المسألةُ الثَّانيةُ: تعطيلُ صفاتِ اللهِ تعالى وتحريفُ نُصوصِها هرَبًا من التَّشبيهِ
الماتُريديَّةُ فَهِموا من إثباتِ كثيرٍ من صفاتِ اللهِ تعالى تشبيهَ اللهِ بخَلقِه، ورأوا أنَّ ذلك يخالفُ التَّنزيهَ، فقاموا بتحريفِ نصوصِها بشتَّى التَّأويلاتِ، وهذه بعضُ الأمثلةِ على تعطيلِ
الماتُريديَّةِ لكثيرٍ من الصِّفاتِ الإلهيَّةِ الثَّابتةِ، وتحريفِهم لها بالتَّأويلاتِ المتكلَّفةِ:
المثالُ الأوَّلُ: الماتُريديَّةُ ومِثلُهم
الأشاعِرةُ لم يُثبتوا لله سُبحانَه صفاتِ "الحياة، والقُدرة، والعِلم، والإرادة" كما أثبتها السَّلَفُ الصَّالحُ، فبسبَبِ تأثُّرِهم بالفلسفةِ نَفَوا حلولَ الحوادِثِ باللهِ سُبحانَه، وأثبتوا أنَّ هذه الصِّفاتِ أزليَّةٌ فقط، ولا يمكِنُ قيامُها باللهِ سُبحانَه عِندَ وجودِ متعَلِّقِها
[470] يُنظر: ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص: 51)، ((شرح المواقف)) للجرجاني (3/ 87، 115)، ((المسامرة)) للمقدسي مع حاشية قاسم الحنفي (ص: 58، 59). ويُنظر: ((جامع الرسائل)) (1/ 177 - 183)، ((مجموع الفتاوى)) (8/ 29، 30) و (17/ 168) كلاهما لابن تيمية. .
المثالُ الثَّاني: أرجع
ابنُ الهُمَامِ صِفَتَي "السَّمع والبَصَر" إلى صفةِ "العِلمِ"، كما تقدَّم.
المثالُ الثَّالثُ: ليست الصِّفاتُ الفعليَّةُ عِندَ
الماتُريديَّةِ صفاتٍ حقيقيَّةً قائمةً باللهِ تعالى، وهذا تعطيلٌ صريحٌ.
المثالُ الرَّابعُ: توسَّع
الماتُريديَّةُ وبالغوا وأسرفوا في السُّلوبِ، فأدخلوا فيها كثيرًا من الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ الثُّبوتيَّةِ، كما تقدَّم.
المثالُ الخامِسُ: صفةُ العُلوِّ لله سُبحانَه عطَّلوها بأنواعٍ من التَّحريفاتِ، وقالوا: إنَّ اللهَ لا فوق، ولا تحت، ولا خَلْفَ ولا أمامَ، ولا يمينَ ولا شمالَ، ولا فوقَ العالمِ ولا تحتَه، ولا خارجَ العالَمِ ولا داخِلَه.
المثالُ السَّادِسُ: صفةُ الكلامِ عطَّلوها عن مفهومِها المعروفِ عِندَ سلَفِ هذه الأمَّةِ وأئمَّةِ السُّنَّةِ، وأتوا ببدعةِ "الكلامِ النَّفسيِّ"، وحرَّفوا نصوصَ الشَّرعِ ونصوصَ أئمَّةِ الإسلامِ إلى تلك
البِدعةِ، وصرَّحوا بالقولِ بخَلقِ القرآنِ
[471] يُنظر: ((أصول الدين)) للبَزْدَوي (ص: 60-61)، ((بحر الكلام)) لأبي المعين النسفي (ص: 29)، ((البداية)) للصابوني (ص: 62-63)، ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص: 57-60)، ((شرح المواقف)) للجرجاني (8/93، 95، 99)، ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص: 42، 45)، ((عقيدة الإسلام)) لأبي الخير (ص: 374). .
