تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
المطلب الأوَّل: الدُّعاءُ عند كلِّ عضوٍ مِن أعضاءِ الوُضوء لا يُشرَع الدُّعاءُ عند كلِّ عضوٍ، وهو مذهَبُ الحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/103). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/465)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/62). ، وهو قولٌ للمالكيَّة قال الخرشيُّ: (ما يُقالُ عند فِعل كلِّ عضو، فحديثٌ ضعيفٌ جدًّا، ولا يُعمَل به، وقول الأقفهسي أنَّه يستحبُّ، فيه نظر). ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/139). ، واختيارُ ابنِ القيِّم قال ابن القيِّم: (أمَّا الأذكار التي يقولها العامَّة على الوضوء عند كلِّ وضوءٍ، فلا أصلَ لها عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا عن أحدٍ مِن الصَّحابة والتَّابعين، ولا الأئمَّة الأربعة، وفيها حديثٌ كذِبٌ على رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((الوابل الصيب)) (ص215). ، والصنعانيِّ ((سبل السلام)) للصنعاني (1/56-57). ، وابنِ باز ((فتاوى نور على الدرب لابن باز)) (5/123). ، وابنِ عثيمين قال ابنُ عثيمين: (أمَّا ما ذكره بعضُ أهلِ العلم من أنَّ لكلِّ عُضوٍ ذِكرًا مخصوصًا؛ فإنَّ هذا لا أصلَ له). ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- فتاوى نور على الدرب)). ، وذلك لأنَّه لا أصلَ له عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا عن أحدٍ مِن الصَّحابة والتَّابعين ((الوابل الصيب)) لابن القيم (ص: 215). المطلب الثَّاني: مَسْح العُنُقِ لا يُشرَعُ مَسْحُ العُنقِ في الوضوءِ عبَّرَ بعضُهم بالكراهة، وبعضُهم بالبِدعة. ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (1/268)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/266). ، والشَّافعيَّة ((نهاية المطلب)) للجويني (1/83، 84)، ((المجموع)) للنووي (1/463). ، والحنابلة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/79)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/107). ، وهو قولٌ للحنفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/36)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (1/29). وذلك للآتي: أوَّلًا: أنَّ الله تعالى لم يأمرْ به ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/102). ثانيًا: أنَّ الأحاديثَ قد جاءتْ في وصْفِ وضوءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُفصَّلةً، ولم يرِدْ في شيءٍ منها مسْحُ العُنق ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/127، 128). ثالثًا: أنَّ الأصلَ في العباداتِ التوقيفُ وعدمُ المشروعيَّةِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/140)، ((المجموع)) للنووي (1/464). المطلب الثالث: إطالةُ الغُرَّة والتحجيل الفرع الأوَّل: معنى الغُرَّةِ والتَّحجيل معنى الغُرَّة: أصلُ الغُرَّة لَمعةٌ بَيضاءُ تكون في جبهةِ الفَرَس، ثم استُعمِلَت في الجَمالِ، والشُّهرةِ، وطِيب الذِّكرِ، والمرادُ بهاهنا النُّورُ الكائِنُ في وجوه أمَّةِ محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((فتح الباري)) لابن حجر (1/236)، وينظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (5/14). معنى التحجيلِ: التَّحجيلُ: بياضٌ يكون في ثلاثِ قوائِمَ مِن قوائمِ الفرَس، وأصلُه من الحِجل: وهو الخَلخالُ، والمرادُ به هنا النُّورُ الكائن في أرجُلِ أمَّة محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((فتح الباري)) لابن حجر (1/236). والمقصودُ بإطالةِ الغُرَّة والتَّحجيلِ: غَسلُ ما زاد عن الواجِبِ في أعضاءِ الوُضوءِ [2144] ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/40). الفرع الثَّاني: حُكم إطالة الغُرَّة والتَّحجيلِ لا تُشرَعُ إطالةُ الغرَّةِ ولا التحجيلِ؛ وهو مذهَبُ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/262)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/278). ، وروايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (1/127). ، واختاره ابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (كان ابنُ عمر يُدخِلُ الماءَ في عينيه في الوضوءِ، ويأخُذ لأذنيه ماءً جديدًا، وكان أبو هريرةَ يَغسِلُ يديه إلى العَضُدينِ في الوضوءِ، ويقول: ((مَن استطاع أن يُطيلَ غُرَّتَه، فليفعلْ))، ورُوي عنه: ((أنَّه كان يمسَحُ عُنقَه ويقول: هو موضعُ الغُلِّ))، فإنَّ هذا وإن استحبَّه طائفةٌ من العلماءِ اتباعًا لهما، فقد خالفهم في ذلك آخَرون، وقالوا: سائرُ الصَّحابة لم يكونوا يتوضَّؤون هكذا. والوضوءُ الثَّابِتُ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي في الصَّحيحينِ وغَيرِهما من غير وجهٍ، ليس فيه أخْذُ ماءٍ جديدٍ للأذنين، ولا غَسلُ ما زاد على المِرفَقين والكَعبين، ولا مَسحُ العُنُق، ولا قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَن استطاعَ أن يُطيلَ غُرَّته، فليفعلْ)، بل هذا من كلامِ أبي هريرة جاء مُدرجًا في بعضِ الأحاديثِ، وإنَّما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّكم تأتونَ يومَ القيامةِ غُرًّا محجَّلينَ مِن آثارِ الوضوء، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتوضَّأ حتَّى يشرَعَ في العَضُدِ والسَّاق، قال أبو هريرة: مَن استطاعَ أن يُطيلَ غُرَّته، فليفعَلْ))، وظنَّ مَن ظنَّ أنَّ غَسْلَ العَضُدِ من إطالةِ الغُرَّة، وهذا لا معنى له؛ فإنَّ الغُرَّةَ في الوَجهِ لا في اليَدِ والرِّجل، وإنما في اليَدِ والرِّجلِ الحَجلةُ، والغُرَّةُ لا يمكِنُ إطالَتُها؛ فإنَّ الوجهَ يُغسَلُ كُلُّه لا يُغسَل الرَّأسُ، ولا غُرَّةَ في الرَّأسِ، والحجلةُ لا يُستحبُّ إطالَتُها، وإطالتُها مُثلَةٌ). ((مجموع الفتاوى)) (1/279، 280). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (كذلك لم يثبُتْ عنه أنَّه تجاوَزَ المِرفَقينِ والكَعبين، ولكنْ أبو هريرةَ كان يفعل ذلك ويتأوَّلُ حديثَ إطالةِ الغُرَّة، وأمَّا حديثُ أبي هريرة في صفةِ وُضوءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه غسَلَ يديه حتى أشرَعَ في العَضُدَينِ، ورِجليه حتى أشرعَ في الساقين، فهو إنَّما يدلُّ على إدخالِ المِرفَقين والكَعبين في الوضوءِ، ولا يدلُّ على مسألةِ الإطالة). ((زاد المعاد)) (1/196-197). ، وابن باز قال ابن باز: (أمَّا إطالة الغُرَّة فمعناها: الاستكمالُ للوجه، أمَّا أن يزيدَ على ذلك فلا، وهو من إدراجِ أبي هريرة، المعروفُ أنَّه موقوفٌ على أبي هريرة، وهكذا التَّحجيلُ، السُّنةُ ألَّا يُطيلَ، بل يقتصرُ على المرافِقِ والكعبين، وقد ثبت عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه توضَّأ، فلمَّا غسل يديه أشرعَ في العَضُد- يعني أدخَلَ المَرافِق- ولمَّا غسل رِجلَيه أشرَعَ في السَّاق- يعني أدخلَ الكعبينِ- هذا هو السُّنَّة. وكان أبو هريرة يُطيلُ في التحجيلِ إلى الآباطِ في اليَدينِ، وإلى حَولَ الرُّكبتينِ في الرِّجلينِ، وهذا اجتهادٌ منه رَضِيَ اللهُ عنه، والسُّنَّةُ خلاف ذلك، السُّنَّة هو ما فعَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/120، 121). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (هذا الحديثُ الذي أشار إليه هو في صحيحِ مُسلم، ليس فيه أنَّ أبا هريرة خرَجَ عن حدِّ الوجه، لكنَّه غسل ذراعَيه حتى أشرَعَ في العَضُد، وغسل رِجليه حتى أشرَعَ في الساق، وهذا لا يُنكَر؛ لأنَّه لا يمكِنُ أن تغسِلَ المِرفَق إلَّا إذا شرعْتَ في العَضُد، ولا يمكن أن تغسِلَ الكعبَ إلَّا إذا شرعت في السَّاقِ، وهذا صحيح، ولكن الزِّيادة المذكورةَ في الحديث ليست بصحيحةٍ، وهي من اجتهادِ أبي هريرة؛ لأنَّ جميع الواصفينَ لوضوء النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يذكُروا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يتجاوَزُ الكعبينِ بشكلٍ كبيرٍ، فمعنى قوله في الحديثِ الآخر: (هكذا رأيتُ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُ) أي: أنَّه رآه حين غسَلَ ذراعيه أشرَعَ في العَضُد، وحين غسلَ رِجلَيه أشرَعَ في السَّاقِ). ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 58). وذلك للآتي: أولًا: أنَّ غَسل العضُد ليس من إطالة الغُرَّة؛ فإنَّ الغُرَّة في الوَجهِ لا في اليد والرِّجل، وإنَّما الذي في اليَدِ والرِّجل، الحَجلةُ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/279، 280). ثانيًا: أنَّ الغُرَّة لا يمكِنُ إطالَتُها؛ فإنَّ الغُرَّةَ في الوجه، والوجهُ يُغسلُ كلُّه، ولا غُرَّةَ في الرَّأس ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/279، 280). ثالثًا: أنَّه لا يُستحبُّ إطالةُ الحَجلة؛ لأنَّ في إطالة الحَجلة مُثلَةً، أي: تشويهًا للخِلقةِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/279، 280). رابعًا: أنَّ الذين وَصَفوا وضوءَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لم ينقُلوا عنه إطالةَ الغُرَّة والتَّحجيلِ، ولم يرِد عن أحدٍ مِن الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم إلَّا أبا هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 37).