الفَرعُ الثَّامِنُ: الأغاخانيَّةُ وتَعاوُنُهم مَعَ الاستِعمارِ
بَدَأتِ العَلاقةُ بَينَ أسرةِ الأغاخان والبِريطانيِّينَ في الهِندِ في مُنتَصَفِ القَرنِ التَّاسِعَ عَشَرَ الميلاديِّ عِندَما قدَّمَ حَسَن عَلي شاه -المَعروفُ بأغاخانِ الأوَّلِ- مُساعَداتٍ كبيرةً للبِريطانيِّينَ تُعينُهم على تَوَسُّعِهم العَسكَريِّ والإمبِراطوريِّ شَمالَ وغَربَ إقليمِ البنجابِ، كما قامَ هو وفُرسانُه بمُساعَدةِ البِريطانيِّينَ في المَراحِلِ الأخيرةِ مِنَ الحَربِ الأفغانيَّةِ الأولى في عامَي 1841-1842م، وقامَ بتَقديمِ مُساعَداتٍ أخرى للبِريطانيِّينَ أثناءَ غَزوِهم بلادَ السِّندِ في عامَي 1843-1844م؛ مِمَّا جَعَلَ الحُكومةَ البِريطانيَّةَ تُقدِّمُ له مَعاشَ تَقاعُدٍ تَقديرًا لمُساعَداتِه العَظيمةِ
[3032] يُنظر: ((مذكرات أغا خان)) (ص: 44، 45). .
وقد مَنَحَت بريطانيا للأغاخانِ الأوَّلِ مَدينةَ بومباي التَّابِعةَ لحُكومةِ الهِندِ البِريطانيَّةِ مُنذُ مُنتَصَفِ القَرنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، فقَويَ نُفوذُه فيها، وبَدَأ أتباعُه مُنذُ ذلك الحينِ يَتَوافَدونَ إلى بومباي من مَراكِزِ تَجَمُّعاتِهم في العالَمِ، ولم تَجِدِ السُّلُطاتُ البِريطانيَّةُ في الهِندِ غَضاضةً في ذلك، تَقديرًا منها للخِدماتِ الجَليلةِ التي قدَّمَها لهم أغاخانُ الأوَّلُ للقوَّاتِ البِريطانيَّةِ، وتَطَلُّعًا من جانِبِها للِاستِفادةِ من أتباعِ هذه الطَّائِفةِ في المُستَقبَلِ، وكان مِنَ الطَّبيعيِّ أن يَحرِصَ أئِمَّةُ الطَّائِفةِ الإسماعيليَّةِ على استِمرارِ عَلاقَتِهم الطَّيِّبةِ مَعَ السُّلُطاتِ البِريطانيَّةِ بما يُؤمِّنُ إقامةَ أتباعِهم، ويُسَهِّلُ عَمَليَّاتِ قُدومِهم ورَحيلِهم ومَصالِحَهم المُختَلِفةَ
[3033] يُنظر: ((أغا خان ومهمته في مصر)) لأباظة (ص: 34). .
وقد كلَّفَت بريطانيا عَميلَها أغاخانَ الثَّالِثَ بتَهدِئة الهُنودِ المُسلِمينَ المَوجودينَ في صُفوفِ الجَيشِ البِريطانيِّ في مِصرَ، وإقناعِهم بتَوجيهِ ضَرَباتِهم إلى القوَّاتِ العُثمانيَّةِ المُسلِمةِ
[3034] ((مذكرات أغا خان)) (ص: 182). .
وقال أغاخانُ الثَّالِثُ عن عَلاقَتِه بالمَلِكِ البِريطانيِّ جورج الخامِسِ: (لقد كُنتُ فخورًا دائِمًا أن فُزتُ بصَداقةِ المَلِكِ جورج الخامِسِ، وحافَظتُ عليها حتَّى نِهايةِ حَياتِه، لقد أولاني ثِقَتَه إلى الدَّرَجةِ نَفِسها كما فعَلَ أبوه مِن قَبلِه)
[3035] ((مذكرات أغا خان)) (ص: 142). .
وقال عن عَلاقَتِه بونستون تشِرشِل: (لقد نَعِمتُ بصَداقةِ سير وِنِستون تشِرشِل فترةً تَزيدُ عن نِصفِ قَرنٍ)
[3036] ((مذكرات أغا خان)) (ص: 142). .
