المَطلبُ الثَّاني: رَجعةُ المَهديِّ ومَعَه رُجوعُ الأئِمَّةِ وأعدائِهم
قَرَّرَ الشِّيعةُ الإماميَّةُ في عَقائِدِهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأئِمَّةَ آلِ البَيتِ كعَليٍّ والحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهما سَيرجِعونَ قَبل يومِ القيامةِ، ويرجِعُ مَعَهم جَميعُ مَن آذى أهلَ البَيتِ بزَعمِهم، وذلك عِندَ ظُهورِ المَهديِّ ليُتِمَّ عِقابَهم على عَداوتِهم لأهلِ البَيتِ ومَنعِهم حُقوقَهم، فينالَهم العِقابُ الشَّديدُ، ثُمَّ يموتونَ جميعًا، ثُمَّ يحيونَ يومَ القيامةِ للجَزاءِ الأخيرِ مَرَّةً أُخرى!
وقد قَرَّروا أنَّ الأخبارَ في شَأنِ الرَّجعةِ مُتَواتِرةٌ، وأنَّ الأدِلَّةَ النَّقليَّةَ والعَقليَّةَ على إمكانِها ووُقوعِها كثيرةٌ مُتَظاهرةٌ، ونَقل جَماعةٌ مِن عُلماءِ الإماميَّةِ إجماعَ الإماميَّةِ على اعتِقادِ صِحَّتِها، وإطباقِهم على نَقلِ أحاديثِها ورِواياتِها، وتأوَّلوا مَعارِضَها -على شُذوذِه ونُدرَتِه- بالحَملِ على التَّقيَّةِ؛ إذ لا قائِلَ بها مِن غَيرِ الشِّيعةِ الإماميَّةِ
[1853] يُنظر: ((الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة)) للحر العاملي (ص: 43). .
قال الطَّبَرسيُّ في تَفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا [النمل: 83] : (استَدَلَّ بهذه الآيةِ على صِحَّةِ الرَّجعةِ مَن ذَهَبَ إلى ذلك مِنَ الإماميَّةِ بأن قال: دُخولُ «مِنْ» في الكلامِ يُفيدُ التَّبعيضَ، فدَلَّ على أنَّ المُشارَ إليه في الآيةِ يومٌ يُحشَرُ فيه قَومٌ دونَ قَومٍ، وليسَ ذلك صِفةَ القيامةِ الذي يقولُ اللهُ فيه:
وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف: 47] . وقد تَظاهَرَتِ الأخبارُ عن أئِمَّةِ الهدى مِن آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السَّلامُ أنَّ اللهَ سَيُعيدُ عِندَ قيامِ المَهديِّ عليه السَّلامُ قومًا مِمَّن تَقدَّمَ مَوتُهم مِن أوليائِه وشيعَتِه؛ ليفوزوا بثَوابِ نُصرَتِه ومَعونَتِه، ويبتَهِجوا بظُهورِ دَولتِه، ويُعيدَ أيضًا قومًا مِن أعدائِه؛ لينتَقِمَ منهم وينالوا ما يستَحِقُّونَه مِنَ العِقابِ في الدُّنيا، مِنَ القَتلِ على أيدي شيعَتِه، أو الذُّلِّ والخِزيِ بما يرَونَ مِن عُلوِّ كلمَتِه، ولا يشُكُّ عاقِلٌ أنَّ هذا مَقدورٌ للهِ تعالى غَيرُ مُستَحيلٍ في نَفسِه، وقد فعَل اللهُ ذلك في الأُمَمِ الخاليةِ، ونَطَقَ القُرآنُ بذلك في عِدَّةِ مَواضِعَ، مِثلُ قَصَّةِ عُزَيرٍ وغَيرِه على ما فسَّرناه في مَوضِعِه... على أنَّ جَماعةً مِنَ الإماميَّةِ تأوَّلوا ما ورَدَ مِنَ الأخبارِ في الرَّجعةِ على رُجوعِ الدَّولةِ والأمرِ والنَّهيِ دونَ رُجوعِ الأشخاصِ وإحياءِ الأمواتِ، وأوَّلوا الأحاديثَ الوارِدةَ في ذلك، لمَّا ظَنُّوا أنَّ الرَّجعةَ تُنافي التَّكليفَ، وليسَ كذلك؛ لأنَّه ليس فيها ما يلجئُ إلى فِعلِ الواجِبِ والامتِناعِ مِنَ القَبيحِ، والتَّكليفُ يصِحُّ مَعَها كما يصِحُّ مَعَ ظُهورِ المُعجِزاتِ الباهرةِ والآياتِ القاهرةِ، كفَلقِ البَحرِ، وقَلبِ العَصا ثُعبانًا، وما أشبَهَ ذلك، ولأنَّ الرَّجعةَ لم تَثبُتْ بظواهِــرِ الأخبارِ المَنقولةِ فيتَطَرَّقَ إليها التَّأويلُ عليها، وإنَّما المُعَوَّلُ في ذلك على إجماعِ الشِّيعةِ الإماميَّةِ وإن كانتِ الأخبارُ تُؤَيِّدُه وتُعَضِّدُه)
[1854] يُنظر: (الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة)) للحر العاملي (ص: 74). .
