الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: عدم نيةُ الإقَامَةِ في السَّفرِ


الفرع الأوَّل: حُكْمُ القَصْرِ لِمَن نوى الإقامَةَ
مَن نوَى الإقامةَ يَلزمُه الإتمامُ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (عن ابنِ عُمرَ قال: صليتُ مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمنًى ركعتَين، ومع أبي بكر ركعتَينِ، ومع عُمرَ ركعتين، ومع عُثمانَ صدرًا من خلافتِه، ثمَّ صلَّاها أربعًا. وقال ابنُ شهاب: فبَلَغَني أنَّ عثمان أيضًا صلَّاها أربعًا؛ لأنَّه أزمع أن يُقيم بعد الحجِّ. قال أبو عُمرَ: هذا وجهٌ صحيحٌ مجتمَع عليه، فيمَن نوَى الإقامة، أنَّه يلزمه الإتمامُ) ((التمهيد)) (16/305- 306). وقال أيضًا: (لا أعلم خلافًا فيمَن سافر سفرًا يقصر فيه الصلاة، لا يلزمه أن يتمَّ في سفره، إلَّا أنْ ينويَ الإقامةَ في مكانٍ من سفره، ويجمَع نِيَّتَه على ذلك) ((الاستذكار)) (2/242).

الفرع الثاني: مُدَّةُ الإقامةِ التي تَقطَعُ السَّفَرَ إذا نواها.
اختلَفَ العُلماءُ في مدَّة الإقامةِ حَكى ابنُ عبدِ البَرِّ الإجماعَ على أنَّ مَن نوَى الإقامةَ يَلزمُه الإتمامُ، فقال: (لا أعلَمُ خلافًا فيمَن سافَرَ سفَرًا يَقصُرُ فيه الصلاةَ لا يَلزَمُه أنْ يُتِمَّ في سفَرِه، إلَّا أنْ يَنويَ الإقامةَ في مكانٍ من سَفرِه، ويُجمِع نيَّتَه على ذلك، واختَلَف أهلُ العِلمِ في المدَّة التي إذا نَوى المسافرُ أنْ يُقيمَ فيها لَزِمه الإتمامُ). ((الاستذكار)) (2/242). وقال: (عنِ ابنِ عُمَرَ قال: صلَّيتُ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمنًى ركعَتَينِ، ومع أبي بَكرٍ ركعَتَينِ، ومع عُمَرَ ركعَتَينِ، ومع عُثمانَ صَدرًا من خلافتِه، ثم صلَّاها أربعًا، قال ابنُ شِهاب: فبلَغَني أنَّ عُثمانَ أيضًا صلَّاها أربعًا؛ لأنَّه أزمَعَ أنْ يُقيمَ بعدَ الحجِّ قال أبو عُمَرَ: هذا وجهٌ صحيحٌ مجتَمَعٌ عليه فيمَن نَوى الإقامةَ أنَّه يَلزَمُه الإتمامُ). ((التمهيد)) (16/306). التي تَقطَع السَّفَرَ إذا نَواها إلى عِدَّة أقوالٍ أقْواها قولان سببُ الخلافِ في المسألة كما قال ابنُ رُشدٍ: (أنَّه أمرٌ مسكوتٌ عنه في الشرْعِ، والقياسُ على التحديدِ ضَعيفٌ عند الجميعِ؛ ولذلك رامَ هؤلاء كلُّهم أنْ يَستَدِلُّوا لمذهَبِهم منَ الأحوال التي نُقِلتْ عنه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- أنَّه أقامَ فيها مُقصِرًا، أو أنَّه جعَل لها حُكمَ المسافِر). ((بداية المجتهد)) (1/169). وقال ابن تيمية: (هذه المسألة فيها نزاع بين العلماء منهم من يوجب الإتمام ومنهم من يوجب القصر والصحيح أن كلاهما سائغ فمن قصر لا ينكر عليه ومن أتم لا ينكر عليه) ((مجموع الفتاوى)) (24/18). وقال ابنُ عُثَيمين: (هذه المسألةُ من مسائلِ الخلافِ التي كثُرَت فيها الأقوالُ، فزادَتْ على عشرينَ قولًا لأهلِ العِلم، وسببُ ذلك أنَّه ليس فيها دليلٌ فاصلٌ يَقطَعُ النزاعَ؛ فلهذا اضطَرَبَت فيها أقوالُ أهلِ العِلم). ((الشرح الممتع)) (4/374)، ويُنظَر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البرِّ (11/182). :