وحينَ هَلَكَ مَلِكُ بريطانيا إدواردُ السَّابِعُ سَنةَ 1910م قال أغاخانُ الثَّالِثُ: (توُفِّيَ صَديقي العَظيمُ الطَّيِّبُ، المَلِكُ إدواردُ السَّابِعُ في لَندَنَ، وكَما كان إخلاصي وصَداقَتي يَقضيانِ فقد أسرَعتُ إلى حُضورِ جِنازَتِه، وقابَلتُ خَليفَتَه المَلِكَ جورجَ الخامِسَ، لقد دُفِنَ المَلِكُ إدواردُ السَّابِعُ في كنيسةِ سانَت جورج في وِندسور، وكان مَكاني في مَوكِبِ الجِنازةِ ومَقعَدي في الكَنيسةِ بالقُربِ مِنَ العائِلةِ المالِكةِ والضُّيوفِ المَلَكيِّينَ مِنَ البُلدانِ الأجنَبيَّةِ، لقد كانت هناك عُيونٌ دامِعةٌ كثيرةٌ ذلك اليَومَ، ولستُ أخجَلُ مِنَ الاعتِرافِ أنَّني كُنتُ بَينَ الباكينَ)
[3037] ((مذكرات أغا خان)) (ص: 179). .
المبحَثُ السَّابعُ: حُكمُ الإسلامِ في طائفةِ الإسماعيليَّةِ
إنَّه بالنَّظَرِ والتَّأمُّلِ في مُعتَقَداتِ القَومِ وتَصَوُّراتِهم، ومِن ثَمَّ سُلوكِهم وواقِعِهم، فقد تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ الحُكمُ البَيِّنُ الواضِحُ الدَّالُّ على اعتِقاداتِهم الكُفريَّةِ الواضِحةِ، فمُعتَقَدُهم باللهِ مَبنيٌّ على تَعَدُّدِ الآلِهة؛ حَيثُ أناطوا خَلقَ الخَلقِ وإدارةَ الكَونِ وتَدبيرَ أمرِ العالَمِ عُلويِّه وسُفليِّه على العَقلَينِ الأوَّلِ والثَّاني، أوِ السَّابِقِ والتَّالي، مَعَ الإلحادِ في أسماءِ اللهِ وصِفاتِه بجَحدِها ونَفيِها عن اللهِ بالكُلِّيَّة!
وفي بابِ النُّبوَّاتِ اعتَبَروا النُّبوَّةَ رُتبةً من مَراتِبِ دَعوَتِهم يَتمكَنُّ المُستَجيبُ لهذه الدَّعوةِ مِنَ الوُصولِ إليها، ومِن جَرَّاءِ ذلك أصبَحَتِ النُّبوَّةُ مَقامًا يَحِقُّ ادِّعاؤُه لسائِرِ الخَلقِ، ولم يُؤمِنوا بخَتمِ النُّبوَّةِ وانقِطاعِ الوَحيِ بمَوتِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مَعَ إنكارِهم لمُعجِزاتِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، وزَعمِهم بأفضَليَّةِ الوِلايةِ والوِصايةِ على النُّبوَّةِ والرِّسالةِ، وكُلُّ هذه المَزاعِمِ كُفرٌ تُخرِجُ مُعتَقِدَها مِنَ المِلَّةِ الإسلاميَّةِ.
وفي بابِ الإيمانِ باليَومِ الآخِرِ أبطَلوا بتَأويلاتِهم الاعتِقادَ بيَومِ القيامةِ والمَعادِ على الوَجهِ المُتَّفَقِ عليه بَينَ عُلَماءِ المِلَّةِ الإسلاميَّةِ؛ حَيثُ اعتَقدوا أنَّ القيامةَ هي قيامُ قائِمِهم، وأنَّ الثَّوابَ والعِقابَ إنَّما هو في الدُّنيا، ولا شَكَّ أنَّ مَن أنكَرَ أو أوَّلَ رُكنًا أساسيًّا من أركانِ الإيمانِ فإنَّه أتى كُفرًا.
