تَمهيدٌ: تَكتُّمُ النُّصَيريَّةِ على عَقائِدِهم
للنُّصَيريَّةِ عَقائِدُ كثيرةٌ بَعضُها ظاهرٌ وبَعضُها -وهو الأكثَرُ- لا يزالُ في طَيِّ الكِتمانِ، فيَعتَبِرُ النُّصَيريُّونَ ديانَتَهم ومَذهَبَهم سِرًّا مِنَ الأسرارِ العَميقةِ التي لا يجوزُ إفشاؤُها لسِواهم، وقَرَّروا أنَّ الذي يُفشي شيئًا منها يكونُ جَزاؤُه القَتلَ في أسوأِ صورةٍ له؛ لأنَّه أفشى سِرَّ العَليِّ الأعلى، ومِن أمثِلةِ ذلك أنَّ سُليمان أفندي الأَدَنيُّ-وهو مِن أبناءِ مَشايِخِالنُّصَيريَّةِ- تَنَصَّرَ بتَأثيرِ بَعضِالمُنَصِّرينَ الأمريكيِّينَ وجاءَ إلى اللَّاذِقيَّةِ. والأَدَنيُّ نِسبةًإلى مَدينةِ أَدَنةَ، وهي مَدينةٌ تُركيَّةٌ تُسَمَّى حاليًّا أضنةَ، وكتَبَ كتابًا سَمَّاه (الباكورةَ السُّليمانيَّةَ في كشفِ أسرارِ الدِّيانةِ النُّصَيريَّةِ) وكشفَ فيها الكثيرَ مِن أسرارِ العَقيدةِ النُّصَيريَّةِ، وطَبَعَ المُنَصِّرونَ الأمريكيُّونَ الكِتابَ في بَيروتَ سَنةَ 1863م. وبَعدَ أن قامَ باللَّاذِقيَّةِ مُدَّةً أخَذَ أقارِبُه يُراسِلونَه ويُحَبِّبونَ إليه العَودةَ إليهم، مُستَعملينَ في ذلك كُلَّ وسائِلِ التَّودُّدِ والمُجامَلةِ، حتَّى آمَنَ جانبَهم وعادَ إلى وطَنِه الأصليِّ، فكان جَزاؤُه أن أحرَقوه حيًّا، ثُمَّ حاول النُّصَيريُّونَ بكُلِّ جُهدٍ وعَزمٍ احتِواءَ الكِتابِ حتَّى اختَفى تدريجيًّا
[3591] يُنظر: ((دائرة معارف القرن العشرين)) لفريد وجدي (10/249،250)، ((العلويون)) للعسكري (ص: 63)، ((اكتفاء القنوع بما هو مطبوع)) لإدوارد كرنيليوس فانديك (ص: 510). .وتوجَدُ مِن هذا الكِتابِ نُسخةٌ مُصَوَّرةٌ بطِباعةٍ قديمةٍ، وتَقَعُ في (119) صَفحةً.
وهَكذا فإنَّهم يتَرَصَّدونَ لكُلِّ مَن يذكُرُ عنهم شيئًا أو يُشيرُ إلى عَقائِدِهم، ولا يملكونَ مِن وسائِل الدِّفاعِ والرَّدِّ غَيرَ التَّصفيةِ الجَسَديَّةِ؛ لعِلمِهم بأنَّ مَذهَبَهم عَوراتٌ لا تَحتَمِلُ النِّقاشَ وعَرْضَ الأدِلَّةِ، فهي أقنِعةٌ واهيةٌ سُرعانَ ما يظهَرُ ما وراءَها وينكشِفُ، ومِن هنا فإنَّهم ليسوا على استِعدادٍ لأيِّ بَحثٍ ومُناظَرةٍ.
ومِمَّا وُجِدَ في هذا الكِتابِ:
1- أنَّ النُّصَيريَّةَ يعتَقِدونَ بأُلوهيَّةِ الإمامِ عَليٍّ، والشَّماليَّةُ منهم يقولونَ: إنَّه حالٌّ في القَمَرِ. والكلازيَّةُ يذهَبونَ إلى أنَّه حالٌّ في الشَّمسِ؛ ولهذا فهم يُقدِّسونَ الشَّمسَ والقَمَرَ وسائِرَ النُّجومِ.
2- أنَّ النُّصَيريَّةَ يعتَقِدونَ بتَناسُخِ الأرواحِ؛ فالأرواحُ الصَّالحةُ عِندَهم تَحِلُّ في النُّجومِ؛ ولهذا يُسَمُّونَ عَليًّا أميرَ النَّحلِ، أي: أميرَ النُّجومِ، والأرواحُ الشِّرِّيرةُ تَحِلُّ في أجسامِ الحَيواناتِ التي هي في نَظَرِهم نَجِسةٌ، كالخَنازيرِ والقُرودِ وبَناتِ آوى.