القولُ الأولُ: لا يَقْصُرُ المسافِرُ الصلاةَ إذا نوى الإقامةَ أربعةَ أيَّامٍ فأكثرَ، وهذا مذهبُ المالِكيَّة وعندَهم لا يُعتَدُّ باليومِ الذي يدخُلُ فيه، إلَّا أنْ يكونَ دخولُه قبلَ الفَجرِ، وأمَّا اليومُ الذي يخرُجُ فيه، فإنْ كان نيَّتُه الخروجَ قبلَ غروبِ الشمسِ، فلا إشكالَ في عدمِ الاعتدادِ بذلك، وأمَّا إنْ كان نيَّتُه الخروجَ بعدَ الغروبِ، وقبلَ صلاةِ العشاءِ، فالظاهرُ أنَّه لا يُعتدُّ به أيضًا.. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/503 و 504)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/32).. ، والشافعيَّة لكن لا يَحسُبون منها يومَ الدُّخولِ، ويوم الخروجِ. ((روضة الطالبين)) للنووي (1/384)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/264). ويُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/361).  ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (2/212). ومذهَبُ الحنابِلةِ أنَّه إذا نَوى الإقامةَ أكثَرَ من أربعةِ أيامٍ انقطَعَ سفَرُه، قالوا: لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدِمَ مكةَ في حَجَّة الوداعِ لصُبحِ رابعةٍ، فأقامَ اليومَ الرابعَ، والخامسَ، والسادسَ، والسابعَ، وصلَّى الفَجرَ بالأبطَحِ يومَ الثامنِ، فكان يَقصُرُ الصلاةَ في هذه الأيَّامِ، وقد أجمَع على إقامتِها، فهذا يدُلُّ على أنَّ مَن أقامَ ما يَزيدُ على أربعةِ أيَّام أتمَّ. وهذا ما رجَّحَه ابنُ بازٍ. ينظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (13/36). ، وبه قال بعضُ السَّلَف قال الماورديُّ: (إن نوى مقامَ أربعة أيَّام سوى اليوم الذي دخَل فيه واليوم الذي يخرج منه، لزمه أن يُتِمَّ، لم يجز له أن يقصُر، وبه قال من الصحابة: عثمانُ بنُ عفَّان رضي الله عنه، ومن التابعين: سعيدُ بن المسيَّب، ومن الفقهاء: مالكٌ) ((الحاوي الكبير)) (2/371). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (واختلفوا في مدَّة الإقامة؛ فقال مالكٌ، والشافعيُّ، والليثُ، والطبريُّ، وأبو ثور: إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وهو قول سعيد بن المسيَّب- في رواية عطاء الخراساني عنه) ((التمهيد)) (11/181). وقال ابنُ قدامةَ: (وعنه أنَّه إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وإن نوى دونها قَصَر، وهذا قولُ مالكٍ، والشافعيِّ، وأبي ثورٍ؛ لأنَّ الثلاثَ حدُّ القِلَّة). ((المغني)) (2/212). ، واختارَه الطبريُّ ((التمهيد)) لابن عبد البر (11/181). ، وابنُ تيميَّةَ احتياطًا قال ابنُ تيميَّةَ: (إذا نوى أن يُقيمَ بالبلد أربعةَ أيَّامٍ فما دونها قَصَر الصَّلاة، كما فعل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا دخل مكةَ؛ فإنَّه أقام بها أربعةَ أيَّام يَقصُر الصلاةَ، وإنْ كان أكثرَ ففيه نزاعٌ، والأحوطُ أن يُتمَّ الصلاةَ). ((مجموع الفتاوى)) (24/17).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1-عن العَلاءِ بنِ الحضرميِّ قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يُقيمُ المهاجرُ بمكَّةَ بعدَ قضاءِ نُسُكِه ثَلاثًا )) رواه مسلم (1352).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه كان يَحرُم على المهاجرين الإقامةُ بمكَّةَ؛ فالإذنُ في الثلاثةِ؛ ليقضوا حوائِجَهم، يدلُّ على بقاءِ حُكمِ السَّفرِ فيها، وأنَّ ثلاثةَ أيامٍ ليس لها حكمُ الإقامةِ، وأنَّ ما زاد عليها -وهي أربعةُ أيامٍ- تُعتبَرُ إقامةً لِمن نواها قال ابنُ عبدِ البرِّ: (معلوم أنَّ الهجرة إذا كانت مفترَضَةً قبل الفتح، كان المقام بمكَّةَ لا يجوز ولا يَحِلُّ، فجَعَل رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمهاجر ثلاثةَ أيام لتقضيةِ حوائجه، وتهذيب أسبابه، ولم يَحكُم لها بحُكم المقام، ولا جعَلَها في حيِّز الإقامة؛ لأنها لم تكن دارَ مُقام، فإذا لم يكُن كذلك؛ فما زاد على الثلاثة أيَّام إقامةً لِمَن نواها، وأقل ذلك أربعة أيَّام، ومَن نوى إقامة ثلاثة أيَّام فما دونها، فليس بمقيمٍ وإن نوى ذلك، كما أنه لو نوى إقامةَ ساعة أو نحوها لم يكُن بساعته تلك داخلًا في حُكم المقيم ولا في أحواله) ((التمهيد)) (11/185).