وفي بابِ العِباداتِ والتَّكاليفِ الشَّرعيَّةِ أسقَطوا الأعمالَ، وأوَّلوها حتَّى انتَهى بهم الأمرُ إلى تَركِها وإهمالِها، بل جَعَلوا مُزاوَلَتَها صورةً مِن صُوَرِ العَذابِ، ولا شَكَّ في كُفرِ مَن زَعَمَ ذلك؛ لجَحدِه للأدِلَّةِ الشَّرعيَّةِ الموجِبةِ أداءَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ والحَجِّ، فمَن لم يَقُمْ بها فإنَّه قد أخَلَّ بأركانِ الإسلامِ وقَواعِدِه، فكيف بمَن لم يَقُمْ بها مَعَ اعتِقادِه خِلافَها والدَّعوةِ إلى تَركِها؟! لا شَكَّ أنَّ كُفرَه أغلَظُ مِنَ الجِنسِ الأوَّلِ، وهذا هو حالُ الإسماعيليَّةِ كما قَرَّرَ ذلك دُعاتُهم وسَطَّره عُلَماؤُهم.
ويَكفي انحِرافُهم في أمرٍ واحِدٍ من هذه الأصولِ الأربَعةِ للحُكمِ عليهم بأنَّهم فِرقةٌ خارِجةٌ عن الفِرَقِ الإسلاميَّةِ جُملةً وتَفصيلًا، وأنَّ نِسبَتَهم إلى الإسلامِ مُغالَطةٌ لواقِعِهم ومَنهَجِهم الذي قَرَّرَه دُعاتُهم المَلاحِدةُ، وتَظاهُرُهم بأنَّهم مِنَ المُسلِمينَ نِفاقٌ وزَندَقةٌ، قال اللهُ تعالى:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء: 145] .
وقد بَيَّنَ أهلُ العِلمِ حَقائِقَ طائِفةِ الإسماعيليَّةِ وأهدافَها ومُعتَقداتِها، وحَكَموا بأنَّ دُعاتَهم زَنادِقةٌ، وعَوامَّهم رافِضةٌ، اعتِمادًا على الأدِلَّةِ الشَّرعيَّةِ وما قَرَّرَه دُعاتُهم، وبناءً على واقِعِ الإسماعيليَّةِ.
قال مُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ الكوفيُّ، وهو مِمَّن عاصَرَ الباطِنيَّةَ في القَرنِ الرَّابِعِ الهِجريِّ: (إنَّ دَعوةَ الإسماعيليَّةِ في الكوفةِ تَرجِعُ إلى مَذاهِبِ الثَّنَويَّةِ، وتَهدُفُ إلى تَحقيقِ مَذاهِبِ المَجوسيَّةِ في مَواضِعَ أُخَرَ، ويَحومُ حَولَها أمورٌ مُختَلِطةٌ من نِحَلٍ كثيرةٍ)، ونَقَلَ عن رَجُلٍ اسمُه أبو عبدِ اللهِ بنُ إسماعيلَ دَخَلَ دَعوةَ الباطِنيَّةِ ثُمَّ خَرَجَ منها تائِبًا بَعدَ أن عَرَفَ أسرارَها: أنَّ القَصدَ من مَذهَبِهم هو: (إثباتُ دينِ المَجوسيَّةِ من بَينِ سائِرِ الأديانِ المُختَلِفةِ)، وقال الكوفيُّ: (إنَّ غَرَضَهم من دَعَوتِهم هو الخَلعُ مِنَ الإسلامِ والشَّرائِعِ المَعروفةِ ودياناتِ الرُّسُلِ المَشهورةِ)
[3038] ((الرد على الإسماعيلية القرامطة)) مخطوطة (ورقة: 33، 35 ، 173). .
وقال عَبدُ القاهِرِ البَغداديُّ: (ضَرَرُ الباطِنيَّةِ على فِرَقِ المُسلِمينَ أعظَمُ مِن ضَرَرِ اليَهودِ والنَّصارى والمَجوسِ، بل أعظَمُ مَضَرَّةً مِنَ الدَّهريَّةِ وسائِرِ أصنافِ الكَفَرةِ عليهم، بل أعظَمُ من ضَرَرِ الدَّجَّالِ الذي يَظهَرُ في آخِرِ الزَّمانِ؛ لأنَّ الذين ضَلُّوا عن الدِّينِ بدَعوةِ الباطِنيَّةِ من وقتِ ظُهورِ دَعوَتِهم إلى يَومِنا أكثَرُ مِنَ الذين يَضِلُّونَ بالدَّجَّالِ في وقتِ ظُهورِه؛ لأنَّ فِتنةَ الدَّجَّالِ لا تَزيدُ مُدَّتُها على أربَعينَ يَومًا، وفَضائِحُ الباطِنيَّةِ أكثَرُ من عَدَدِ الرَّملِ والقَطْرِ... الذي يَصِحُّ عِندي من دينِ الباطِنيَّةِ أنَّهم دَهريَّةٌ زَنادِقةٌ، يَقولونَ بقِدَمِ العالَمِ، ويُنكِرونَ الرُّسُلَ والشَّرائِعَ كُلَّها، لمَيلِها إلى استِباحةِ كُلِّ ما يَميلُ إليه الطَّبعُ... وقد بَيَّنَّا خُروجَهم عن جَميعِ فِرَقِ الإسلامِ بما فيه كِفايةٌ. والحَمدُ للَّهِ على ذلك)
[3039] ((الفرق بين الفرق)) (ص: 220 – 265، 266- 278- 299). .
وقال أيضًا: (اختَلَفَ أصحابُنا في حُكمِهم؛ فمنهم مَن قال: هم مَجوسٌ، وأجازَ أخذَ الجِزيةِ منهم، وحَرَّمَ ذَبائِحَهم ونِكاحَهم، ومنهم مَن قال: حُكمُهم حُكمُ المُرتَدِّينَ، إن تابوا وإلَّا قُتِلوا، وهذا هو الصَّحيحُ عِندَنا)، ثُمَّ ساقَ البَغداديُّ قَولَ مالِكٍ في الباطِنيِّ والزِّنديقِ: إن جاءا تائِبَينِ ابتِداءً قَبِلنا التَّوبةَ منهما، وإن أظهَرا التَّوبةَ بَعدَ العُثورِ عليهما لم تُقبَلِ التَّوبةُ منهما، قال: (هذا هو الأحوَطُ فيهم)
[3040] ((أصول الدين)) (ص: 329 – 331). .
وقال ابنُ حَزمٍ: (إنَّ مَن سَكَنَ في طاعةِ أهلِ الكُفرِ مِنَ الغاليةِ كالعُبَيديِّينَ ومَن جَرى مجراهم لا يُعتَبَرُ كافِرًا؛ لأنَّ أرضَ مِصرَ والقَيرَوانِ وغَيرِهما الإسلامُ فيها هو الظَّاهِرُ، ووُلاتُهم على كُلِّ ذلك لا يُجاهِرونَ بالبَراءةِ مِنَ الإسلامِ، بل إلى الإسلامِ يَنتَمونَ، وإن كانوا في حَقيقةِ أمرِهم كُفَّارًا، وأمَّا مَن سَكَنَ في أرضِ القَرامِطةِ مُختارًا فكافِرٌ بلا شَكِّ؛ لأنَّهم مُعلِنونَ بالكُفرِ وتَركِ الإسلامِ)
[3041] ((المحلى)) (13/ 139). .
وذَكَر ابنُ حَزمٍ في كِتابِه (الفَصل في المَلَلِ والأهواءِ والنِّحَلِ) أنَّ الإسماعيليَّةَ طائِفةٌ مُجاهِرةٌ بتَركِ الإسلامِ جُملةً، وقائِلةٌ بالمَجوسيَّةِ المَحضةِ
[3042] يُنظر: ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (2/ 116). .
فابنُ حَزمٍ يَجزِمُ بكُفرِ القَرامِطةِ والعُبَيديِّينَ، وهما من أشهَرِ فِرَقِ الإسماعيليَّةِ، والعُبَيديُّونَ هم أئِمَّةُ الإسماعيليَّةِ في فترةِ الظُّهورِ، وهم الذين حَكَموا المَغرِبَ ثُمَّ مِصرَ، وعَدَدُهم اثنا عَشَرَ حاكِمًا.