وقد اعترف الجُرْجانيُّ الماتُريديُّ بضعفِ القولِ بالكلامِ النَّفسيِّ، وخالف
الماتُريديَّةَ و
الأشْعَريَّةَ في إثباتِ الكلامِ النَّفسيِّ، وقال: (هذا الذي فهموه من كلامِ الشَّيخِ
الأشْعَريِّ باطِلٌ؛ إذ له لوازمُ باطِلةٌ كثيرةٌ... منها:
1- عدمُ إكفارِ من أنكَرَ كلاميَّةَ ما بَينَ دفَّتَيِ المصحَفِ مع أنَّه عُلِم من الدِّينِ بالضَّرورةِ كونُه كلامَ اللهِ حقيقةً.
2- عدمُ المعارضةِ والتَّحدِّي بكلامِ اللهِ الحقيقيِّ.
3- ذمُّ كونِ المقروءِ والمحفوظِ كلامَه حقيقةً.
... إلى غيرِ ذلك ممَّا لا يخفى على المتفَطِّنِ، فوجب حملُ كلامِ الشَّيخِ
الأشْعَريِّ على المعنى الثَّاني الشَّامِلِ للَّفظِ والمعنى... هذا الذي ذكَرْناه وإن كان مخالفًا لما عليه متأخِّرو أصحابِنا إلَّا أنَّه بعد التَّأمُّلِ تُعرَفُ حقيقتُه... ولا شُبهةَ في أنَّه أقرَبُ إلى الأحكامِ الظَّاهريَّةِ المنسوبةِ إلى المِلَّةِ)
[472] ((شرح المواقف مع حاشية الفناري)) (8/103-104). ويُنظر: ((نهاية الإقدام)) للشهرستاني (ص: 312-313)، ((حاشية العصام على شرح العقائد النسفية)) (ص: 118-189)، ((نشر الطوالع)) للمرعشي (ص: 256-258)، ((حاشية الخيالي على شرح العقائد النسفية)) (ص: 258-259، 265)، ((حاشية على حاشية الخيالي على شرح العقائد النسفية)) للبهشتي (ص: 67). .
المثالُ السَّابعُ: صِفةُ "تكليم الله" لعبادِه من الرُّسُلِ والملائكةِ وغيرِهم حرَّفوا نصوصَها، وقالوا -كما تقدَّم- بأنَّ كلامَ اللهِ غيرُ مسموعٍ، وأنَّ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يسمَعْ كلامَ اللهِ تعالى، وإنَّما سمع صوتًا مخلوقًا من الشَّجَرةِ، وهذا عينُ كلامِ
الجَهْميَّةِ الأولى، بل هو كلامُ النَّصارى
[473] يُنظر: ((شرح الأصفهانية)) لابن تيمية (ص: 110). .
المثالُ الثَّامِنُ: صفةُ "نداءِ اللهِ تعالى" عبادَه حرَّفوا نصوصَها بأنَّها تمثيلٌ لكلامِ موسى عليه السَّلامُ من تلك الجهةِ
[474] يُنظر: ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (5/270) . .
المثالُ التَّاسِعُ: صفةُ "الصَّوتِ" لله تعالى عطَّلوها، وحرَّفوا نصوصَها إلى أنَّ المرادَ من الصَّوتِ "صوتُ المخلوقِ" أو المرادُ "مخلوقٌ غيرُ قائمٍ به تعالى"
[475] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (25/152)، ((تعليق الكوثري على الأسماء والصفات للبيهقي)) (ص: 202). .
المثالُ العاشِرُ: صفةُ "الأَذنِ" بفتحِ الهمزةِ، أي: "الاستِماع"
[476] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (25/154)، ((القاموس)) للفيروزآبادي (ص 1516). ، فقد صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ما أَذِنَ اللهُ لشيء ما أَذِنَ لنَبيٍّ يتغنَّى بالقرآنِ )) [477] رواه البخاري (5023)، ومسلم (792) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
فحرَّفوا هذه الصِّفةَ العظيمةَ، فزَعَموا أنَّها لا حقيقةَ لها، بل أنَّها مجازٌ عن تقريبِه تعالى للقارئِ، وإجزالِ ثوابِه أو قَبولِ قراءتِه
[478] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (25/154). ففسَّروها باللَّوازِمِ.