ثانيًا: من الآثار
عن عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه أجْلَى اليهودَ مِن الحجازِ، ثم أذِنَ لِمَن قدِمَ منهم تاجرًا أن يُقيمَ ثلاثًا) ((موطأ مالك- برواية أبي مصعب الزهري)) (2/63) (1864). صحَّحه النووي في ((المجموع)) (4/360)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (9/210).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الاقتصارَ في الإذنِ لهم للتجارةِ ثلاثًا بعدَ إجلائِهم منها يُشيرُ إلى أنَّ ذلك مقامُ السَّفر، وما جاوزه مقامُ الإقامةِ قال ابن عبد البر: (ومن الحُجَّة أيضًا في ذلك: أنَّ عمر رضي الله عنه حين أجْلَى اليهود جعَل لهم إقامة ثلاثة أيَّام في قضاء أمورهم، وإنَّما نفاهم عمرُ لقول رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا يَبقَى دِينانِ بأرضِ العَربِ»، ألا ترى أنَّهم لا يجوز تركُهم بأرض العرب مقيمين بها؟ فحِين نفاهم عمرُ وأمرهم بالخروج لم يكُن عنده الثلاثة أيام إقامةً. وهذا بيِّن لِمَن لم يُعانِد ويصدَّه عن الحقِّ هواه وعماه) ((التمهيد)) (11/185، 186)، وينظر: ((مختصر خلافيات البيهقي)) (2/316)، ((المغني)) لابن قدامة (2/212).
ثالثًا: عمَلُ أهلِ المدينةِ:
نقَل الإمامُ مالكٌ: عمَلَ أهلِ المدينةِ على ذلك قال مالِكٌ: الأمرُ عندنا فيمن أجمعَ مقامَ أربعِ ليالٍ على حديثِ عطاءِ بنِ عبدِ اللهِ، عن ابنِ المسيِّبِ، «أي: يُتِمُّ». قال مالك: في حديثِ عطاءِ بنِ عبدِ اللهِ: وذلك أحسَنُ ما سمعتُ، وذلك الذي لم يزَلْ عليه أهلُ العلمِ ببلَدِنا). ((موطأ مالك- رواية أبي مصعب الزهري)) (1/516). وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/104).
القولُ الثاني: يَقصُرُ إذا أقامَ تِسعةَ عشَرَ يومًا، وإنْ زادَ أتمَّ، وهو قولٌ للشافعيِّ قال النووي: (وإذا جُمِعَت هذه الأقوالُ والأوجُهُ وسُمِّيَت أقوالًا، كانت سبعةً. (أحدُها) لا يجوزُ القصرُ بعد أربعةِ أيَّامٍ. (والثاني) يجوزُ إلى سبعةَ عَشَرَ يومًا... (والرابع) إلى تسعةَ عَشَرَ). ((المجموع)) (4/362)، وقال ابن الملقن: (... الرابع عشر: تسعةَ عَشَرَ يومًا، وهو الصَّحيحُ عن ابنِ عَبَّاسٍ كما مَرَّ، قاله إسحاقُ، كما نقله الترمذيُّ عنه، وهو أحدُ أقوالِ الشافعيِّ، وهو القويُّ عندي، وبه أُفتي؛ لأنَّ البابَ بابُ اتِّباعٍ، وهذا أصَحُّ ما ورد فلا يُعدَلُ عنه). ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (8/431). ، وهو قولُ ابن عَبَّاسٍ ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/247)، ((المجموع)) للنووي (4/362) ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (8/431). ، وإسحاق ابن راهَوَيه ((المجموع)) للنووي (4/362) وينظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (8/431)، ((عمدة القاري)) للعيني (7/116). ، ووصَفَه الترمذيُّ بأقوى المذاهِبِ قال الترمذيُّ: (وأمَّا إسحاقُ فرأى أقوى المذاهبِ فيه حديثَ ابنِ عَبَّاسٍ. قال: لأنَّه روى عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم تأوَّله بعد النبيِّ صلَّى اللهُ  عليه وسلَّم، إذا أجمع على إقامةِ تِسعَ عَشْرةَ أتمَّ الصَّلاةَ). ((سنن الترمذي)) (2/431).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (أَقَامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وإنْ زِدْنَا أتْمَمْنَا.)