وذَكَرَ الدَّيلَميُّ عِشرينَ وجهًا تَدُلُّ على كُفرِ الباطِنيِّينَ، ثُمَّ قال: (إنَّ دَلائِلَ كُفرِهم مُتَرَتِّبةٌ على أمورٍ ثَلاثةٍ: اعتِقاداتٍ وأقوالٍ وأفعالٍ، ومَتى حَصَلَ واحِدٌ منها كفى في كونِ مُرتَكِبِه كافِرًا، وإن اجتَمَعَت فأجدَرُ أن يَكونَ كافِرًا، فالباطِنيَّةُ على هذا مِن أكفَرِ الكُفَّارِ؛ لاجتِماعِ هذه الأمورِ الثَّلاثةِ)
[3043] ((بيان مذهب الباطنية وبطلانه)) (ص: 71). .
وقال عُثمانُ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ الحَسَنِ الحَنَفيِّ العِراقيِّ: (إنَّ غَرَضَهم تَعطيلُ الرُّسُلِ، وإبطالُ الحُكمِ بالظَّاهِرِ، والمَدعوُّ لَدَيهم يَتَدَرَّجُ في دَعوَتِهم حتَّى يَصِلَ إلى النِّهايةِ التي إذا بَلَغَها انسَلَخَ مِنَ الإسلامِ، ودَخل في الكَفرِ)
[3044] يُنظر: ((الفرق المفترقة بين أهل الزيغ والزندقة)) (ص: 104، 105، 108، 114). .
وقال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ عن الباطِنيَّةِ: (مَذهَبٌ ظاهِرُه الرَّفضُ، وباطِنُه الكُفرُ المَحْضُ... يوافِقونَ اليَهودَ والنَّصارى والمَجوسَ على جُملةِ مُعتَقَداتِهم، ويُقِرُّونَهم عليها)
[3045] ((فضائح الباطنية)) (ص: 37). ويُنظر: ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)) لابن الجوزي (12/ 294). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (التَّشَيُّعُ دِهليزُ الرَّفضِ، والرَّفضُ دِهليزُ القَرْمَطةِ والتَّعطيلِ)
[3046] ((مجموع الفتاوى)) (2/ 230). .
وقال أيضًا: (الرَّفضُ بابُ الزَّندَقةِ والإلحادِ؛ فالصَّابِئةُ المُتَفَلسِفةُ ومَن أخَذَ ببَعضِ أمورِهم أو زادَ عليهم مِنَ القَرامِطةِ والنُّصَيريَّةِ والإسماعيليَّةِ والحاكِميَّةِ وغَيرهم إنَّما يَدخُلونَ إلى الزَّندَقةِ والكُفرِ بالكِتابِ والرَّسولِ وشَرائِع الإسلامِ من بابِ التَّشَيُّعِ والرَّفضِ، والمُعتَزِلةُ ونَحوُهم تَنتَحِلُ القياسَ والعَقلَ، وتَطعَنُ في كثيرٍ مِمَّا يَنقُلُه أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ، ويُعَلِّلونَ ذلك بما ذُكِرَ مِنَ الاختِلافِ ونَحوِه، ورُبَّما جَعَلَ ذلك بَعضُ أربابِ المِلَّةِ من أسبابِ الطَّعنِ فيها وفي أهلِها، فيَكونُ بَعضُ هؤلاء المُتَعَصِّبينَ ببَعضِ هذه الأمورِ الصِّغارِ ساعيًا في هَدمِ قَواعِدِ الإسلامِ الكِبارِ)
[3047] ((مجموع الفتاوى)) (22/ 367). .
وسُئِلَ ابنُ تيميَّةَ عن حُكمِ الفِرَقِ الباطِنيَّةِ وحُكمِ التَّعامُلِ مَعَهم، فأجابَ إجابةً طَويلةً، ومِمَّا قاله فيما يَتَعَلَّقُ بالإسماعيليَّةِ العُبَيديَّةِ: (جُمهورُ المُصَنِّفينَ منَ المُتَقدِّمينَ والمُتَأخِّرينَ حتَّى
القاضي ابنِ خَلِّكانِ في تاريخِه ذَكَروا بُطلانَ نَسَبِهم، وكَذلك
ابنُ الجَوزيِّ وأبو شامةَ وغَيرُهما من أهلِ العِلمِ بذلك، حتَّى صَنَّفَ العُلَماءُ في كشفِ أسرارِهم وهَتكِ أستارِهم، كما صَنَّفَ القاضي أبو بَكرٍ الباقِلَّانيُّ كِتابَه المَشهورَ في كشفِ أسرارِهم وهَتكِ أستارِهم، وذَكرَ أنَّهم من ذُرِّيَّة المَجوسِ، وذَكرَ من مَذاهِبِهم ما بَيَّنَ فيه أنَّ مَذاهِبَهم شَرٌّ من مَذاهِبِ اليَهودِ والنَّصارى، بل ومِن مَذاهِبِ الغاليةِ الذين يَدَّعونَ إلَهيَّةَ عَليٍّ أو نُبُّوَّتَه، فهم أكفَرُ من هؤلاء، وكَذلك ذَكَرَ
القاضي أبو يَعلى في كِتابِه المُعتَمَدِ فصلًا طَويلًا في شَرحِ زَندَقَتِهم وكُفرِهم، وكَذلك ذَكَرَ أبو حامِدٍ الغَزاليُّ في كِتابِه الذي سَمَّاه «فضائِل المُستَظهريَّةِ وفَضائِح الباطِنيَّةِ»، قال: ظاهِرُ مَذهَبِهم الرَّفضُ، وباطِنُه الكُفرُ المَحْضُ، وكَذلك القاضي عَبدُ الجَبَّارِ بنُ أحمَدَ وأمثالُه مِنَ المُعتَزِلةِ المُتَشَيِّعةِ الذين لا يُفَضِّلونَ على عَليٍّ غَيرَه، بل يُفَسِّقونَ مَن قاتَلَه ولم يَتُبْ من قِتالِه، يَجعَلونَ هؤلاء من أكابِرِ المُنافِقينَ الزَّنادِقةِ، فهذه مَقالةُ المُعتَزِلةِ في حَقِّهم فكَيفَ تَكونُ مَقالةُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ؟! والرَّافِضةُ الإماميَّةُ -مَعَ أنَّهم من أجهَلِ الخَلقِ وأنَّهم ليس لهم عَقَلٌ ولا نَقلٌ ولا دينٌ صَحيحٌ ولا دُنيا مَنصورةٌ - يَعلَمونَ أنَّ مَقالةَ هؤلاء مَقالةُ الزَّنادِقةِ المُنافِقينَ، ويَعلَمونَ أنَّ مَقالةَ هؤلاء الباطِنيَّةِ شَرٌّ من مَقالةِ الغاليةِ الذين يَعتَقِدونَ إلَهيَّةَ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه... عُلَماءُ الأمَّةِ المَأمونونَ عِلمًا ودينًا يَقدَحونَ في نَسَبِهم ودينِهم، لا يَذُمُّونَهم بالرَّفضِ والتَّشَيُّعِ فإنَّ لهم في هذا شُرَكاءَ كثيرينَ، بل يَجعَلونَهم من القَرامِطةِ الباطِنيَّةِ الذين منهم الإسماعيليَّةُ والنُّصَيريَّةُ، ومن جِنسِهم الخُرَّميَّةُ المُحَمرةُ وأمثالُهم مِنَ الكُفَّارِ المُنافِقينَ الذين كانوا يُظهِرونَ الإسلامَ ويُبطِنونَ الكُفرَ، ولا رَيبَ أنَّ اتِّباعَ هؤلاء باطِلٌ، وقد وصَفَ العُلَماءُ أئِمَّةَ هذا القَولِ بأنَّهم الذين ابتَدَعوه ووَضَعوه، وذَكَروا ما بَنَوا عليه مَذاهِبَهم، وأنَّهم أخَذوا بَعضَ قَولِ المَجوسِ وبَعضَ قَولِ الفَلاسِفةِ، فوَضَعوا لهم السَّابِقَ والتَّاليَ، والأساسَ والحُجَجَ والدَّعاوى، وأمثالَ ذلك مِنَ المَراتِبِ التي آخِرُها البَلاغُ الأكبَرُ والنَّاموسُ الأعظَمُ، وإذا كان كذلك فمَن شَهِدَ لهم بصِحَّةِ نَسَبٍ أو إيمانٍ فأقَلُّ ما في شَهادَتِه أنَّه شاهِدٌ بلا عِلمٍ، قافٍ ما ليس له به عِلمٌ، وذلك حَرامٌ باتِّفاقِ الأمَّةِ، بل ما ظَهَرَ عنهم مِنَ الزَّندَقةِ والنِّفاقِ ومُعاداةِ ما جاءَ به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَليلٌ على بُطلانِ نَسَبِهم الفاطِميِّ... إنَّ هؤلاء أكفَرُ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى، وإنَّ ما نُقِلَ عنهم وفي رَسائِلِهم الخاصَّةِ مُخالِفٌ للمِلَلِ الثَّلاثِ: دينِ الإسلامِ، ودينِ النَّصارى، ودينِ اليَهودِ، فهؤلاء خارِجونَ عن المِلَلِ الثَّلاثِ. وبالجُملةِ فعِلمُ الباطِنِ الذي يَدَّعونَ مَضمونُه الكُفرُ باللهِ ومَلائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليَومِ الآخِرِ، بل هو جامِعٌ لكُلِّ كُفرٍ، لَكِنَّهم فيه على دَرَجاتٍ، فلَيسوا مُستَوينَ في الكُفرِ؛ إذ هو عِندَهم سَبعُ طَبَقاتٍ، كُلُّ طَبَقةٍ يُخاطِبونَ بها طَوائِفَ مِنَ النَّاسِ بحَسبِ بُعدِهم مِنَ الدِّينِ وقُربِهم منه... ولأجلِ ما كان أئِمَّةُ الإسماعيليَّةِ عليه مِنَ الزَّندَقةِ والبِدعةِ بَقيَتِ البِلادُ المِصريَّةُ مُدَّةَ دَولَتِهم حَوالَي مِائَتَي سَنةٍ قدِ انطَفَأ فيها نورُ الإسلامِ والإيمان، حتَّى قال فيها العُلَماءُ: إنَّها كانت دارَ رِدَّةٍ ونِفاقٍ كدارِ مُسَيلِمةَ الكَذَّابِ!)
[3048] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (35/ 129، 133- 135، 139) باختصار وتصرف. .
وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (حَقيقةُ أمرِهم أنَّهم لا يُؤمِنونَ بنَبيٍّ مِنَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ، لا بنوحٍ ولا إبراهيمَ ولا موسى ولا عيسى ولا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعلى إخوانِه مِنَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ، كما أنَّهم لا يُؤمِنونَ بشَرعٍ مِنَ الكُتُبِ المُنَزَّلةِ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، لا التَّوراةِ ولا الإنجيلِ ولا القُرآنِ، ولا يُقِرُّونَ بأنَّ للعالَمِ خالِقًا خَلقَه، ولا بأنَّ له دينًا أمرَ به، ولا أنَّ له دارًا يَجزي النَّاسَ فيها على أعمالِهم غَيرَ هذه الدَّارِ، وهؤلاء اتَّفَقَ عُلَماءُ المُسلِمينَ على أنَّه لا تَجوزُ مناكحتُهم، ولا تُباحُ ذَبائِحُهم، وأوانيهم ومَلابِسُهم كأواني المَجوسِ ومَلابِسِ المَجوسِ، ولا يَجوزُ دَفنُهم في مَقابِرِ المُسلِمينَ، ولا يُصَلَّى على مَن ماتَ منهم، كما قال تَعالى عن المُنافِقينَ:
وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة: 84] ، فكَيفَ بهؤلاء الباطِنيَّةِ؟! فهم مَعَ زَندَقَتِهم ونِفاقِهم يُظهِرونَ الكُفرَ والإلحادَ)
[3049] ((مجموع الفتاوى)) (35/ 152، 154، 155). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (مِن أشَرِّ طَوائِفِ المَجوسِ الذين لا يُقِرُّونَ بصانِعٍ ولا مَعادٍ ولا نُبوَّةٍ ولا حَلالٍ ولا حَرامٍ: الخُرَّمِيَّةُ أصحابُ بابكَ الخُرَّمِيِّ، وعلى مَذهَبِهم طَوائِفُ القَرامِطةِ والإسماعيليَّةِ والنُّصَيريَّةِ والدَّرزيَّةِ وسائِرِ العُبَيديَّةِ الذين يُسَمُّونَ أنفُسَهم الفاطِميَّةَ، وهم من أكفَرِ الكُفَّارِ، فكُلُّ هؤلاء يَجمَعُهم هذا المَذهَبُ، ويَتَفاوَتونَ في التَّفصيلِ؛ فالمَجوسُ شُيوخُ هؤلاء كُلِّهم وأئِمَّتُهم وقُدوَتُهم، وإن كان المَجوُس قد يَتَقَيَّدونَ بأصلِ دينِهم وشَرائِعِهم، وهؤلاء لا يَتَقَيَّدونَ بدينٍ من دياناتِ العالَمِ، ولا بشَريعةٍ مِنَ الشَّرائِعِ)
[3050] ((إغاثة اللهفان)) (2/ 247 – 249). .
