تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
المَسألةُ الأُولى: أوَّلُ وقتِ صلاةِ الظُّهرِ أولُ وقتِ صلاةِ الظهرِ: زوالُ الشَّمسِ [1048] قال ابنُ قُدامة: (معنى زوال الشمس: ميلُها عن كبد السماء، ويُعرف ذلك بطول ظلِّ الشخص بعد تناهي قصره). ((المغني)) (1/270). وقال النوويُّ: (الزَّوال هو ميل الشمس عن كبد السماء بعد انتصاف النهار، وعلامته زيادة الظلِّ بعد تناهي نُقصانه؛ وذلك أنَّ ظلَّ الشخص يكون في أوَّل النهار طويلًا ممتدًّا، فكلَّما ارتفعت الشمس نقص، فإذا انتصف النهار وقفَ الظل، فإذا زالت الشمس عاد الظلُّ إلى الزيادة، فإذا أردت أن تعلم هل زالت، فانصبْ عصا أو غيرها في الشمس على أرض مستوية، وعلِّم على طرف ظلِّها، ثم راقبه، فإنْ نقَص الظل علمتَ أنَّ الشمس لم تزُلْ، ولا تزال تراقبه حتى يزيدَ؛ فمتى زاد علمتَ الزوال حينئذ). ((المجموع)) (3/24). الأدلَّة: أوَّلًا: من الكِتاب قول الله تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ[الإسراء: 78] وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ المرادَ بدُلوكِ الشَّمسِ زوالُها على قولِ طائفةٍ من السَّلفِ ومعنى دلوك الشَّمس: زوالها نِصف النَّهار، وقيل: غروبها؛ قال الجوهري: (ودلكت الشمس دلوكًا: زالت... ويقال: دلوكها: غُروبها»). ((الصحاح)) (4/1584). وقال الشوكانيُّ: (وقد اختلف العلماء في الدلوك المذكور في هذه الآية على قولين: أحدهما: أنه زوال الشَّمس عن كبد السماء؛ قاله عمرُ وابنُه، وأبو هريرة، وأبو برزة، وابنُ عبَّاس، والحسن، والشعبي، وعطاء، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وأبو جعفر الباقر، واختاره ابنُ جرير. والقول الثاني: أنه غروبُ الشمس؛ قاله عليٌّ، وابن مسعود، وأبيُّ بن كعب، ورُوي عن ابن عباس. قال الفرَّاء: دلوك الشمس من لَدُن زوالها إلى غروبها. قال الأزهريُّ: معنى الدلوك في كلام العرب الزوال؛ ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار: دالِكة، وقيل لها إذا أفَلَت: دالكة؛ لأنها في الحالتين زائلة. قال: والقول عندي أنه زوالها نِصف النهار؛ لتكون الآية جامعةً للصلوات الخمس، والمعنى: أقم الصلاة من وقتِ دلوك الشمس إلى غسقِ الليل، فيدخل فيها الظهرُ والعصرُ). ((فتح القدير)) (3/297). وقال الشِّنقيطيُّ: (فأشار بقوله: لدلوك الشَّمس، وهو زوالها عن كبد السماء على التحقيق، إلى صلاة الظهر والعصر). ((أضواء البيان)) (1/279). ثانيًا: من السُّنَّة 1- عن سَيَّارِ بنِ سَلامةَ، قال: دخلتُ أنا وأبي على أَبي بَرزةَ الأسلميِّ، فقال له أبي: كيف كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي المكتوبةَ؟ فقال: ((كانَ يُصلِّي الهجيرَ الهجير: صلاة الظهر، والهجير والهاجرة: اشتدادُ الحر نصف النهار. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/246). - التي تَدْعونها الأُولى - حين تَدحَضُ الشَّمسُ تدحض الشَّمس: أي تزول عن وسَط السماءِ إلى جِهة المغرب، كأنَّها دحضت، أي: زلقت. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/104). ..)) [1052] رواه البخاريُّ (547)، ومسلم (647). 2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّه قال: سُئِلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن وقتِ الصلواتِ، فقال: ((... ووقتُ صلاةِ الظهرِ إذا زالتِ الشَّمسُ عن بَطنِ السَّماءِ )) [1053] رواه مسلم (612). 