المَطلَبُ الرَّابعُ: تَعظيمُهم لسَلمانَ الفارِسيِّ رَضِيَ اللهُ عنه والأيتامِ الخَمسةِ
إنَّ النُّصَيريَّةَ لهم ثالوثٌ يُؤمِنونَ به، وهو: (ع. م. س).
فالعَينُ: هو عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وهو المَعنيُّ بالذَّاتِ الإلهيَّةِ، والميمُ: هو مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو الاسمُ والحِجابُ والنَّبيُّ النَّاطِقُ، أمَّا السِّينُ: فهو سَلمانُ الفارِسيُّ رَضِيَ اللهُ عنه، وهو البابُ الذي خَلقَه -كما يزعُمونَ- مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبالتَّالي هو الذي خَلقَ الأيتامَ الخَمسةَ الذين بيدِهم مَقاليدُ السَّماواتِ والأرضِ!
ومِمَّا يُذكَرُ في هذا المَقامِ أنَّ سَلمانَ فارِسيُّ الأصلِ مِن صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنَّه يحتَلُّ مَكانًا عَظيمًا وجَليلًا عِندَ جَميعِ طَوائِفِ الشِّيعةِ على اختِلافِ عَقائِدِها وأسمائِها؛ لأنَّهم يزعُمونَ أنَّه مِنَ الصَّحابةِ القَلائِلِ الذين ناصَروا وشايعوا عَليًّا ووقَفوا إلى جانِبِه في حَياةِ الرَّسولِعليه الصَّلاةُ والسَّلام، وكذلك في عَهدِ
أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ، وهذا الأمرُ واضِحٌ في كُتُبِ الشِّيعةِ جَميعِهم، التي تَأتي بقِصَصٍ مُختَلَقةٍ ليسَ لها أيُّ أساسٍ تاريخيٍّ بَطَلُها الحَقيقيُّ سَلمانُ في مَوقِفِ الدِّفاعِ عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ ضِدَّ أعدائِه مِن صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما تُصَوِّرُ هذه القِصَصُ!
أمَّا الأيتامُ الخَمسةُ الذين ورَدَ ذِكرُهم فهم أيضًا مِنَ الصَّحابةِ المُعَظَّمينَ عِندَ الشِّيعةِ، وهؤلاء هم:
المِقدادُ، و
أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ، وعَبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ، وعُثمانُ بنُ مَظعونٍ، وقَنْبَرُ بنُ داكانَ، وجَميعُهم مِنَ الصَّحابةِ ما عَدا قَنْبَرًا؛ فإنَّه خادِمُ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنهم جَميعًا.
وقد أخَذَتالنُّصَيريَّةُ عنِ الشِّيعةِ هذا التَّعظيمَ لهؤلاء، ولكِن بوجهٍ آخَرَ: وهو اعتِبارُ سَلمانَ والأيتامِ الخَمسةِ همُ الذين خَلَقوا العالمَ، والموكَّلونَ بأُمورِه!
فسَلمانُ في نَظَرِهم هو النَّفسُ الكُلِّيَّةُ التي انبَثَقَت مِنَ العَقلِ -مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ويعتَقِدونَ أنَّ سَلمانَ أوِ النَّفسَ الكُلِّيَّةَ هي التي خَلقَتِ السَّمَواتِ والأرضَ وخَلقَت كذلك الأيتامَ الخَمسةَ، والمِقدادُ باعتِبارِه أوَّلُ الأيتامِ الخَمسةِ فقد خَلقَ النَّاس؛ ولذلك فهو رَبُّ النَّاسِ -تعالى اللهُ عَمَّا يقولونَ-!
وهذا الاعتِقادُ في الواقِعِ دَخيلٌ مِن عِدَّةِ مَذاهبَ واعتِقاداتٍ؛ لذا يجِبُ رَبطُه بصورةٍ طَبيعيَّةٍ بالفلسَفةِ الأفلاطونيَّةِ الحَديثةِ: التي تَقومُ على أنَّ المَوجوداتِ فاضَت عنِ الواحِدِ، ولها مَراتِبُ مُختَلِفةٌ أعلاها مَرتَبةُ العُقولِ المُفارِقةِ
[3636] يُنظر: ((المعجم الفلسفي)) لجميل صليبا (2/ 72). .
ورَبطُه كذلك بمَذهَبِ الصَّابئةِ الذي يقولُ: إنَّ للعالمِ صانِعًا فاطِرًا نَتَقَرَّبُ إليه بالمُتَوسِّطاتِ المُقَرَّبينَ لدَيه، وهمُ الرُّوحانيُّونَ المُطَهَّرونَ المُقدَّسونَ لدَيهم، وهم أيضًا الأربابُ والآلهةُ والشُّفَعاءُ عِندَ اللهِ رَبِّ الأربابِ، والموجِّهونَ للمَخلوقاتِ
[3637] يُنظر: ((دائرة المعارف الإسلامية)) (14/ 89- 91). .
وينبَغي أيضًا كما قال المُستَشرِقُ ماسينيون: أن نُقارِنَ بَينَ قائِمةِ الأيتامِ عِندَالنُّصَيريَّةِ وقائِمةِ الحُدودِ الهنديَّةِ أوِ العَذارى الحَكيماتِ لسُليمانَ
[3638] يُنظر: ((دائرة المعارف الإسلامية)) (14/ 89- 91). .
فسَلمانُ حَسَبَ زَعمِهم: خالقُ السَّماواتِ والأرضِ، وهو أيضًا (البابُ النَّاطِقُ والشَّبَحُ اللَّاصِقُ الذي لا يوصَلُ إليه -أي إلى اللهِ- إلَّا به، ولا يُدخَلُ إليه -أي: اللهِ- إلَّا منه، مُتَّصِلٌ غَيرُ مُنفصِلٍ)
[3639] ((مسائل عن المراتب)) -مخطوط- (ورقة 55 ب). .
ويزعُمونَ أيضًا أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَنزِلةِ الأبِ لهذه الأُمَّةِ، وسَلمانُ بمَنزِلةِ الأُمِّ
[3640] ((مخطوط مناظرة الشيخ يوسف الحلبي)) (ورقة 92 ب). ،والذي عَلمَ القُرآنَ لمُحَمَّدٍ، هو المَعنى، أي: عَليٌّ، على لسانِ البابِ، وهو سَلمانُ
[3641] ((تعليم الديانة النصيرية)) -مخطوط- (ورقة 16 أ). بصِفتِه جِبرائيلَ!