الفرع الثالث: مَن حُبِسَ ولم يَنوِ الإقامةَ، أو مَكَثَ لقضاءِ حاجتِه
مَن مكَثَ لقضاءِ حاجتِه ولم يُجْمِعْ على الإقامةِ، فإنَّ له قَصرَ الصَّلاةِ، وإنْ طالتْ مدَّةُ إقامتِه.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أقامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تِسْعةَ عَشَرَ يَقْصُرُ )) رواه البخاري (1080).
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على أنَّ للمُسافرِ أن يَقصُرَ ما لم يَجمعْ إقامةً، وإنْ طالتْ مُدَّةُ إقامتِه: الترمذيُّ قال الترمذيُّ: (أجمَع أهلُ العِلم على أنَّ المسافر يقصر ما لم يُجمِع إقامةً، وإن أتى عليه سِنونَ) ((سنن الترمذي)) (2/434). ، وابنُ عبد البَرِّ قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا فيمَن سافر سفرًا يقصر فيه الصلاة، لا يلزمه أن يُتمَّ في سفره إلَّا أن ينويَ الإقامةَ في مكان من سفره ويَجمَع نيَّتَه على ذلك). ((الاستذكار)) (2/242). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رُشد: (اتَّفقوا على أنه إنْ كانت الإقامة مدَّةً لا يرتفع فيها عنه اسمُ السفر بحسَب رأي واحد منهم في تلك المدَّة، وعاقه عائقٌ عن السفر، أنَّه يقصُر أبدًا وإنْ أقام ما شاء الله) ((بداية المجتهد)) (1/170).
الفرع الرابع: الملَّاحُ الذي معه أهلُه لا يَنوي الإقامةَ ببلدٍ
الملَّاحُ مسافِرٌ وله قَصرُ الصَّلاةِ، ولو كان أهلُه معه، ما دامَ أنَّه ليس قريبًا من وطنِه، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/213)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/126). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/496، 497)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/361). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/322)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/271). ، وهو قول داودَ قال النوويُّ: (الملَّاح الذي معه أهلُه وماله ويُديم السير في البحر، والمكاري وغيرهم، فكلُّهم لهم القصرُ إذا بلَغ سفرهم مسافةً لو قُدِّرت في البر بلغت ثمانيةً وأربعين ميلًا هاشمية، لكن الأفضل لهم الإتمامُ؛ نصَّ عليه الشافعيُّ، واتَّفق عليه الأصحاب، وبهذا قال مالك، وأبو حنيفة، وداود وغيرُهم، إلَّا أنَّ أبا حنيفة يشترط ثلاثَ مراحل، وقال الحسن بنُ صالح، وأحمد بن حنبل: لا يجوزُ للملَّاح القصر؛ لأنَّه مقيمٌ في أهله وماله. دليلنا: أنه مسافر، وما قالوه ينتقض بالذي يُديم كراءَ الإبل وغيرها والسير في البر؛ فإنَّ له القصرَ) ((المجموع)) (4/322).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ قال: (فرَضَ اللهُ الصَّلاةَ على لِسانِ نبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحضَرِ أربعًا، وفي السَّفَرِ ركعتينِ، وفي الخوف ركعةً) رواه مسلم (687).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الملَّاحَ في البحرِ مسافرٌ؛ فله حُكمُه ((المجموع)) للنووي (4/322).
ثانيًا: أنَّه مسافرٌ؛ فله الترخُّصُ برُخَصِ السَّفرِ، وكونُ أهلِه معه لا يَمنَعُ الترخُّصَ، كالجَمَّالِ ((المغني)) لابن قدامة (2/195).

انظر أيضا: