الموسوعة الفقهية

الفَصْلُ الثَّالِثُ: الوَقْتُ المُعتَبَرُ في الشُّروطِ في البَيْعِ [1039] بِمَعنى: هَلِ الوَقتُ المُعتَبَرُ في الشُّروطِ في البَيعِ ما كانَ في أثناءِ العَقدِ أو ما كانَ مُتَّفَقًا عليها قَبلَ العَقدِ، أو أنَّ وقتَه ما كانَ بعدَ العَقْدِ في زَمَنِ الخيارَينِ؛ خيارِ المَجْلِسِ وخيارِ الشَّرطِ؟


الشُّروطُ في البَيعِ صَحيحةٌ ومُعتَبَرةٌ سَواءٌ كانَت في أثناءِ العَقْدِ [1040] وبِصِحَّةِ الشَّرطِ أثناءَ العَقْدِ ولُزومِ الوَفاءِ بِه ذَهَبَتِ المَذاهبُ الفِقْهيَّةُ الأربَعةُ: الحَنفيَّةُ، والمالِكيَّةُ، والشَّافِعيَّةُ، والحَنابِلةُ. ينظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/3)، ((منح الجليل)) لعليش (5/112). ((المجموع)) للنووي (9/374) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/255). ، أو بَعْدَ العَقدِ وقَبْلَ لُزومِه بِأن يَكونَ في زَمَنِ الخيارَينِ: خيارِ المَجْلِسِ أو خيارِ الشَّرطِ، ولا يَصِحُّ بعدُ لُزومِه: وهوَ مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ -على الصَّحيحِ-، والحَنابِلةِ، واختيارُ ابنِ عُثَيمين. ينظر: ((المجموع)) للنووي (9/374)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/202)، ((الشرح الممتع)) (8/224). ، أو كان مُتَّفَقًا عليها قَبْلَ العَقْدِ [1042] وبِصِحَّةِ الشَّرطِ قبل العَقد قال بعضُ المالِكيَّةِ، ورِوايةٌ عَن أحمَدَ، وهوَ اختيارُ ابنِ تيميَّةَ، وابنِ القَيِّمِ، والمرداويِّ، وابنِ عُثَيمين. ، وهو روايةٌ عن أحمَدَ اختارها بَعْضُ أصحابِه [1043] ((الإنصاف)) للمرداوي (8/114) ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/90)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/119). ، واختيارُ ابنِ تَيمِيَّةَ [1044] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (32/167)، وينظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (8/115)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/90)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/119). ، وابنِ القَيِّمِ قال ابنُ القَيِّمِ: (الشُّروطُ المُتَقَدِّمةُ تُؤَثِّرُ كالمُقارِنةِ، كما تَقَدَّم تَقريرُه؛ إذ تَقديمُ الشَّرطِ ومُقارَنَتُه لا يُخرِجُه عَن كونِه عَقْدَ تَحليلٍ ويُدخِلُه في نِكاحِ الرَّغبةِ، والقُصودُ مُعتَبَرةٌ في العُقودِ) ((إعلام الموقعين)) (3/266). ، والمرداويِّ قال المرداويُّ: (قال الشَّيخُ تَقي الدِّينِ رَحِمَه الله: وكَذا لَوِ اتَّفَقا عليه قَبلَ العَقدِ في ظاهرِ المَذهَبِ. وقال: على هَذا جَوابُ الإمامِ أحمَدَ رَحِمَه اللهُ في مَسائِلِ الحِيَلِ؛ لِأنَّ الأمرَ بِالوَفاءِ بِالشُّروطِ والعُقودِ والعُهودِ يَتَناوَلُ ذلك تَناوُلًا واحِدًا. قال الزَّركَشيُّ: وهَذا ظاهِرُ إطلاقِ الخِرقيِّ وأبي الخَطَّابِ وأبي مُحَمَّدٍ وغَيرِهم. قال: وقال الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ رَحِمَه اللهُ في فتاويه: إنَّه ظاهِرُ المَذهَبِ ومَنصوصُ الإمامِ أحمَدَ رَحِمَه اللهُ، وقَولُ قُدَماءِ أصحابِه ومُحَقِّقي المُتَأخِّرينَ. انتَهَى. قُلتُ: وهوَ الصَّوابُ الَّذي لا شَكَّ فيه) ((الإنصاف)) (8/114). ، وابنِ عُثَيمين [1047] قال ابنُ عُثَيمين: (مَسألةٌ: هَلِ المُعتَبَرُ مِنَ الشُّروطِ في البَيعِ ما كانَ في صُلبِ العَقْدِ، أو ما بعدَ العَقْدِ، أو ما قَبلَ العَقدِ؟ المَذهَبُ: أنَّ المُعتَبَرَ ما كانَ في صُلبِ العَقدِ، أو في زَمَنِ الخيارَينِ: خيارِ المَجْلِسِ، وخيارِ الشَّرطِ. مِثالٌ: بِعْتُكَ هذه السَّيَّارةَ واشتَرَطتُ أن أسافِرَ عليها إلَى مَكَّةَ، فهَذا مَحَلُّه في نَفسِ العَقْدِ، وهوَ صَحيحٌ. مِثالٌ آخَرُ: بِعْتُكَ هذه السَّيَّارةَ، وبَعدَ أن تَمَّ العَقْدُ بِالإيجابِ والقَبولِ، قُلتَ: أنا أشتَرِطُ عليكَ أن أسافِرَ بِها إلَى مَكَّةَ، يَصِحُّ؛ لِأنَّه في زَمَنِ الخيارِ؛ لِأنَّكَ لَو قُلتَ: لا، قُلتُ: فَسَخْتُ الآنَ؛ لِأنَّ بيدي الخيارَ، ما دُمنا لَم نَتَفَرَّقْ فلنا أن نَزيدَ الشَّرطَ. مِثالٌ آخَرُ: بعتُكَ هذه السَّيَّارةَ ولي الخيارُ ثَلاثةَ أيَّامٍ، وفي اليَومِ الثَّاني جِئْتُ إلَيكَ، وقُلتُ: أشتَرِطُ أن أسافِرَ بِها إلَى مَكَّةَ يَصِحُّ؛ لِأنَّه في زَمَنِ الخيارَينِ. وأمَّا ما كانَ قَبلَ ذلك مِمَّا اتُّفِقَ عليه قَبلَ العَقْدِ، فالمَذْهَبُ أنَّه غَيرُ مُعتَبَرٍ. مِثالُه: اتَّفَقْتُ أنا وأنتَ على أنْ أبيعَ عليكَ السَّيَّارةَ، وأشتَرِطُ أن أسافِرَ عليها إلَى مَكَّةَ، وعِندَ العَقدِ لَم نَذكُرْ هَذا الشَّرطَ إمَّا نِسيانًا وإمَّا اعتِمادًا على ما تقَدَّمَ، فهَل يُعتَبَرُ هَذا أو لا؟ الجَوابُ: لا يُعتَبَرُ على المَذهَبِ. والصَّحيحُ: أنَّه يُعتَبَرُ) ((الشرح الممتع)) (8/224).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُسْلِمونَ على شُروطِهم)) أخرجه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (2274) بلفظ: ((المسلِمون عند شروطهم))، وأخرجه موصولًا أبو داود (3594)، والحاكم (2309) واللَّفْظُ لهما من حديثِ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. قال النووي في ((المجموع)) (9/367): إسنادُه حَسَنٌ أو صحيح. وحسَّن إسنادَه ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/69)، وذكر ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (3/281) أنَّ فيه كثيرَ بنَ زيد أسلمي: حديثُه حسَنٌ في الجملة. وقد اعتضد بمجيئه من طريقٍ أخرى، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3594): حسنٌ صحيحٌ.
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (المُسْلِمونَ على شُروطِهم عِندَ مَقاطِعِ حُقوقِهم) [1049] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (5151)، وأخرجه أيضًا بصيغة الجزم قبل حديث (2721) بلفظ: (إنَّ مقاطِعَ الحقوقِ عند الشُّروطِ، ولك ما شرَطْتَ)، وأخرجه موصولًا ابن أبي شيبة (16706)، وسعيد بن منصور في ((السنن)) (663 ). صحَّح إسناده على شرط الشيخين: الألباني في ((إراوء الغليل)) (6/304)، وصحَّحه (1891) بلفظ: (مقاطِعُ الحقوقِ عند الشُّروطِ).
ثالِثًا: أنَّ العُقودَ الَّتي كانت تَجري بَينَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغَيرِه، مِثلُ عَقْدِ البَيعةِ الَّتي كانَت بَينَه وبَينَ الأنصارِ ليلةَ العَقَبةِ، وعَقْدِ الهُدنةِ الَّذي كانَ بَينَه وبَينَ قُرَيشٍ عامَ الحُدَيبيَةِ؛ تَمَّ الِاتِّفاقُ على الشُّروطِ أوَّلًا، ثُمَّ عُقِدَتِ العُقودُ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (32/167).
رابعًا: لأنَّ الحَقَّ للمُتَبايِعَينِ، فإذا تَشارَطا على أمرٍ يَتَعاقدانِ عليه ثُمَّ تعاقدا، فمِنَ المَعلومِ أنَّ كُلًّا مِنهُما إنَّما رَضِيَ بالعَقْدِ المَشروطِ فيه أوَّلًا ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّةَ (6/269)، وينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/202) ((الشرح الممتع)) (8/272).
خامسًا: لأنَّ الشَّرطَ بَعدَ العَقْدِ وقَبلَ لُزومِه بمَنزِلتِه أثناءَ العَقدِ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/37).

انظر أيضا: