌ ولا سَقيمٌ، ولا يُعرَفُ فيه إيجابُ الدِّيةِ عن أحَدٍ مِنَ التَّابعينَ إلَّا قتادةَ وَحدَه، وقد خالفه غَيرُه ... وقال أبو حَنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعيُّ، وأصحابُهم: في ذَهابِ السَّمعِ الدِّيةُ. وهذا لا نَصَّ فيه ولا إجماعَ؛ لصِحَّةِ وُجودِ الخِلافِ كَما ذَكَرنا ... فلا شَيءَ في ذَهابِ السَّمعِ بالخَطَأِ؛ لأنَّ الأموالَ مُحَرَّمةٌ إلَّا بنَصٍّ أو إجماعٍ. وأمَّا في العَمدِ فإن أمكَنَ القِصاصُ مِنه بمِثلِ ما ضَرَبَ فواجِبٌ، ويُصَبُّ في أُذُنِه ما يُبطِلُ سَمعَه، مِمَّا يُؤمَنُ مَعَه مَوتُه، فهذا هو القِصاصُ). ((المحلى)) (11/74،75). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ للأُذُنِ مَنفعةً مَقصودةً بذاتِها [1067] ((حاشية ابن عابدين)) (6/576). .
ثانيًا: لأنَّه مِن أشرَفِ الحَوَّاسِ، فكان كالبَصَرِ، بَل هو أشرَفُ مِنه؛ لأنَّ به يُدرَكُ الفهمُ، ويُدرَكُ مِنَ الجِهاتِ السِّتِّ، وفي النُّورِ والظُّلمةِ، ولا يُدرَكُ بالبَصَرِ إلَّا مِن جِهةِ المُقابَلةِ، وبواسِطةٍ مِن ضياءٍ أو شُعاعٍ [1068] ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/69). .

انظر أيضا: