المَبحَثُ الثَّاني: أبرَزُ الشَّخصيَّاتِ في الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ
من أبرَزِ الشَّخصيَّاتِ المَشهورةِ والبارِزةِ في تاريخِ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ:1- مُحيي الدِّينِ أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُعَليٍّ البطائِحيُّ (ت: 609هـ).وهو المَعروفُ بإبراهيمَ الأعزَبِ في طَبَقاتِ وتَراجِمِ الرِّفاعيَّةِ، وهو ابنُ مُهَذَّبِ الدَّولةِ عَليِّ بنِ عُثمانَ الحُسَينيِّ، وُلِدَ سَنةَ 546هـ، واختُلِفَ في صِلتِه بالشَّيخِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ؛ فقيل: هو ابنُ أختِ الشَّيخِ
[523] يُنظر: ))سلم الوصول إلى طبقات الفحول)) لحاجي خليفة (4/ 196). ، وقيل: هو ابنُ ابنَتِه فاطِمةَ، وهو الأقرَبُ
[524] يُنظر: ((الأسرار الإلهية شرح القصيدة الرفاعية)) للألوسي (ص 232)، ((قلائد الزبرجد على حكم مولانا الغوث الرفاعي أحمد)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 104). . وإليه انتَهَت رِئاسةُ الطَّائِفةِ في وقتِه. وتوُفِّيَ في أمِّ عُبَيدةَ، ودُفِنَ في قُبَّةِ جَدِّه أحمَدَ الرِّفاعيِّ
[525] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: ٨٥- ٩٠)، ((تنوير الأبصار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: ٣٣-٣٦). .
2- أبو العَبَّاسِ عِزُّ الدِّينِ أحمَدُ الفاروثيُّ (ت: 694).هو أحمَدُ بنُإبراهيمَ بنِ عُمَرَ بنِ الفرَجِ بنِ أحمَدَ بنِ سابورَ بنِ عَليِّ بنِ غنيمةَ الواسِطيُّ المُصطَفَويُّ الرِّفاعيُّ المُقرِئُ. وقد وُلدَ سَنةَ 614هـ.
ومن مُؤَلَّفاتِه: (النَّفحةُ المِسكيَّةُ في السُّلالةِ الرِّفاعيَّةِ الزَّكيَّةِ)، و(إرشادُ المُسلمينَ لطَريقةِ شَيخِ المُتَّقينَ)، و(درياقُ المُحِبِّينَ). وتوُفِّيَ في واسِطٍ
[526] يُنظر: مقدمة ((إرشاد المسلمين لطريقة شيخ المتقين للفاروثي)) لأحمد جحا (ص: 9- 19). ويُنظر أيضًا: ((معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار)) للذهبي (ص:371، 372). .
3- أبو مُحَمَّدٍ شَمسُ الدِّينِ عَبدُ الكَريمِ الواسِطيُّ (ت: 769هـ).هو عبدُ الكريمِ بنُصالح عبدالرَّزَّاقِ. ولِدَ سَنةَ 723هـ، وتَعَلَّمَ على مُحَمَّد عَبد العَظيمِ المُنذِريِّ، وعِزِّ الدِّينِ الفاروثيِّ، يُلقِّبُه الرِّفاعيَّةُ بالشَّريفِ القُطبِ الغَوثِ صاحِبِ الزَّمانِ. دُفِنَ بفَمِ الدَّيرِ بالبَصرةِ. وله أشعارٌ فيها غُلوٌّ في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[527] ((تنوير الأبصار في طبقات السادة الرفاعية الأخيار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 62، 63). .
وقالوا عنه: (أتقَنَ عِلمَ الظَّاهرِ والباطِنِ، واشتَغَل باللهِ، وقَرَأ الدُّروسَ العَديدةَ، ونُدِبَ إلى المَناصِبِ والقَضاءِ فأبى)
[528] ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 211). .
4- أبو المَعالي مُحَمَّد سِراجُ الدِّينِ الرِّفاعيُّ المَخزوميُّ (ت: 885هـ).ذكر أبو الهدى الصَّيَّاديَّأنَّه: (القُطبُ الغَوثُ الفَردُ الجامِعُ أبو المَعالي... نَزيلُ بَغدادَ ودفينُها)
[529] ((خزانة الأمداد)) لعز الدين الصياد (ص: 78). . وقد وُلِد سَنةَ 793هـ
[530] يُنظر: ((تنوير الأبصار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 70، 71). .
وقال عنه: (كان السَّيِّدُ سِراجُ الدِّينِ المَخزوميُّ الرِّفاعيُّ شَيخَ الإسلامِ في زَمانِه... وغاصَ في أسرارِ الحَقائِقِ الطَّريقيَّةِ، وألَّف كُتُبًا صالحةً؛ منها: سِلاحُ المُؤمنِ في الحَديثِ، جَمع به من آثارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأخبارِه الصَّحيحةِ ما يُنَوِّرُ القُلوبَ، ويَدفعُ الكُروبَ، ويُصلحُ العِوجَ، ويُقرِّبُ بإذنِ اللهِ فتحَ أبوابِ الفرَجِ. ومن مُؤَلَّفاتِه: «البَيانُ في تَفسيرِ القُرآنِ»، و«النُّسخةُ الكُبرى فيما خاضَ به أهلُ عِلمِ الحِرَفِ» و«جَلاءُ القَلبِ الحَزينِ» في التَّصَوُّفِ، وهو كِتابٌ جَليلٌ مَشحونٌ بأخبارِ جَدِّه سَيِّدِنا تاجِ الأولياءِ أبي العَلَمينِ السَّيِّدِ أحمَدَ الكَبيرِ الرِّفاعيِّ الحُسَينيِّ، وغَيرِ ذلك. وله كَلامٌ عالٍ على لسانِ أهلِ الحَقائِقِ، وشِعرٌ جَليلٌ شَفَّ به ما تَضمَّنه كلامُ القَومِ منَ الدَّقائِقِ)
[531] ((خزانة الأمداد)) (ص: 78). .
وبَعضُ الباحِثينَ يَقولُ بأنَّه شَخصيَّةٌ وهميَّةٌلا وجودَ لها.
قال عَبدُ الرَّحمَنِ الشَّايعُ في كِتابه (جِنايةُ الصَّيَّاديِّ على التَّاريخِ) عن سِراجِ الدِّينِ الرِّفاعيِّ: (تَرجَمَ الصَّيَّاديُّ له في تَنويرِ الأبصارِ
[532] (ص: 71) وما بعدها. ، وفي الرَّوضِ البـَسَّامِ
[533] (ص: 544-546). ، وفي قِلادةِ الجواهِرِ
[534] (ص: 357) وما بعدها. تَراجِمَ نَصَّ فيها على أنَّه مَولودٌ سَنةَ 793هـ، ومُتَوفًّى سَنةَ٨٨٥هـــــ عن ۹۲ سنةً، وكان ممَّا نَقَله في تَرجَمَتِه أنَّ الوتَريَّ في مَناقِبِ الصَّالحين تَرجَمَه، فكان ممَّا قاله الوتَريُّ ناقلًا عنِ الـــدُّرِّ السَّاقِط: «نَزَل الشَّامَ وأقامَ مُدَّةً بدِمَشقَ وخاطَبَه مُلوكُها بشَيخِ الإسلامِ، ودَخل مِصرَ واجتَمَعَ على السِّراجِ البُلقينيِّ وتَلقَّى عنه شيئًا من عِلمِ الشَّريعةِ، والبُلقينيُّ تَلقَّى عنِ المَخزوميِّ الطَّريقةَ الرِّفاعيَّةَ، فكِلاهما شَيخُ الآخَرِ من طَريقٍ،... ماتَ ببَغدادَ سَنةَ خَمسٍ وثَمانينَ وثَمانمِائةٍ، وله منَ العُمرِ اثنَتانِ وتِسعونَ سَنةً».
وسِراجُ الدِّينِ البُلقينيُّ المِصريُّ هو الحافِظُ المَعروفُ سِراجُ الدِّينِ أبـــو حَفصٍ عُمَرُ بنُرَسلانَ الشَّافِعيُّ المِصريُّ «ت 805هـ»، وهو شَيخُ الحافِظِ ابنِ حَجرِ العَسقَلانيِّ. وإذا غَضَضْنا النَّظَرَ عن رَجُلٍ لُقِّبَ بشَيخِ الإسلامِ ثمَّ لم يَعرِفْه جَميعُ عُلماءِ عَصرِه فلم يَذكُروه لا بثَناءٍ ولا بذَمِّ، ومِن أوعاهم وأجمَعِهمُ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في كِتابِه «إنباءُ الغُمْر»، والسَّخاويُّ «ت ۹۰۲هـ» في «الضَّوءُ اللَّامِعُ» والبِقاعيُّ «ت 885هـ» في «عُنوانُ الزَّمانِ-مَخطوطٌ»؛ فلنا أن نَقولَ: إذا كان سِراجُ الدِّينِ البُلقينيُّ مُتَوفًّى سَنةَ «805هـ» فإنَّ عُمرَ المَخزوميِّ صاحِبِ «صِحاحِ الأخبارِ» في سَنةِ وفاتِه اثنَتا عَشرةَ سَنةً فهو مَولودٌ كمـا يَزعُمُ الصَّيَّاديُّ سَنةَ «793هـ»، فيَكونُ صاحِبُ «صِحاحُ الأخبارِ» أيضًا -مَعَ ما تَقدَّمَ من نَقلِه عن كُتُبٍ لم تُؤَلَّفْ إلَّا بَعدَه بقُرون- قد رَحَل إلى الشَّامِ ومِصرَ وخاطبَتْه المُلوكُ بشَيخِ الإسلامِ وتَتَلمَذَ عليه حافظُ عَصرِه البُلقينيُّ، وهو في كُلِّ ذلك صَبيٌّ لم يَبلُغِ الثَّانيةَ عَشرةَ! فهل بُرهانٌ على كَذِبِ الصَّيَّاديِّ أبيَنُ من هذا؟! فهذه كُلُّها أدِلَّةٌ على أنَّ هذا المَخزوميَّ لا وجـودَ لـه إلَّا في مخَيِّلةِ الصَّيَّاديِّ)
[535] يُنظر: ((جناية الصيادي على التاريخ)) (ص: 60، 61). .
5- مُحَمَّد بُرهان بنُ حَسَن الغَوَّاص الصَّيَّاديُّ (ت: 1054هـ).وُلِد في البَصرةِ سَنةَ 1009هـ، ونَعتَه الرِّفاعيَّةُ بأنَّه: (الوليُّ الأعظَمُ والأستاذُ الأكبَرُ المُكَرَّمُ شَيخُ الدَّوائِرِ تاجُ الأكابِرِ، قُطبُ العَصرِ، بَرَكةُ الدَّهرِ، شَيخُ الإسلامِ والمُسلمينَ، عَلمُ خُلَّصِ العارِفينَ، رَبُّ المُحاضَراتِ الغَيبيَّةِ والمُشاهَداتِ القَلبيَّةِ... من آلِ سَيِّد الوُجودِ، أجَلُّ الصُّوفيَّةِ إمامُ الرِّفاعيَّةِ نادِرةُ الزَّمانِ... قائمًا بإحياءِ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ قُطبًا كبيرًا...)
[536] ((تنوير الأبصار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 84). .
ومن مُؤَلَّفاتِه: (إرشادُ المُسلمينَ)، (طَريقُ الخَلْقِ إلى مَعرِفةِ الحَقِّ) وغَيرُها، ودُفنَ في الشَّامِ
[537] ((تنوير الأبصار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 84). ويُنظر له أيضًا: ((خزانة الأمداد)) (ص: 111). .
6- بَهاءُ الدِّينِ مُحَمَّد مَهدي الصَّيَّاديُّ (ت: 1287هـ).هو مُحَمَّد مَهدي بنُ عَليِّ بنِ نورِ الدِّينِ الرِّفاعيُّ الشَّهيرُ بـالرَّوَّاسِ، وُلدَ سَنةَ 1220ه، وفي بَعضِ كُتُبِه المَنسوبةِ إليه رَفع نَفسَه إلى مَرتَبةِ الغوثيَّةِ الكُبرى، ودَعا النَّاسَ إلى طَريقَتِه واقتِفاءِ أثَرِه، وزَعم أنَّه سالِكُ سَبيلِ جَدِّه مُؤَسِّسِ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ، ولكِنَّه جاءَ بما لم يَسبِقْه أحَدٌ منَ الدَّعاوي في عُلوِّ مَنزِلتِه
[538] يُنظر: ((الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة)) لعبد الخالق (ص: 378). ويُنظر: ((تنوير الأبصار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 122). .
ومن مُؤَلَّفاتِه المَزعومةِ: (فصلُ الخِطابِ فيما تَنَزَّلت به عِنايةُ الكَريمِ الوهَّابِ) و(بارِقُ الحِمى كَشْف الغَينِ عنِ العَينِ) و(ديوانُ مِشكاةِ اليَقينِ ومَحَجَّةِ المُتَّقينَ) و(المَجموعةُ النَّادِرةُ لأبناءِ الآخِرةِ)
[539] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (7/ 114). .
ومن مُؤَلَّفاتِه رِسالةٌ باسمِ (الدُّرَّةُ البَيضاءُ):وهي كُرَّاسةٌ صَغيرةٌ مَلأها بالافتِراءِ، وبَدَأها بقَولِه: (أمَرَني بكِتابَتِها وإذاعَتِها حَبيبي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[540] ((المجموعة النادرة)) للرواس (ص: 8). .
وزَعَمَ في هذه الرِّسالةِ أنَّ اللهَ خَلقَ الرَّسولَ من نورِه
[541] يُنظر: ((المجموعة النادرة)) للرواس (ص: 15). . وزَعَمَ أنَّ آلَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أجزائِه النُّورانيَّةِ
[542] يُنظر: ((المجموعة النادرة)) للرواس (ص: 26). .
ومن جُملةِ مَزاعِمِه في هذه الكُرَّاسةِ دَعوةُ النَّاسِ إلى الاستِمدادِ وطَلَبِ الإغاثةِ والإعانةِ منَ الأنبياءِ والأولياءِ
[543] يُنظر: ((المجموعة النادرة)) للرواس (ص: 18). . فدَعا بذلك إلى الشِّركِ باللهِ سُبحانَه وتعالى.
وقَسَّمَ في هذه الرِّسالةِ الأولياءَ فجَعل منهمُ المَجاذيبَ وأهلَ الشَّطحِ والأمِّيِّينَ. وجَعَل نَفسَه في آخِرِ هذه الكُرَّاسةِ أفضَلَ الأولياءِ في زَمنِه على الإطلاقِ؛ حَيثُ قال عن نَفسِه: (الاختِصاصُ رَحمةٌ منَ اللهِ تعالى للعَبدِ لا بسَعيٍ ولا بعَمَلٍ، ولا برَأيٍ ولا بجَعلٍ، يَختَصُّ اللهُ برَحمَتِه مَن يَشاءُ، واللهُ ذو الفضلِ العَظيمِ: هو عَطاءٌ رَبَّانيٌّ، ومَنحٌ صَمَدانيٌّ، وفضلٌ أسبغُ في القِدَمِ، قَبلَ أن تَتَعَيَّنَ النَّسَمُ، والعِنايةُ قَسَمٌ، فأهلُ الاختِصاصِ جَذَبَتهم يَدُ المَشيئةِ الرَّبَّانيَّةِ بمَحضِ الفضلِ والعِنايةِ الصَّمَدانيَّةِ، إلى أقصى المَراتِبِ العَليَّةِ، وهذا المَنحُ الباهِرُ، والفضلُ الوافِرُ، هو اليَومَ حِصَّتي، ومنَصَّتُه منَصَّتي، أقامني اللهُ في هذه المَنزِلةِ إمامًا، واختارَني لرُتبةِ هذه الخُصوصيَّةِ ختامًا، وكَشفَ لي مُخَبَّآتِ الغَيبِ باطِّلاعٍ من كَرَمِه، وجَليلِ نِعَمِه، ففَهِمتُ أسرارَ الرُّموزِ الفُرقانيَّةِ وسَبَرتُ خَفايا دَقائِقِ البُطونِ القُرآنيَّةِ، ولم تَبرَحْ تَتَرَقَّى همَّتي بكَشفِ تلك الحُجُبِ اللَّطيفةِ، وبشِقِّ ديباجاتِ هاتيك المَحاضِرِ الشَّريفةِ، فأنا اليَومَ -ولرَبِّي الحَمدُ والشُّكرُ، وله الإحسانُ والبرُّ- كَنزُ الفُيوضاتِ الطَّاهرةِ المُحَمَّديَّةِ، وسِجِلُّ العُلومِ المُقدَّسةِ النَّبَويَّةِ، وهذه النَّوبةُ نَوبَتي، تَتَقَلَّبُ في وراثِ مَنزِلتي، وخُدَّامِ قَدَمي إلى ما شاءَ اللهُ، بهذا بُشِّرتُ من صاحِبِ الوعدِ الصَّادِقِ، وقَرَأتُه في صُحُفِ الرُّموزاتِ العَلويَّةِ التي طَفحَت بدَقائِقِ الحَقائِقِ، سيُنشَرُ عِلمُ ظُهورِ حالي بَعدَ هذا الخَفاءِ في الأكوانِ، ويَبرُزُ بُروزَ الشَّمسِ مِن بَطنِ ليلِ الطَّمسِ للعِيانِ، وتَعكُفُ على بابي القُلوبُ والأرواحُ، ويَسري سِرُّ إرشادي في الجِبالِ والأوديةِ والبِطاحِ، ولم يَمَسَّ شَأنَ نَهجي المُبارَكِ غُبارٌ دُنيَويٌّ، ولم يَرجِعْ منه حَرفٌ إلى قَصدٍ نَفسانيٍّ، بل كُلُّه للَّهِ)
[544] ((المجموعة النادرة)) للرواس (ص: 37). .
وبَعدَ أن مَدَحَ نَفسَه بكُلِّ ما استَطاعَ من نُعوتٍ قال: (جاءَت لي بذلك البُشرى المُحَمَّديَّةُ الصَّحيحةُ والعِنايةُ النَّبَويَّةُ الصَّريحةُ بوساطةِ روحِ سُلطانِ الأولياءِ وزَعيمِهم وسَيِّد منَصَّتِهم وكَريمِهم مَولانا السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ الحُسَينيِّ)
[545] ((المجموعة النادرة)) للرواس (ص: 37). .
ومن مُؤَلَّفاتِه أيضًا: رِسالةٌ باسمِ (برقمةُ البُلبُلِ)قال في أوَّلِها:إنَّه كان في سَنةِ 1252هـ في مَكَّةَ المُكَرَّمةِ في بَيتِ اللهِ الحَرامِ، وأنَّه سَمعَ بلبلًا يَتَكَلَّمُ مَعَ بُلبُلٍ آخَرَ، وعلى حَدِّ تَعبيرِه (يُبَرْقِم) بلُغةٍ فَهِمَها؛ لأنَّه زَعَمَ أنَّ رجلًا من رِجالِ الغَيبِ كان قد عَلَّمَه لُغةَ البلابِلِ، فزَعَمَ أنَّ أحَدَ البُلبُلينِ كان يَتَكَلَّمُ مَعَ صَديقِه فأخبَرَه أنَّ أولادَ آدَمَ كُلُّهم مُكَرَّمونَ، وجَميعُهم مَرحومونَ وأنَّه لا يَجوزُ أن نَحتَقِرَ ذَرَّةً واحِدةً منهم، وأنَّ منهم أيضًا أولياءَ عارِفينَ، وأنَّ من هؤلاء الأولياءِ قِسمًا يَتَصَرَّفونَ في العالمِ، ومن جُملةِ ما يَتَصَرَّفونَ فيه الطَّيرُ، فيَقولُ البُلبُلُ لصَديقِه (ومنهمُ المُتَصَرِّفونَ فيَّ وفيك وفي عالمِ الأكوانِ، والنَّائِبونَ بإذنِ اللهِ عن نَبيّ الرَّحمَنِ)، ثمَّ يَستَطرِدُ الصَّيَّاديُّ الرِّفاعيُّ في ذلك فيَزعُمُ أنَّ أحَدَ البلابِلِ قال لصَديقِه: إنَّ هذا الرَّجُلَ المُلتَحِفَ بكِسائِه الرَّثِّ المُستَقبِلَ الكَعبةَ (يَعني نَفسَه) هو من آلِ الرَّسولِ، وقد فهمَ لُغَتَنا وعَرَف ما قُلناه، وهو نائِبُ الرَّسولِ الآنَ في هذا الوقتِ، وهو عالمُ الزَّمانِ وشَيخُ الأوانِ. فقال البُلبُلُ الآخَرُ: إذَن تَعالَ نَتَبَرَّكْ به ونُقَبِّلْ قدَمَيه!
ويَستَطرِدُ الصَّيَّاديُّ الرِّفاعيُّ قائلًا: إنَّ البُلبُلينِ جاءا إليه، وعَكَفا عليه، وسَألاه الدُّعاءَ، وأنَّهما أخبَراه بَعدَ ذلك أنَّه إمامُ الدِّينِ، وسَيِّدُ الأولياءِ، وإنَّ نورَه لا يَعدِلُه نورٌ، وإنَّ مَدَدَه سيَعُمُّ الأمصارَ والأقطارَ.
ويَستَطرِدُ الصَّيَّاديُّ قائلًا بأنَّ البُلبُلينِ أخبَراه أنَّ اللهَ قد كَتَبَ صَحيفةَ مَنزِلتِه ووضعَها فوقَ مَقامِ إبراهيمَ، فقامَ الصَّيَّاديُّ من فورِه وأخَذَ الصَّحيفةَ وفرِحَ بما وجَدَ فيها حَسَب زَعمِه من إطنابِ اللَّهِ في الثَّناءِ عليه، ومَدْحِه له وتَبشيرِه إيَّاه بظُهورِ طَريقَتِه وعُلوِّ شَأنِه.
قال: (وقد طِبتُ باللهِ تعالى حينَ قَرَأتُ ما في الصَّحيفةِ المُبارَكةِ بشَأني، وبشَأنِ ظُهورِ أمرِ طَريقي، وكِدتُ أطيرُ سرورًا لِما امتَنَّ اللهُ تعالى عَليَّ به من إطنابٍ في الألقابِ، فيها ما نَصُّه بلفظِه: هذا غَريبُ الغُرَباءِ أبو البَراهينِ، وأحَدُ آلِ طَه ويس. خَلَفُ الأئِمَّةِ الهادينَ. بَقيَّةُ أعيانِ العِترةِ الطَّاهرينَ، سَيفُ الرِّسالةِ المَسلولُ على أهلِ الضَّلالةِ. المُجَدِّدُ الأكمَلُ. الأشعَثُ الأغبَرُ. سَجَنجَلُ الحِكمةِ والفِراسةِ المُحَمَّديَّةِ. رافِعُ ألويةِ الشَّريعةِ الطَّاهرةِ الأحمَديَّةِ. باني مَباني أحكامِ الطَّريقةِ المَرضيَّةِ الرِّفاعيَّةِ. شَيخُ الأئِمَّةِ. نورُ المَدَدِ المُصطَفَويِّ الذي سيَتَجَلَّى به الظُّلمةُ. الرِّفاعيُّ الثَّاني. الإمامُ الأوحَدُ الرَّبَّانيُّ. طَلسَمُ البُرهانِ المُحَمَّديِّ الذي لا يُدافَعُ. مَعنى ناطِقةِ البَيانِ النَّبَويِّ الذي لا يُنازَعُ. بحرُ الفتحِ. هادِمُ الدَّعوى والشَّطحِ. الفتى ابنُ الفتى. مُحَمَّد مَهدي بَهاء الدِّينِ. بابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في العَصرِ. وجهُ عَليٍّ في الدَّهرِ. الفقيرُ الغَنيُّ. الضَّعيفُ القَويُّ. الخَفيُّ الظَّاهرُ. العاجِزُ القادِرُ. شَمسُ الإفاضةِ المُصطَفَويَّةِ للذَّرَّاتِ كُلِّها، مَنِ التَحَقَ بها سَلِم، ومَن أبغَضَه عن جَحدٍ أو حَسَدٍ نَدِم، ومَن آذى نوَّابَه وأحبابَه لم يَقُمْ. ولوِ التَفَّت عليه المَحافِلُ، وسارَت لأمرِه الكَتائِبُ، وصُفَّت له الصُّفوفُ، ومَرَّت لدَيه من قَناطيرِ الذَّهَبِ المُقَنطَرةِ الألوفُ. هذه آيةُ اللهِ المُخَبَّأةُ في دَفتَرِ الغَيبِ يَنتَفِعُ بقِراءةِ فحواها والاندِماجِ في ظِلِّ مَعناها كُلُّ مَن للَّهِ فيه عِنايةٌ، يَصِلُ به اللَّهُ ويَقطَعُ، ويُعطي ويَمنَعُ، ويَرفعُ ويَضَعُ، هذا الزَّاهِدُ الواجِدُ، الآبِدُ الماجِدُ، هذا بَرَكةُ اللهِ في الكَونِ. هذا المُمَهِّدُ هذا الموطِّدُ. هذا القائِمُ للَّهِ، ولإعلاءِ كَلِمةِ اللهِ، ولخِدمةِ رَسولِ اللهِ، لا لغَرَضٍ من أغراضِ الأكوانِ، ولا لعُلوٍّ ولا لغُلوٍّ، ولا لتَقدُّمٍ ولا لتَرَفُّعٍ، ولا لعَظَمةٍ نَفسانيَّةٍ، بل هو بَحرٌ مُطَمطمٌ رَبَّانيٌّ، وكَنزٌ مُطَلسَمٌ سُبحانيٌّ، أُفيضَ له مَدَدُنا بواسِطةِ جَدِّه سِرِّ الوُجودِ وبارِقةِ النَّظمِ الأوَّلِ في كيانتَي النَّسَقَينِ الطُّموسِ والشُّهودِ «مُحَمَّدٍ» صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، هذا سَيِّدُ عُشَّاقِ رَسولِ اللهِ، وسَيِّدُ محابيبِ اللَّهِ، اليَومَ في مُلكِ اللهِ، عليه سَلامُ اللَّهِ ورِضوانُ اللهِ. وهناكَ غِبتُ عنِّي، وأُخِذتُ منِّي، وذُبتُ معنًى، وتَرَقرَقتُ مهنًا، وانطَمَستُ بوجدي وظَهَرتُ بمَجدي)
[546] ((برقمة البلبل)) من ((المجموعة النادرة)) للرواس (ص: 77- 79). .
ولا يَكتَفي الصَّيَّاديُّ بهذا الكَذِبِ المَكشوفِ على رَبِّ العالمينَ، فيُكمِلُ بَعدَ ذلك كَذِبَه على سَيِّدِ المُرسَلينَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَقولُ: إنَّه بَعدَ أن قَرَأ هذه الرِّسالةَ الرَّبَّانيَّةَ التي كانت فوقَ مَقامِ إبراهيمَ انجَلى له مَظهَرُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ ناداه قائلًا: (قد مَلأناك علمًا وفهمًا ومددًا وقُدرةً وبَهاءً وعِرفانًا ونورًا وحظًّا كبيرًا، ورَفَعْنا لك مِنبرًا لا يَسقُطُ، ووهَبْناك ناطِقةً تَتَدَرَّجُ كَتائِبُ مَدَدِها في الأكوانِ، فلا تَسكُتُ إلى يَومِ الدِّينِ، أنتَ هو القَبولُ عِندَنا، المُؤَيَّدُ بنورِنا، المُبارَكُ بعِلمِنا، المَنصورُ بمَدَدِنا، نوالي مَن والاك، ونُعادي مَن عاداك، ونَصونُ بعَونِ اللهِ مَن حاماك، يَرفعُ عِلمَك من أفلاذِ بَيتِنا حَبيبٌ لنا فأعِدْ عليه نَظَرَ حَنانِك، وعَلِّمْه رَقرَقةَ قَلبِك وناطِقةَ لسانِك، ولا تُوافِقْ أهلَ البدعةِ، ولا تُلايمْ أربابَ الدَّعوى، ولا تَجنَحْ بالقَلبِ ولا باللِّسانِ إلى القَولِ بالوَحدةِ المُطلَقةِ، ولا تَتَعَمَّقْ بالكَلامِ على الذَّاتِ والصِّفاتِ، ولا تُعمِلِ الفِكرَ في المُتَشابِهاتِ، خُذْ ما أخَذَ أجدادُك الآلُ الطَّاهرينَ، وسِرْ سَيرَ الصَّحابةِ، واتَّبِعْ مَناهجَ السَّلفِ، ووافِقْ إمامًا تَرتَضيه من أئِمَّةِ المَذاهِبِ المُتَّبَعةِ اليَومَ، فالأربَعةُ على حَقٍّ، ولا تُقَلِّدْ غَيرَ نَبيِّك، وتَحَقَّقْ بالحُبِّ للَّهِ ولكِتابِه ولرَسولِه، ولا تَشُقَّ العَصا، ولا تَجمَعِ القُلوبَ عَليك بل اجمَعْها على اللهِ، وعلى شَريعةِ نَبيِّك، وعَليك بمَشرَبِ جَدِّك السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ، واثبُتْ على طَريقَتِه؛ فإنَّها الطَّريقةُ المُحَمَّديَّةُ الحَقَّةُ. واعلَمْ أنَّك اليَومَ خاتِمةُ الصِّدِّيقينَ وشَيخُ الطَّريقةِ القَويمةِ المُحَمَّديَّةِ ثمَّ الأحمَديَّةِ.. وأنتَ سَيِّدُ الآلِ فمَن دونَهم، وصَلِّ عَليَّ وسَلِّمْ)
[547] ((برقمة البلبل)) من ((المجموعة النادرة)) للرواس (ص: 83). .
وزَعَمَ أنَّه بَعدَ أن سَمِعَ خِطابَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا غابَ عن نَفسِه سِتَّةَ أشهرٍ كامِلةً، لا يَصحو إلَّا أوقاتَ الفُروضِ فقَط، وأنَّه شَكَرَ اللهَ بَعدَ ذلك إذ جاءَته هذه النِّعمةُ الكُبرى على يَدِ طَيرٍ صَغيرٍ
[548] يُنظر: ((برقمة البلبل)) من ((المجموعة النادرة)) للرواس (ص: 82). .
ويَرى بَعضُ العُلماءِ أنَّ الرَّوَّاسَ شَخصيَّةٌ وهميَّةٌ خَياليَّةٌ لا وُجودَ لها في الحَقيقةِ، وإنَّما ابتَكَرَها أبو الهدى الصَّيَّاديُّ -الآتيةُ تَرجَمتُه-.
قال مُحَمَّد راغِب الطَّبَّاخُ: (طَبع عِدَّةَ كُتُبٍ نَسَبها لبَعضِ المُتَقدِّمينَ، ولشَيخِه مَهديٍّ الرَّوَّاسِ الذي لا وُجودَ له إلَّا في مُخَيِّلتِه)
[549] ((إعلام النبلاء)) (7/331). .
وقال الجندي: (أكثَرُ النَّاسِ يَزعُمونَ أنَّ الرَّوَّاسَ شَخصٌ مَوهومٌ لا حَقيقةَ له)
[550] ((تاريخ معرة النعمان)) (2/222). .
وقال الشَّاعِرُ قسطاكي الحِمصيُّ: (من مَرويَّاتِه ديوانُ الرَّوَّاسِ، وهو مَطبوعٌ، وكان يَقولُ: إنَّه شَيخُه، وعنه أخَذَ العِلمَ، ويَقولُ بعـضُ النَّــاسِ: إنَّ الرَّوَّاسَ اسمٌ وضَعَه هو المُسَمَّى لم يوجَدْ)
[551] ((أبو الهدى في آثار معاصريه)) (ص: 115). .
وقال مُحَمَّد كُرد عَلي: (وأمَّا الشَّيخُ الرَّوَّاسُ... فقد حَدَّثَني الثِّقةُ أنَّه شَخصٌ مَوهومٌ)
[552] ((المذكرات)) (ص: 245). .
وقال الشَّيخُ عَبدُ الحَفيظِ الفاسيُّ -وهو مِمَّن يُحسِنُ الظَّنَّ بالصَّيَّاديِّ-: (وأمرُ الرَّوَّاسِ هذا مُشكلٌ جِدًّا؛ فإنَّ المُتَرجِمَ لمَّا ذَكَرَه في قِلادةِ الجَواهِرِ وصَفه بأوصافٍ عاليةٍ في العِلمِ والعِرفانِ، وقال: إنَّه شَيخُ العَصرِ عِلمًا وعمَلًا وزُهدًا وأدبًا، ونَسَبَ له مُؤَلَّفاتٍ ودَواوينَ شِعريَّةٍ وطَبعَها، وقال: إنَّـه كان خاملًا لا يَستَقِرُّ في بلَدٍ، ويَتَعَيَّشُ من بَيعِ الرُّؤُوسِ المَطبوخةِ، ومنَ البَعيدِ أن يَكونَ كما ذَكَرَه ولا يَعرِفُه أحَدٌ أصلًا عَدا المُتَرجِمَ؛ لأن العِلمَ من شَأنِه الظُّهورُ ولو أخفى نَفسَه الإنسانُ وأهملَها؛ فإنَّ زكيَّ عَبيرِه لا بُدَّ أن يَستَنشِقَه النَّاسُ، وهَبْ أنَّه كان خامِلًا فإنَّ النَّاسَ لا مَحالةَ يَعرِفونَه، فيَذكُرونَه خامِلًا حقيرًا أو يُنكِرونَ فَضلَه وعِلمَه... والحالةُ أنَّه لا وُجودَ لمَن ذَكَرَه أو عَرَفَه... إلَّا المُتَرجِمَ في مُؤَلَّفاتِه، وأتباعَه كَعَبدِ القادِرِ أفندي قدري في كِتابِه «الكَوكَبُ المُنيرُ»، وأحمَد عِزَّت باشا المَوصِليِّ في كِتابِه «العُقودُ الجَوهَريَّةُ»، وأمثالِهما مِمَّن يَستَقي من بَحرِه، وإقدامُ المُتَرجِمِ على اختِلاقِ وجودِه وأخبارِه ومُؤَلَّفاتِه وأشعارِه إن صَحَّ، ممَّا يُستَغرَبُ صُدورُه منه)
[553] ((رياض الجنة)) (ص: 150). .
7- أبو الهُدى الصَّيَّاديُّ (ت: 1327هـ).هو مُحَمَّدُ بنُحَسَن وادي بنِ عَليِّ بنِ خزامٍ الصَّيَّادِ الرِّفاعيُّ الحُسَينيُّ، وُلدَ سَنةَ 1266ه في مَدينةِ خان شَيخون التَّابعةِ لمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسوريا، وهو يَزعُمُ أنَّه تَعَلَّمَ على يَدَيِ الرَّوَّاسِ مُحَمَّد مَهدي الصَّيَّاديِّ، وأنَّه أخَذَ الطَّريقةَ الرِّفاعيَّةَ والخِرقةَ من والدِه حَسَن وادي، والرَّوَّاسِ، وعَلي آل خَيرِ اللهِ.
تَولَّى مَشيَخةَ المَشايِخِ في دارِ الخِلافةِ العُثمانيَّةِ، وكان مُقَرَّبًا منَ السُّلطانِ عبدِ الحميدِ الثَّاني.
وله مُؤَلَّفاتٌ كَثيرةٌ جِدًّا تَتَعَلَّقُ بالطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ وشُيوخِها، منها: (ضَوءُ الشَّمسِ في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بُنيَ الإسلامُ على خَمسٍ)، و(الحَقيقةُ الباهرةُ في أسرارِ الشَّريعةِ الطَّاهرةِ)، و(الحَقيقةُ المُحَمَّديَّةُ في شَأنِ سَيِّدِ البَريَّةِ)، و(القَواعِدُ المَرعيَّةُ في أصولِ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ)، و(هدايةُ السَّاعي في سُلوكِ طَريقةِ الرِّفاعيِّ)، و(الطَّريقةُ الرِّفاعيَّةُ)، وغَيرُها كَثيرٌ. وتوُفِّيَ في جَزيرةِ الأمَراءِ أوِ الأميراتِ في إسطَنْبولَ
[554] يُنظر ترجمته: مقدمة كتاب ((القواعد المرعية في أصول الطريقة الرفاعية)) لجحا (9- 18). وأيضًا مقدمة كتابه ((تنوير الأبصار في طبقات السادة الرفاعية الأخيار)) (ص: 2- 8). .
قال عنه الأديبُ مُحَمَّد سليم الجندي: (أقصى أمانيه نَشرُ دَعوتِه وتَغَلُّبُ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ وأصحابِها على غَيرِهم من أصحابِ الطُّرُقِ)
[555]((تاريخ معرة النعمان)) (2/223). .
وقال عنه الشَّاعِر قسطاكي الحِمصيُّ: (له تآليفُ كَثيرةٌ مَطبوعةٌ جُلُّها في إثباتِ نَسَبِ الرِّفاعيِّ وتَكذيبِ مَن أنكَرَه عَلَيْهِ)
[556] يُنظر: ((أبو الهدى في آثار معاصريه)) لحسن سويدان (ص: 115). .
وكان الصَّيَّاديُّ شَخصيَّةً مُثيرةً للجَدَلِ، وألِّفَت عنه كُتُبٌ؛ منها: (أبو الهدى في آثارِ مُعاصِريه) لحَسَن السَّماحيِّ سويدان، وكِتابُ (جِنايةِ الصَّيَّاديِّ على التَّاريخِ في بَعضِ ما كَتَبَ ونَشَرَ أبو الهدى في التَّاريخِ والتَّراجِمِ والنَّسَبِ) لعَبدِ الرَّحمَنِ بنِ سُليمانَ الشَّايعِ.
وكان ممَّا يُثيرُ الشَّكَّ في شَأنِه كَثرةُ المُؤَلَّفاتِ التي وضَعَها حتَّى تَجاوزَتِ المِائَتَي كِتابٍ في بَعضِ الإحصائيَّاتِ، وكان من أبرَزِ الانتِقاداتِ الموجَّهةِ ضِدَّه: الكَذِبُ والاختِلاقُ.
وقد ذَكَرَ الجندي أنَّ الرَّجُلَ كان يَستَعينُ بمَن يَكتُبُ له الكُتُبَ ثمَّ يَنسُبُها هو لنَفسِه، فقال: (رُبَّما وضَعَ له العُلماءُ رَسائِلَ فنَسَبوها إليه)
[557] ((تاريخ معرة النعمان)) (2/224). .
وقال الزِّرِكليُّ عنه: (صَنَّف كُتُبًا كَثيرةً أشُكُّ في نِسبَتِها إليه، فلعَلَّه كان يُشيرُ بالبَحثِ أو يُملي طرَفًا منه، فيَكتُبُه له أحَدُ العُلماءِ ممَّن كانوا لا يُفارِقونَ مَجلِسَه)
[558] ((الأعلام)) (6/94). .
وقال أيضًا: (له شِعرٌ، رُبَّما كان بَعضُه أوكَثيرٌ منه لغَيرِه)
[559] ((الأعلام)) (6/94). .
وقال مُحَمَّد بَهجة البِيطارُ في تَرجَمةِ الشَّيخِ تَوفيقٍ الأيُّوبيِّ: (كان عونًا لأبي الهدى في تَأليفِ ما يُعزى إليه منَ المُؤَلَّفاتِ)
[560] يُنظر: هامش ((حلية البشر)) لعبد الرزاق البيطار (1/426). .
وممَّا انتُقِدَ عليه أنَّه كان يَضَعُ الكُتُبَ ويَنسُبُها إلى مُؤَلِّفينَ مُتَقدِّمينَ.
قال جَمالُ الدِّينِ القاسِميُّ: (... والقرمانيُّ اسمٌ بلا مُسَمًّى، انتَحَله الصَّيَّاديُّ وعَزا له كِتابًا كان لفَّقَه على عادَتِه -عليه ما يَستَحِقُّ- في الافتِراءِ والاختِلاقِ)
[561] يُنظر: ((الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي)) (ص: 101، 102). .
وقال أحمَدُ بنُ الصِّدِّيقِ الغُماريُّ فيما نَقَله عنه أخوه عَبدُ اللَّهِ: (كان له أي الصَّيَّاديِّ جَماعةُ أصدِقاءَ يَكتُبونَ له مُؤَلَّفاتٍ في مَناقِبِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ وكَراماتِه وفضائِلِه، ثمَّ يَنسُبُها لعُلماءَ في القَرنِ الثَّامنِ أوِ التَّاسِعِ، ومَكَّنَه اتِّصالُه بالسُّلطانِ عَبدِ الحَميدِ واستِحواذُه على عَقلِه من وضعِ تلك المُؤَلَّفاتِ في مَكتَباتِ الأسَتانةِ، ثمَّ يوعِزُ إلى بَعضِ أتباعِه في الطَّريقِ بأن يَطبَعَ بَعضَها، ويُخبرَه بأنَّ نُسخةً خَطِّيَّةً منه توجَدُ في مَكتَبةِ كذا تَحتَ رَقْمِ كَذا)
[562] ((النقد المبرم)) (ص: 25). .
وقال عبدُالرَّحمنِ الشَّايعُ في كِتابِه (جِنايةُ الصَّيَّاديِّ على التَّاريخِ): (خُلاصةُ القَولِ أنَّ البَراهينَ القاطِعةَ دَلَّت على أنَّ الصَّيَّاديَّ وضع الكُتُبَ التَّاليةَ:
۱– صِحاحُ الأخبارِ لسِراجِ الدِّينِ المَخزوميِّ.
٢- الدُّرُّ السَّاقِطُ للزَّبَرجَديِّ.
3- بَحرُ الأنسابِ لابنِ الأعرَجِ الحُسَينيِّ.
4- قاموسُ العاشِقينَ لعَبدِ المُنعِمِ العاني.
5- مَناقِبُ الصَّالحينَ ورَوضةُ النَّاظِرينَ للوتريِّ.
وكُلُّها لمُؤَلِّفينَ لا حَقيقةَ لهم.
وقامَتِ الأدِلَّةُ القاطِعةُ أيضًا على أنَّ الكِتابَ المَنسوبَ لابنِ السَّاعي في أخبارِ الخُلفاءِ قد زيدَ فيه ما هو من صَميمِ أغراضِ الصَّيَّاديِّ. والأدِلَّةُ المُتَوفِّرةُ تَدُلُّ على أنَّ صاحِبَ الزِّياداتِ هو الصَّيَّاديُّ، واللهُ تعالى أعلَمُ)
[563] ((جناية الصيادي على التاريخ)) (ص: 65). .
وتَقدَّمَتِ الإشارةُ إلى أنَّ للصَّيَّاديَّ علاقةً وثيقةً جِدًّا بآخِرِ الخُلفاءِ العُثمانيِّينَ، وهو السُّلطانُ عبدُ الحميدِ الثَّاني. وقد ذكَرَ في مُقدِّماتِ مُذَكِّراتِ الأميرةِ عائِشةَ بنتِ السُّلطانِ عبدِ الحميدِ -نَقلًا عن مُذَكِّراتِ رَشيد بك- حادِثةً تَدلُّ على حِرصِ أبي الهدى الصَّيَّاديِّ على الاستِئثارِ بالسُّلطانِ لوحدِه دونَ أيِّ شَيخٍ آخَرَ ولو كان صوفيًّا مِثلَه، فدَبَّر أمرًا يَمتَنِعُ به السُّلطانُ عنِ الذَّهاب إلى تكيَّةِ الشَّاذِليَّةِ وشَيخِها ظافِر أفندي، وذَكَرَ أيضًا تَعقيبًا على تلك القِصَّةِ: (أنَّ السُّلطانَ أدرَكَ أنَّ أبا الهدى الصَّيَّاديَّ يَغارُ منَ الشَّيخِ، فلم يَشَأْ أن يُغضِبَه وهو الذي استَعانَ به في إرسالِ الدَّراويشِ إلى تُركستانَ والهندِ، والتَّنغيصِ على الرُّوسِ والإنجِليزِ، واستَخدَمَه عينًا له على خُصومِه، بل وفي التَّباحُثِ سِرًّا مَعَ الإنجِليزِ. غَيرَ أنَّ العَلاقةَ بَينَ السُّلطانِ عَبدِ الحَميدِ وبَينَ الصَّيَّاديِّ كانت واحدًا منَ الأخطاءِ التي أخَذَها مُعظَمُ المُؤَرِّخينَ على السُّلطانِ؛ إذ كان الرَّجُل أفَّاقًا يَكرَهُ أن يَظفرَ أحَدٌ غَيرُه بثِقةِ السُّلطانِ، فأوغَرَ صَدرَه ضِدَّ الآخَرينَ، وحال بدَسائِسِه ومكائِدِه بَينَه وبَينَ المُخلِصينَ)
[564] يُنظر: ((والدي السلطان عبد الحميد)) للأميرة عائشة (ص: 49، 50). .