المثال الحاديَ عَشَرَ: صفةُ "الصُّورةِ" لله تعالى، عطَّلوها وحرَّفوا نصوصَها إلى "صورةِ اعتقادٍ" أو "صورةِ الأمرِ" أو "صورةِ الحالِ" أو "صورةِ الملكِ الذي لا ينبغي لغيرِه"، أو المراد من "الصُّورة" عظمةُ اللهِ، أو غيرُ ذلك
[479] يُنظر: ((التوحيد)) للماتريدي (ص: 85)، ((عمدة القاري)) للعيني (25/125-126). وقد طعن الكوثريُّ الماتريديُّ في حديثِ الصُّورةِ مع أنه حديثٌ متَّفقٌ عليه من حديثِ أبي هريرة وأبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنهما، ولم يطعَنْ في هذا الحديثِ أحدٌ من أهل العلم، ولفظُ حديث أبي هريرة في قصَّة آخرِ أهلِ الجنَّةِ دخولًا وفيه: ((فيأتيهم اللهُ في الصُّورةِ التي يعرفون، فيقولُ: أنا ربُّكم، فيقولون: أنت ربُّنا فيتبعونَه)). رواه البخاري (6573) واللفظ له، ومسلم (182). ولفظ حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشَّفاعة الكبرى، وفيه: ((ثم يرفعون رؤوسَهم وقد تحوَّلَ في صورتِه التي رأوه فيها أوَّلَ مرَّةٍ)) رواه مسلم (183). ويُنظر: تعليقات الكوثري على كتاب ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (ص: 292، 344-345). .
المثالُ الثَّاني عَشَرَ: صفةُ النَّفْسِ للهِ سُبحانَه، قال
الماتُريديَّةُ: إنَّ ذِكرَ "النَّفْسِ" للمُشاكَلةِ
[480] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (25/100)، ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (3/101). .
وقد وردت صفةُ "النَّفْسِ" في الكتابِ والسُّنَّةِ في مواضِعَ لا تحتَمِلُ المشاكَلةَ:
منها قولُه تعالى:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28] .
وقَولُه تعالى:
كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 12] .
وقَولُه سُبحانَه:
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 54] .
وقَولُه تعالى:
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه: 41] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لمَّا قضى اللهُ الخَلقَ كتب في كتابِه على نفسِه، فهو موضوعٌ عندَه: إنَّ رحمتي تَغلِبُ غَضَبي)) [481] رواه البخاري (7404) ومسلم (2751) واللفظ له. .
وعن
عائشةَ رَضِيَ الله عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نَفْسِك )) [482] رواه مسلم (486). .
وقد ردَّ
علي القاري احتمالَ المشاكَلةِ
[483] يُنظر: ((شرح الفقه الأكبر)) (ص: 58). .
تنبيهٌ: هل "النَّفْسُ" صفةٌ أم عبارةٌ عن "الذَّاتِ"؟عَدَّ كثيرٌ من السَّلَفِ "النَّفْس" من صفاتِ اللهِ تعالى،
كأبي حنيفةَ، و
ابنِ خُزَيمةَ، وغيرِهما من أئمَّةِ السُّنَّة
[484] يُنظر: ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص: 58)، ((كتاب التوحيد)) لابن خزيمة (1/11-12)، ((أقاويل الثقات)) لمرعي الكرمي (ص: 186)، ((قطف الثمر)) للقنوجي (ص: 66)، ((الصفات الإلهية)) لمحمد أمان الجامي (ص: 303-304). .
وذكَرَ
البخاريُّ في صحيحِه النُّصوصَ في "النَّفْسِ"؛ لإثباتِ إطلاقِها على اللهِ سُبحانَه وتعالى بدونِ التَّصريحِ بأنَّها من صفاتِ اللهِ تعالى
[485] يُنظر: ((صحيح البخاري)) كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ *آل عمران: 28* (6/2693-2694). .
