المبحث الثالث: بلوغُ النِّصاب
المطلب الأوَّل: مقدارُ نِصابِ زكاةِ عُروضِ التِّجارةِنِصابُ زكاةِ عُروضِ التِّجارةِ، هو نِصابُ الذَّهَبِ والفضَّةِ، وهو قولُ عامَّةِ العُلَماء
قال الكاساني: (أمَّا أموال التِّجارة، فتقدير النِّصاب فيها بقيمَتِها مِنَ الدَّنانيرِ والدَّراهم، فلا شيءَ فيها ما لم تبلغ قيمَتُها مئتي درهمٍ أو عشرينَ مثقالًا من ذَهَبٍ، فتجِبُ فيها الزَّكاةُ، وهذا قولُ عامَّةِ العلماء) ((بدائع الصنائع)) (2/20). وفي ((فتاوى الندوة الأولى لقضايا الزَّكاة المعاصرة)) (ص 463): (لا يختلِفُ النِّصابُ والمِقدارُ الواجِبُ إخراجُه بين زكاةِ النُّقودِ وزكاةِ عروض التِّجارة، وعلى ذلك استقرَّ إجماعُ الفُقَهاءِ المعتَبَرين). وذلك للآتي: أولا: لأنَّ نِصابَ الذَّهَبِ والفضَّة لا يختَلِفُ، والواجِبُ فيهما أيضًا لا يختَلِفُ، فنِصابُ الفضةِ مائتا دِرهَمٍ على كلِّ حالٍ، ونِصابُ الذَّهَبِ عشرونَ مثقالًا على كلِّ حالٍ، والواجِبُ فيها رُبُعُ العُشرِ على كلِّ حالٍ
((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/246). ثانيًا: لأنَّ الذَّهَبَ والفِضَّةَ أصولُ جملةِ هذه الأموالِ؛ لأنَّ هذه الأموالَ في الغالِبِ تحصُلُ بهما، فكان إلحاقُ هذه الأموالِ بالذَّهَب والفِضَّةِ أولى
((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/246). المطلب الثاني: كيفيَّةُ تقويمِ نِصابِ عُروضِ التِّجارةنِصابُ عُرُوضِ التِّجارةِ هو نِصابُ الذَّهَبِ والفضَّة، وتُقوَّمُ بالأحظِّ للمَساكينِ منهما، فإنْ كان إذا قوَّمَها بأحدِهما لا تبلُغُ نِصابًا، وبالآخرِ تبلُغُ نِصابًا؛ تعيَّنَ عليه التَّقويمُ بما يبلُغُ نِصابًا
يُنظر: ((أبحاث فقهية في قضايا الزَّكاة المعاصرة – الأصول المحاسبية للتقويم في الأموال الزكوية)) (1/29). ، وهذا مذهَبُ الحنفيَّة
((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/219)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/384). ، والحَنابِلَة
((كشاف القناع)) للبهوتي (2/241)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/60). ، وبه صَدَرَت فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ
في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (وتقوَّمُ عند الحَوْلِ بما هو أحظُّ للفُقَراءِ والمساكينِ مِن ذَهَب أو فِضَّة). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (9/181). ، وهو اختيارُ
ابنِ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/145). وذلك للآتي:أوَّلًا: احتياطًا لحقِّ أهلِ الزَّكاة؛ فإنَّ تقويمَ الزَّكاةِ كان لحظِّهم، فلا بدَّ مِن مراعاتِه
((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/219)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/384)، ((المغني)) لابن قدامة (3/60)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/241). ثانيًا: أنَّ قيمتَه بلغتْ نِصابًا، فتجِبُ الزَّكاة فيه، كما لو اشتراه بعَرْضٍ، وفي البلد نَقْدانِ مستعمَلانِ، تبلغُ قيمةُ العُروضِ بأحَدِهما نِصابًا
((المغني)) لابن قدامة (3/60). المطلب الثالث: ضمُّ قيمةِ عُروضِ التِّجارةِ إلى النَّقدينِ في تكميلِ النِّصابِ:تُضمُّ قيمةُ العُروضِ إلى الذَّهَبِ أو الفضَّةِ- وفي حُكمِهما العُملةُ النقديَّةُ- ويُكمَّلُ بها نِصابُ كلٍّ منهما.
