المطلب الأوَّل: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ أو بعضِه
الفرع الأوَّل: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِالمسألة الأولى: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ الحاضرِالصَّلاةُ على الميِّتِ المسلمِ الحاضِرِ، فرضُ كفايةٍ.
الأدلَّة: أولًا: من الكِتابقال الله تعالى:
وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبرِهِ [التوبة: 84] وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النهيَ عن الصَّلاةِ على المنافقِ يُشعِرُ بالصَّلاةِ على المسلمِ الموافِقِ
[7967] ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/238). ثانيًا: من السُّنَّةعن سَلمةَ بنِ الأَكوعِ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُتِيَ بجِنازةٍ ليُصلِّيَ عليها، فقال: هل عليه مِن دَينٍ؟ قالوا: لا، فصلَّى عليه، ثم أُتِيَ بجِنازةٍ أخرى، فقال: هل عليه مِن دَينٍ؟ قالوا: نعمْ، قال: فصلُّوا على صاحبِكم. قال أبو قتادة: عليَّ دَينُه يا رسولَ الله، فصلَّى عليه )) [7968] أخرجه البخاريُّ (2295). وَجهُ الدَّلالةِ: قوله:
((فصلُّوا على صاحبِكم)) أمرٌ، وهو للوجوبِ
[7969] ((المجموع)) للنووي (5/212). عن
جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((قدْ تُوفِّي اليومَ رجلٌ صالحٌ من الحَبَشِ، فهُلمَّ، فصلُّوا عليه )) [7970] أخرجه البخاري (1320) واللفظ له، ومسلم (952) بنحوه. وَجهُ الدَّلالةِ: في صلاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على
النَّجاشيِّ؛ إذْ لم يُصلِّ عليه أحدٌ من قومِه، وأمْرِه صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابَه بالصَّلاة عليه معه- دليلٌ واضحٌ على تأكيدِ الصَّلاةِ على الجنائزِ، وعلى أنَّه لا يجوزُ أنْ تُترَكَ الصَّلاةُ على مسلِمٍ ماتَ
[7971] ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/29). ثالثًا: من الإجماعِنقَل الإجماعَ على ذلك:
ابنُ حزم [7972] قال ابنُ حزم: (وأمَّا كونُ صلاة الجِنازة فرضًا على الكفايةِ؛ فلِقَولِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلُّوا على صاحبِكم))، ولا خلافَ في أنَّه إذا قام بالصَّلاة عليها قومٌ، فقدْ سقَط الفرضُ عن الباقين). ((المحلى)) (2/4). وينظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص:34). ،
والنوويُّ [7973] قال النوويُّ: (الصَّلاةُ على الميِّت فَرضُ كفايةٍ، بلا خلافٍ عندنا، وهو إجماعٌ). ((المجموع)) (5/212). وقال أيضًا: (قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قوموا فصلُّوا عليه)) فيه وجوبُ الصَّلاةِ على الميِّتِ، وهي فرضُ كفايةٍ بالإجماع). ((شرح النووي على مسلم)) (7/23). وقال أيضًا: (وقد نقَلوا الإجماعَ على وُجوبِ الصَّلاةِ على الميِّت، إلَّا ما حُكِيَ عن بعضِ المالكيَّة أنَّه جعَلَها سُنَّةً، وهذا متروكٌ عليه، لا يُلتَفَتُ إليه). ((المجموع)) (5/212) ، و
ابنُ الملقِّن [7974] قال ابن الملقِّن: (فيه إثباتُ الصَّلاةِ على الميِّتِ المُسلِمِ، وأجمعوا على أنَّها فرضُ كفايةٍ، وما حُكِيَ عن بعضِ المالكيَّة أنَّها سُنَّة مؤكَّدةٌ، فمردودٌ). ((الإعلام)) (4/388). ، و
الكمالُ ابنُ الهُمامِ [7975] قال الكمال بن الهمام: (والإجماعُ على الافتراض). ((فتح القدير)) (2/117). المسألة الثانية: حُكمُ الصَّلاةِ على الميِّتِ الغائبِ صلاةُ الغائبِ مشروعةٌ على مَن ماتَ ولم يُصَلَّ عليه، وهو روايةٌ عن
الإمامِ أحمدَ [7976] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/374). ، واختيارُ
الخَطَّابيِّ [7977] ((معالم السنن)) للخطابي (1/310). ، و
ابنِ تيميَّةَ [7978] ((جامع المسائل)) لابن تيمية (4/176- 177). ، و
ابنِ القيِّم [7979] ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/501). ، و
ابنِ عُثَيمين [7980] ((مجموع الفتاوى ورسائل العثيمين)) (17/146، 149). ، و
الألبانيِّ [7981] ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 89). الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة 1- عن
جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما:
((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، فكبَّرَ عليه أَرْبَعًا )) [7982] أخرجه البخاري (1334)، ومسلم (952) واللفظ له. 2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نعَى النجاشيَّ في اليومِ الذي ماتَ فيه، وخرَج بهم إلى المصلَّى، فصفَّ بهم، وكبَّرَ عليه أربعَ تكبيراتٍ )) [7983] أخرجه البخاري (1245) واللفظ له، ومسلم (951). وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على
النجاشيِّ؛ لأنَّه مات بين الكُفَّارِ، ولم يُصَلَّ عليه
[7984] ((المستدرك على مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (3/144). ثانيًا: أنَّه لم يكُنْ مِن هَدْيِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسُنَّتِه الصَّلاةُ على كلِّ ميِّتٍ غائبٍ؛ فقد ماتَ خلقٌ كثيرٌ مِنَ المُسلمينَ وهم غُيَّبٌ، فلم يُصَلِّ عليهم
[7985] ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/500). ثالثًا: أنَّه لَمَّا مات الخلفاءُ الرَّاشدونَ وغيرُهم لم يُصَلِّ أحدٌ مِنَ المسلمينَ عليهم صلاةَ الغائبِ، ولو فَعَلوا لَتواتَرَ النَّقلُ بذلِك عنهم
[7986] ((أحكام الجنائز)) للألباني (1/93). الفرع الثاني: حُكمُ الصَّلاةِ على بعضِ الميِّتِاختَلفَ أهلُ العلمِ في الصَّلاةِ على بعضِ الميِّتِ، إذا لم يكُنْ صُلِّيَ عليه، على قولين:
القول الأوّل: إن وُجِدَ بعضُ الميِّتِ غُسِّلَ وصُلِّيَ عليه، لا فَرْقَ بين القليلِ والكثيرِ، وهو مذهبُ الشَّافعيَّة
[7987] ((المجموع)) للنووي (5/253)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/32). ، والحَنابِلَة
[7988] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/124). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/401). واستثنى الحنابلةُ من ذلِك الشَّعْرَ، والسِّنَّ، والظُّفر. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/124). ، وهو قولُ
ابنِ عُثَيمينَ
[7989] قال ابنُ عُثَيمين: (... أمَّا إذا كان لم يوجَدْ جملةُ الميِّت، وإنما وُجد عضوٌ من أعضائه كرأسه، أو رِجله، أو يده، وبقيَّةُ جِسمه لم يوجَدْ، فإنَّه يُصلَّى على هذا الموجودِ بعد أن يُغسَّل ويُكفَّن ثم بعد ذلك يُدفَن). ((فتاوى أركان الإسلام)) (ص: 406). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ
[7990] سُئِلت اللَّجنة الدَّائمة عن حُكم بعض أجزاء الميِّتِ في الصَّلاة والغُسْلِ، فقالت: (...يُصلَّى عليهم جميعًا بعد تَغسيلِ ما يتيسَّر تغسيلُه منهم وتكفينُه، فإنْ لم يتيسَّر التغسيل يُمِّمُوا، وإذا لم يبقَ منهم إلا أجزاءٌ فيُصلَّى على ما بقِي من أجزائهم، وكذا المحتَرِق يُصلَّى عليه أيضًا). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة- المجموعة الأولى)) (8/433). ، وحُكِيَ فيه إجماع الصحابة
[7991] قال الماورديُّ: (الدَّلالة على ما قلنا: أنَّ طائرًا ألقى يدًا بمكَّةَ من وقعةِ الجَمْل، فعُرِفت بالخاتَم، فصلَّى عليها الناسُ، وكانت يدَ عبد الرحمن بن عتَّاب بن أسيد، ورُوي أنَّ أبا عُبَيدة بن الجرَّاح صلَّى على رؤوسِ القتْلى بالشَّامِ، ورُوي أنَّ عُمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عنه صلَّى على عظامٍ بالشَّامِ، وليس لِمَن ذَكَرْنا مخالفٌ؛ فثبت أنَّه إجماعٌ). ((الحاوي الكبير)) (3/32) وقال ابنُ قُدامةَ: (ولنا: إجماعُ الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عنهم، قال أحمد: صلَّى أبو أيُّوبَ على رجل، وصلَّى عمرُ على عِظامٍ بالشام، وصلَّى أبو عُبيدةَ على رؤوس بالشام. رواهما عبد الله بن أحمد، بإسناده، وقال الشافعيُّ: ألقى طائرٌ يدًا بمكة من وقعة الجمل، فعُرفت بالخاتم، وكانت يدَ عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فصلَّى عليها أهلُ مكَّة. وكان ذلك بمحضَرٍ من الصحابة، ولم نعرف من الصحابة مخالفًا في ذلك). ((المغني)) (2/402) ؛ وذلك لأنَّه بعضٌ من جُملةٍ تجِبُ الصَّلاةُ عليها، فيُصلَّى عليه كالأكثرِ
[7992] ((المغني)) لابن قدامة (2/402). القول الثاني: لا يُصلَّى على الميِّتِ إلَّا إذا وُجِد أكثرُه، وهو مذهبُ الحَنفيَّة
[7993] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 218). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/311). وعندهم لا يُصلَّى على الميِّت إلَّا مع حضورِ أكثرِ بَدَنِه، أو نِصْفِه مع رأسه. ، والمالِكيَّة
[7994] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/249). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/141). ؛ لأنَّه إذا صُلِّي على أكثرِه لم يُحتجْ إلى الصَّلاةِ على الباقي إنْ وُجِدَ، أمَّا إذا صُلِّى على الأقلِّ فتلزمُ الصَّلاةُ على أكثرِه إنْ وُجِدَ
[7995] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/311).