قال العامِليُّ مُعَلِّقًا على الكلامِ السَّابقِ: (لا يخفى أنَّ قَولَه في أوَّلِ الكلامِ: "مِنَ الإماميَّةِ" ينبَغي ألَّا تَكونَ "مِن" فيه تبعيضيَّةً، بل هي بَيانيَّةٌ، بدَلالةِ التَّصريحِ في آخِرِ الكلامِ بالإجماعِ مِن جَميعِ الشِّيعةِ الإماميَّةِ، وإلَّا لزِمَ تَناقُضُ الكلامِ ولم يعتَبرْ مَن تَأوَّل الأخبارَ، إمَّا لكونِهم مَعلومي النَّسَبِ فلا يقدَحُ خِلافُهم في الإجماعِ، أو كونِهم شُذَّاذًا لا يُعتَبَرُ قَولُهم أصلًا، أو للعِلمِ بدُخولِ المَعصومِ في أقوالِ الباقينَ. أو لكونِهم مِن أهلِ التَّأويلِ الذينَ أوَّلوا أكثَرَ الشَّريعةِ، أو عِلمًا منه بأنَّهم أظهَروا ذلك مُراعاةً للتَّقيَّةِ، أو لأنَّهم تأوَّلوا بَعضَ الأخبارِ، ولم يُصَرِّحوا بالإنكارِ ونَفيِ الرَّجعةِ؛ لأنَّ أكثَرَها لا سَبيلَ إلى تَأويلِه بوَجهٍ، وقد أشارَ إلى ذلك بقَولِه: إنَّ الرَّجعةَ لم تَثبُتْ بظَواهرِ الأخبارِ، فيتَطَرَّقُ لها التَّأويلُ. ثُمَّ إنَّ العِلمَ بدُخولِ المَعصومِ بالأحاديثِ الصَّريحةِ يوجِبُ حُجِّيَّةَ الإجماعِ، ونَقلَ مِثلُ الطَّبَرسيِّ حُجَّةً في مِثلِ هذا -وسيأتي نَقلُه- أنَّ العِترةَ الطَّاهرةَ أجمَعت عليه، فكيف إذا انضَمَّ إليه غَيرُه؟)
[1855] (الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة)) (ص: 76). .
وقد رَوى الإماميَّةُ عن بكيرِ بنِ أعيَنَ قال: (قال لي مَن لا أشُكُّ فيه -يعني أبا جَعفرٍ عليه السَّلامُ- أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وعَليًّا سَيرجِعانِ)
[1856] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (53/39). .
وعن أبي عَبدِ اللهِ أنَّه قال: (أوَّلُ مَن تَنشَقُّ الأرضُ عنه ويَرجِعُ إلى الدُّنيا الحُسَينُ بنُ عَليٍّ عليه السَّلامُ، وإنَّ الرَّجعةَ ليست بعامَّةٍ، وهي خاصَّةٌ لا يرجِعُ إلَّا مَن مَحَضَ الإيمانَ مَحضًا أو مَحضَ الشِّركِ مَحضًا)
[1857] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (53/39). .
وروى العيَّاشيُّ في تفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى:
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [الإسراء: 6] عن أبي عَبدِ اللهِ قال: (إنَّ أوَّلَ مَن يكُرُّ إلى الدُّنيا الحُسَينُ بنُ عَليٍّ عليه السَّلامُ وأصحابُه، و
يزيدُ بنُ مُعاويةَ وأصحابُه، فيقتُلُهم حَذوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ)
[1858] يُنظر: ((تفسير العياشي)) (2/ 280). ويُنظر: ((البرهان)) للبحراني (2/ 408)، ((تفسير الصافي)) للكاشاني (1/ 959). .
وعن
جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (إذا خَرَجَ القائِمُ قَتَل ذَراريَّ قَتَلةِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ بفِعالِ آبائِهم)
[1859] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/ 172). .
ورَوَوا عن مُحَمَّدٍ الباقِرِ أنَّه قال: (أمَا لو قامَ قائِمُنا رُدَّتِ الحُمَيراءُ -أي
أُمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ الصِّدِّيقةُ رَضِيَ اللهُ عنها- حتَّى يجلِدَها الحَدَّ! وحتَّى ينتَقِمَ لابنةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
فاطِمةَ عليها السَّلامُ منها، قيل: ولمَ يجلِدُها؟ قال: لفِريتِها على أُمِّ إبراهيمَ، قيل: فكيف أخَّرَه اللهُ للقائِمِ عليه السَّلامُ؟ قال: إنَّ اللهَ بَعَثَ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَحمةً، وبَعث القائِمُ عليه السَّلامُ نِقمةً)
[1860] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (2/ 108). .
وعن سَلامِ بنِ المُستَنيرِ قال: سَمِعتُ أبا جَعفرٍ عليه السَّلامُ يحدِّثُ: (إذا قامَ القائِمُ عَرَض الإيمانَ على كُلِّ ناصِبٍ، فإن دَخل فيه بحَقيقةٍ وإلَّا ضَرَبَ عُنُقَه، أو يُؤَدِّي الجِزيةَ كما يُؤَدِّيها اليومَ أهلُ الذِّمَّةِ، ويشُدُّ على وسَطِه الهِميانَ، ويُخرِجُهم مِنَ الأمصارِ إلى السَّوادِ)
[1861] يُنظر: ((الكافي)) (8/ 227). .
وعن
جَعفرٍ الصَّادِقِ قال: (إذا قامَ القائِمُ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم أقامَ خَمسَمِائةٍ مِن قُرَيشٍ فضَرَبَ أعناقَهم، ثُمَّ أقامَ خَمسَمِائةٍ فضَرب أعناقَهم، ثُمَّ خَمسَمِائةٍ أُخرى، حتَّى يفعَلَ ذلك سِتَّ مَرَّاتِ)
[1862] يُنظر: ((الإرشاد)) (ص: 364). .
ورَوى
الطُّوسِيُّ أنَّ المَهديَّ يقتُلُ سَبعينَ قَبيلةً مِن قَبائِلِ العَرَبِ
[1863] يُنظر: ((الغيبة)) (ص: 284). .