3- حديثُ أبي موسى رَضِيَ اللهُ عَنْه؛ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه أتاه سائلٌ يسألُه عن مواقيتِ الصَّلاة... الحديث، وفيه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ المؤذِّنَ فأقامَ بالظهرِ حين زالتِ الشمسُ )) رواه مسلم (614). ثانيًا: من الإجماع نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ [1055] قال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ وقت الظهر: زوالُ الشمس). ((الإجماع)) (ص: 38). ، وابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (اتَّفقوا أنَّ ما بين زوال الشَّمس إلى كون ظلِّ كلِّ شيء مثلَه بعد طرح ظل الزوال وقت الظهر). ((مراتب الإجماع)) (ص: 26). ، وابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (أجمَع علماءُ المسلمين في كلِّ عصر وفي كلِّ مصرٍ بلغنا عنهم: أنَّ أول وقت الظهر زوالُ الشمس عن كبد السماء ووسَط الفلك... وهذا إجماعٌ من علماء المسلمين كلِّهم في أوَّل وقت الظهر، فإذا تبين زوال الشمس بما ذكرنا أو بغيره فقدْ حلَّ وقت الظهر، وذلك ما لا خلافَ فيه). ((التمهيد)) (8/70). ، والنوويُّ [1058] قال النوويُّ: (أجمعتِ الأمَّة على أنَّ أول وقت الظهر زوالُ الشمس؛ نقل الإجماع فيه خلائقُ). ((المجموع)) (3/21). المسألةُ الثانية: آخِرُ وقتِ صَلاةِ الظُّهرِ آخِرُ وقتِ الظهرِ إذا صارَ ظِلُّ الشيءِ مِثلَه غيرَ الظلِّ الذي يكونُ عندَ الزوالِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ [1059] قال ابنُ قُدامة: (فإذا صار ظلُّ كل شيءٍ مثله فهو آخِرُ وقتها..وبهذا قال مالكٌ، والثوريُّ، والشافعيُّ، والأوزاعيُّ، ونحوه قال أبو يوسف، ومحمَّد، وأبو ثور، وداود). ((المغني)) (1/271). : المالكيَّة [1060] ((التاج والإكليل)) للمواق (1/390)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/177). ، والشافعيَّة [1061] ((المجموع)) للنووي (3/21)، ((الإقناع)) للشربيني (1/108). ، والحنابلة [1062] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/251)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/271). ، والظاهريَّة [1063] قال ابنُ حزمٍ: (أوَّل وقت الظهر أخْذ الشمس في الزوال والميل؛ فلا يحلُّ ابتداء الظهر قبل ذلك أصلًا، ولا يُجزئ بذلك، ثم يتمادَى وقتها إلى أن يكون ظلُّ كلِّ شيء مثلَه؛ لا يعدُّ في ذلك الظلِّ الذي كان له في أول زوال الشمس؛ ولكن ما زاد على ذلك). ((المحلى)) (2/197)، ويُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/100)، ((المغني)) لابن قدامة (1/271). ، وروايةٌ عن أبي حنيفة [1064] قال الكاسانيُّ: (وأمَّا آخِره - أي: الظهر - فلم يُذكر في ظاهر الرواية نصًّا، واختلفت الرواية عن أبي حنيفة؛ روى محمد عنه: إذا صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه سوى فَيءِ الزوال). ((بدائع الصنائع)) (1/122). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك [1065] قال ابنُ حزمٍ: (اتَّفقوا أنَّ ما بين زوال الشمس إلى كون ظلِّ كل شيء مثله بعدَ طرْح ظل الزوال وقت الظهر). ((مراتب الإجماع)) (ص 26). قال ابن المغلِّس في كتابه ((الموضح)) - كما نقَل عنه ابنُ القطَّان -: (اتَّفق المسلمون إلَّا من شذ أنه إذا تجاوز كون ظلِّ الشيء مثلَه بشيءٍ ما: أنَّ وقت الظهر قد خرج؛ فدلَّ على أنَّ وقت العصر قد دخَل). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/308). الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا صَليتُم الفجرَ فإنَّه وقتٌ إلى أن يَطلُعَ قرنُ الشَّمسِ الأوَّلُ، ثم إذا صليتُم الظهرَ فإنَّه وقتٌ إلى أن يَحضُرَ العصرُ، فإذا صليتُم العصرَ فإنَّه وقتٌ إلى أن تَصفرَّ الشمسُ، فإذا صليتُم المغربَ فإنه وقتٌ إلى أن يَسقُطَ الشفقُ، فإذا صليتُم العشاءَ فإنَّه وقتٌ إلى نِصفِ اللَّيلِ )) [1066] رواه مسلم (612). 2- عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنه أتاه سائلٌ يسألُه عن مواقيتِ الصَّلاة، فلم يردَّ عليه شيئًا،.. وفيه: ثم أخَّرَ الظهرَ حتى كان قريبًا من وقتِ العصرِ بالأمس.. ثم قال في آخِره: ((الوقتُ بَينَ هَذينِ )) [1067] رواه مسلم (614). 3- عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أمَا إنَّه ليس في النومِ تفريطٌ، إنَّما التفريطُ على مَن لم يُصلِّ الصَّلاةَ حتى يَجيءَ وقتُ الصَّلاةِ الأُخرى )) [1068] رواه مسلم (681). المسألة الثالثة: تعجيلُ الظُّهرِ يُستحبُّ تعجيلُ الظُّهرِ في غيرِ حرٍّ ولا غَيمٍ. الدَّليلُ مِنَ الإِجْماع: نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (ولا نَعلم في استحباب تعجيل الظُّهر، في غير الحرِّ والغَيم، خلافًا). ((المغني)) (1/282). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (فتقديم الظُّهر في أوَّل وقتها في غير شِدَّة الحر أفضلُ، بلا خلاف). ((المجموع)) (3/59). المسألةُ الرَّابعةُ: استحبابُ الإبرادِ بالظُّهرِ في شِدَّةِ الحرِّ يُستحبُّ الإبرادُ [1071] الإبرادُ: معناه تأخيرُ صلاة الظهر إلى البَرد، وهو سكون شدَّة الحر. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/42)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/16). ووقع خلافٌ بين الفقهاء في مقداره، وهل هو مخصوصٌ بالجماعة أوْ لا، إلى غير ذلك. بالظُّهرِ في شِدَّةِ الحرِّ، باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [1072] ومذهبهم الإبرادُ في الصيف مطلقًا، سواء اشتدَّ الحرُّ أو لا. ((حاشية الطحطاوي)) (ص:121)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/125). ، والمالكيَّة [1073] ((الشرح الكبير)) للدردير (1/180)، وينظر: ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/309)، ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (1/90). ، والشافعيَّة [1074] ((المجموع)) للنووي 3/59، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/126)، ((فتح العزيز)) للرافعي (3/45). ، والحنابلة [1075] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/304)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/282)، ((الروض المربع)) للبهوتي (1/57). الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: أذَّن مؤذِّنُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الظُّهرَ، فقال: ((أَبرِدْ أَبرِدْ))، أو قال: ((انتظر انتظرْ))، وقال: ((شِدَّةُ الحرِّ مِن فَيحِ [1076] الفَيْح: هو سُطوعُ الحَرِّ وفَورانُه؛ وقوله ((فيح جَهنَّمَ)) أيْ: كأَنَّه نارُ جهنَّمَ في حَرِّها. يُنظر: ((المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (1/431)، ((النهاية)) لابن الأثير (3/484). جَهنَّمَ، فإذا اشتدَّ الحرُّ فأبْرِدوا عن الصَّلاةِ))، حتى رَأيْنا فَيءَ التُّلولِ [1077] رواه البخاري (535)، ومسلم (616). 2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا اشتدَّ الحرُّ فأَبْرِدوا بالصَّلاة؛ فإنَّ شِدَّةَ الحرِّ مِن فَيحِ جَهنَّمَ)) رواه البخاري (536)، ومسلم (615). 3- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا اشتدَّ البردُ بَكَّرَ بالصَّلاةِ، وإذا اشتدَّ الحرُّ أَبْرَدَ بالصَّلاةِ )) [1079] رواه البخاري (906).