ووَصف
الشَّاطِبيُّ الباطِنيَّةَ بأنَّهم ثَنَويَّةٌ دَهريَّةٌ إباحيَّةٌ، يُنكِرونَ النُّبوَّةَ والشَّرائِعَ وأمورَ المَعادِ، بل يُنكِرونَ الرُّبوبيَّةَ
[3051] ((الاعتصام)) (1/ 253). .
وقال المُحِبِّي: (وأمَّا القَولُ فيهم من جِهةِ الاعتِقادِ فهم والنُّصَيريَّةُ والإسماعيليَّةُ على حَدٍّ سَواءٍ، والجَميعُ زَنادِقةٌ ومَلاحِدةٌ)، ثُمَّ نَقَلَ عن كثيرٍ من أهلِ العِلمِ أنَّهم قالوا: إنَّ كُفرَ هذه الطَّوائِفِ مِمَّا اتَّفَقَ عليه المُسلِمونَ، وأنَّ من شَكَّ في كُفرِهم بَعدَ العِلمِ بحالِهم فهو كافِرٌ مِثلُهم، وأنَّهم أكفَرُ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى
[3052] ((خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر)) (3/ 268). ويُنظر أيضًا: ((مقدمة كشف أسرار الباطنية)) للكوثري (ص: 9). .
وقال
مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ: (إنَّ بَني عُبَيدٍ لمَّا أظهَروا الشِّركَ ومُخالَفةَ الشَّريعةِ، وظَهَرَ منهم ما يَدُلُّ على نِفاقِهم وشِدَّةِ كُفرِهم، أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّهم كُفَّارٌ يَجِبُ قِتالُهم، وأنَّ دارَهم دارُ حَربٍ؛ ولذلك غَزاهم المُسلِمونَ، واستَنقَذوا ما بأيدهم من بُلدانِ المُسلِمينَ)
[3053] ((مختصر سيرة الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (ص: 33). .
فتبيَّن بما تَقدَّمَ من خِلالِ عَرضِ مُعتَقَداتِ الإسماعيليَّةِ وأقوالِ أهلِ العِلمِ في شَأنِهم أنَّ الإسماعيليَّةَ طائِفةٌ باطِنيَّةٌ، وأنَّها مِنَ الفِرَقِ المُنتَسِبةِ للإِسلامِ زُورًا، وهي خارِجةٌ عن الفِرَقِ الإسلاميَّةِ، وليسوا مِنَ الفِرَقِ الاثنَتَينِ والسَّبعينَ الضَّالَّةِ الهالِكةِ التي ورَدَ فيها الحَديثُ الصَّحيحُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[3054] حديث ((ألَا إنَّ من قَبْلَكم من أهلِ الكِتابِ افتَرَقوا على اثنتينِ وسبعين مِلَّةً، وإنَّ هذه المِلَّةَ ستَفترِقُ على ثلاثٍ وسبعين؛ اثنتانِ وسبعون في النَّارِ، وواحِدةٌ في الجنَّةِ، وهي الجماعةُ)). أخرجه أبو داود (4597) واللفظ له، وأحمد (16937) من حديثِ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (443)، وشعيب الأرناؤوط بشواهِده في تخريج ((سنن أبي داود)) (4597)، وحسَّنه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4597)، وحسَّنه لغيره الوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (577)، وحسَّن إسنادَه ابنُ كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/27). ، بل هم أشَدُّ ضَلالًا منها. واللهُ المُستَعانُ.