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنقل الإجماعَ على ذلك:
الخطَّابيُّ قال الخطَّابي: (لا أعلم عامَّتهم اختلفوا في أنَّ من كانت عنده مئةُ درهمٍ وعنده عَرْضٌ للتِّجارة يساوي مئة درهم وحال الحَوْل عليهما، أنَّ أحدَهما يُضَمُّ إلى الآخَرِ، وتَجِبُ الزَّكاة فيهما). ((معالم السنن)) (2/16)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/36). ، و
ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (فإنَّ عروض التِّجارة تُضمُّ إلى كلِّ واحدٍ مِنَ الذهب والفضَّة، ويكمَّلُ به نِصابُه، لا نعلم فيه اختلافًا). (( المغني)) (3/36). ، و
الكمالُ ابنُ الهُمامِ قال الكمال ابن الهمام: (حاصله أنَّ عروضَ التِّجارة يُضمُّ بعضُها إلى بعضٍ بالقيمةِ، وإن اختلفت أجناسُها، وكذا تضمُّ هي إلى النَّقدينِ بالإجماع). ((فتح القدير)) (2/221) ثانيًا: أنَّ زكاةَ التِّجارةِ تتعلَّقُ بالقيمةِ؛ فهُما جنسٌ واحدٌ، فيجِبُ ضمُّهما إليه
((المغني)) لابن قدامة (3/36)، ((الفروع)) لابن مفلح (4/138). ثالثًا: أنَّ السِّلعَ التِّجاريَّةَ تُقوَّمُ بالنَّقدِ، ونِصابُها نِصابُ النَّقدِ؛ فلهذا تُضَمُّ إلى النَّقدِ في النِّصابِ والحَوْل
((أبحاث فقهية في قضايا الزَّكاة المعاصرة – الأصول المحاسبية للتقويم في الأموال الزكوية)) (1/37). المطلب الرابع: وقتُ اعتبارِ كمالِ النِّصَابِ اختلف أهلُ العِلم في وقتِ اعتبارِ كمالِ النِّصابِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
القول الأوّل: اعتبارُ النِّصابِ في آخِرِ الحَوْلِ فقط، وهو مذهَبُ المالكيَّة
((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/486)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/24). والشافعيَّة
((المجموع)) للنووي (6/55)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/397). لأنَّ زكاةَ عُروضِ التِّجارةِ تتعلَّقُ بالقيمةِ، وتقويمُ العَرضِ في كلِّ وقتٍ يشقُّ؛ لكثرةِ اضطرابِ القِيَمِ، فاعتُبِرَ حالُ الوُجوبِ، وهو آخِرُ الحَوْلِ، بخلافِ سائِرِ الزَّكواتِ؛ لأنَّ نِصابَها مِن عَيْنِها، فلا يشقُّ اعتبارُه
((المجموع)) للنووي (6/55)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/397)، ((المغني)) لابن قدامة (3/59، 60)، ((فقه الزَّكاة)) (1/329). القول الثاني: اعتبارُ النِّصابِ في جميعِ الحَوْلِ، فمتى نقَصَ النِّصابُ في لحظةٍ منه، انقطَعَ الحَوْلُ، وهذا مذهَبُ الحَنابِلَة
((الإقناع)) للحجاوي (1/ 246)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/59). ، وهو قولُ
ابنِ سُريجٍ من الشافعيَّة
((المجموع)) للنووي (6/55)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/397). وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه مالٌ يُعتبَرُ له النِّصابُ والحَوْلُ، فوجب اعتبارُ كمالِ النِّصابِ في جميع أيَّامِ الحَوْل كسائِرِ الأمورِ التي يُعتبَرُ فيها ذلك
((المغني)) لابن قدامة (3/59، 60). ثانيًا:القياسُ على زكاةِ الماشِيَةِ وزكاةِ النَّقدينِ
((المجموع)) للنووي (6/55). القول الثالث: اعتبارُ النِّصابِ في أوَّلِ الحَوْلِ وآخِرِه، ولا يضرُّ نقصُه بينهما، وهذا مذهَبُ الحنفيَّة
((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/220)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/221). ، وهو وجهٌ للشَّافعيَّة
((المجموع)) للنووي (6/55)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/397). وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ تقويمَ العَرْضِ في كلِّ لحظةٍ مِنَ الحَوْل؛ ليُعلَم أنَّ قيمَتَه فيه تبلُغُ نِصابًا يشقُّ، فاعتُبِرَ بطَرَفيه
((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/220)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/397)، ((المغني)) لابن قدامة (3/59، 60). ثانيًا: أنَّ اشتراطَ النِّصابِ في الابتداءِ للانعقادِ، وفي الانتهاءِ للوُجوبِ، وما بينهما بمعزِلٍ عنهما جميعًا فلا يكونُ كلُّ جزءٍ من الحَوْل بمعنى أوَّلِه وآخِرِه
((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/221).