3- أنَّ لدَيهم كلمةَ السِّرِّ مُكوَّنةً مِن ثَلاثةِ أحرُفٍ، هي: ع.م.س، أي: عَليٌّ، ومُحَمَّدٌ، وسَلمانُ.
4- أنَّللنُّصَيريَّةِ كِتابًا مُقدَّسًا يعتَمِدونَه ويرجِعونَ إليه، وهو غَيرُ القُرآنِ، ولا يحتَلُّ القُرآنُ عِندَهم إلَّا مكانًا ثانويًّا
[3592] يُنظر: ((دائرة معارفالقرن العشرين)) لفريد وجدي (10/249،250)، ((العلويون)) للعسكري (ص: 63).ويُنظر: ((الباكورة السليمانية)) للأدني (ص: 25- 29، و81- 83). .
وعن تَشَدُّدِ النُّصَيريِّينَ مَعَ كُلِّ مَن يُحاوِلُ كَشْفَ أسرارِهم، قال الحَلبيُّ: (وفي ظَنِّي أنَّ الصَّحَفيَّ سَليم اللوزيَّ صاحِبَ الحَوادِثِ -قُتِل سَنةَ 1400هـ- لم يُقتَلْ إلَّا لأنَّه كتَبَ مقالًا كشف فيه عن نُفوذِ العَلويِّينَ في طَرابُلُسَ لُبنان... وعن تَنظيمِهمُ المُسَلَّحِ الذي يتَزَعَّمُه عَلي عيد)
[3593]يُنظر: ((طائفة النصيرية)) (ص: 43). .
وأمثِلةٌ أُخرى كثيرةٌ تَدُلُّ على أنَّ هؤلاء ليسوا على يقينٍ مِن صَلاحيةِ ديانَتِهم وصَفائِها، وأنَّهم يعلمونَ أنَّها قامَت على شَفا جُرُفٍ هارٍ، مَملوءةً بالخِداعِ والتَّضليلِ، وتَبييتِ النِّيَّةِ السَّيِّئةِ لغَيرِهم مِنَ البَشَرِ.
فإنَّ مَن كانت نيَّتُه طَيِّبةً ومُبادِئُه سَليمةً لا يتَخَوَّفُ من أحَدٍ أن يطَّلِعَ عليها، بَل يفرَحُ بكثرةِ المُطَّلعينَ، كما هو الحالُ عِندَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ الذين يتَمَنَّونَ لو أنَّ أهلَ الأرضِ كُلَّهم يدرُسونَ مبادِئَهم ويطَّلِعونَ عليها، بَل إنَّهم بالعَكسِ يشعُرونَ دائمًا بالمَرارةِ مِن مُحارَبةِ عُلماءِ السُّوءِ وزُعَماءِ الضَّلالِ لأفكارِهمُ التي هي تَبَعٌ لأوامِرِ اللهِ ونَواهيه في كِتابِه الكريمِ.
وسَبَبُ تلك العَداوةِ مِن قِبَلِ أولئِك الضُّلَّالِ المُنتَفِعينَ: أنَّهم يعلمونَ تمامًا أنَّ العَقيدةَ الصَّحيحةَ حينَما تَصِلُ إلى قُلوبِ أتباعِهم تَحولُ فورًا بَينَهم وبَينَ الخُضوعِ والسُّجودِ لأولئِك الطُّغاةِ. ومِن هَنا كانت السِّرِّيَّةُ هي أهَمَّ ما يُطالَبُ به الدَّاخِلُ في مِلَّتِهم.
وقد جاءَ في الهَفتِ الشَّريفِ
[3594] هو كتاب عن فضائلِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ رواه المفضَّلُبنُ عُمَرَ الجعفيُّ، وهو مطبوعٌ بتحقيقِ مصطفى غالب. أنَّ
جَعفرًا الصَّادِقَ قال للمُفضَّلِ الجعفيِّ: (يا مُفضَّلُ، لقد أعطِيتَ فضلًا كثيرًا وتَعَلَّمتَ عِلمًا باطنًا فعليك بكِتمانِ سِرِّ اللهِ، ولا تُطلِعْعليه إلَّا وليًّا مخلِصًا، فإن فشيتَه إلى أعدائِنا فقد أعَنْتَ على قَتلِ نَفسِك)
[3595] ((الهفت)) (ص: 102). .
وفي رِوايةٍ: (وأنَّ هذا العِلمَ يا مُفضَّلُ سِرُّ اللهِ ومَكنونُ خَزائِنِه الذي لم يطَّلعْعليه أحَدٌ مِن عِبادِه إلَّا الأولياءُ المُختَصُّونَ، وواجِبٌ سُبحانَه وتعالى أن لا يتَطَلَّعَ على هذا العِلمِ الرَّعاعُ الأنجاسُ، ثُمَّ قَرَأ:
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن: 26-27] )
[3596] ((الهفت)) (ص: 158). .
وكُلُّ هذا كذِبٌ على
جَعفرٍ الصَّادِقِ.