ولكِنْ صَرَّح
ابنُ تيميَّةَ بأنَّ "النَّفْسَ" ليست من صفاتِ اللهِ تعالى، وإنما المرادُ من "النَّفْسِ" في تلك النُّصوصِ "ذاتُ اللهِ المقَدَّسةُ"؛ لأنَّ "نفس الشَّيءِ" "ذاتُه وعينُه"
[486] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (9/292-293، 14/196-197). ، وهذا هو الصَّوابُ.
المثالُ الثَّالِثَ عَشَرَ: صفةُ "الوَجهِ الكريمِ" للهِ عزَّ وجَلَّ، فقد عطَّلوها، وحرَّفوا نصوصَها بتأويلِها إلى "الوجودِ"، و"الذَّاتِ"
[487] يُنظر: ((مدارك التنزيل)) للنسفي (2/670)، ((شرح المواقف)) للجرجاني (8/111)، ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (7/28)، ((إشارات المرام)) للبياضي (ص: 189). .
المثالُ الرَّابعَ عَشَرَ: صفةُ "العين" للهِ تعالى، فقد عطَّلوها وحرَّفوا نصوصَها إلى: "الحِفْظِ، والرِّعايةِ، والإعلامِ، والأمرِ، والمنظَرِ، والمرئيِّ" وغيرِها
[488] يُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (6/ 129)، ((مدارك التنزيل)) للنسفي (2/357)، ((شرح المواقف)) مع حاشية الفناري (8/112)، ((إرشاد العقل)) لأبي السعود (4/205، 6/15)، ((إشارات المرام)) للبياضي (ص: 189)، ((نشر الطوالع)) للمرعشي (ص: 262). .
الأمثلةُ الخامِسَ عَشَرَ إلى العِشرينَ: صفاتُ "اليَدَينِ"، و"اليدِ" و"اليَمَينِ" و"القبضةِ" و"الكَفِّ" و"الأصابعِ" للهِ سُبحانَه وتعالى الذي ليس كمِثلِه شيءٌ جَلَّ وعلا، فهذه الصِّفاتُ عطَّلوها وحرَّفوا نصوصَها إلى "القُدرةِ، أو النِّعمةِ، أو التَّدبيرِ، أو الذَّاتِ" أو غيرِها
[489] يُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (8/ 646، 647)، ((مدارك التنزيل)) للنسفي (3/204، 423، 556)، ((إشارات المرام)) للبياضي (ص: 189)، ((شرح المواقف)) مع حاشية الفناري (8/111، 113)، ((حاشية الخيالي على شرح العقائد)) (ص: 58)، ((نشر الطوالع)) للمرعشي (ص: 262)، ((بحر الكلام)) لأبي المعين النسفي (ص: 20). .
المثالُ الحادِي والعِشرونَ: صفةُ "الرِّجْلِ" له سُبحانَه وتعالى، عطَّلوها وحرَّفوا نصوصَها إلى "رِجْلِ بعضِ المخلوقينَ"، أو المرادُ بالرِّجلِ أنَّه اسمٌ لمخلوقٍ من المخلوقينَ، أو المرادُ "الجماعةُ"، أو "الجِدُّ في الأمرِ" أو "الزَّجرُ لجهنَّمَ والرَّدعُ والقَمعُ لها وتسكينُ حِدَّتِها"
[490] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (19/188)، ((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات للبيهقي)) (ص: 348، 352). .
المثالُ الثَّاني والعِشرون: صِفةُ "القَدَمِ" للهِ جَلَّ وعلا، فعطَّلوها وحرَّفوا نصوصَها إلى أنَّ المرادَ "المتقَدِّمُ" أو "قدَمُ بعضِ المخلوقينَ" أو "مخلوقٌ اسمُه قَدَمٌ" أو "موضِعٌ" أو "اسمٌ لِما قَدُم من شيءٍ، وغيرُها
[491] يُنظر: ((بحر الكلام)) لأبي المعين النسفي (ص: 22)، ((عمدة القاري)) للعيني (19/118، 25/90، 137)، ((حاشية الفناري على شرح المواقف للجرجاني)) (8/112). .
قال
أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلامٍ الهَرَويُّ عن أحاديثِ الرِّجْلِ والقَدَمِ ونحوِها من أحاديثِ الصِّفاتِ: (نحن نروي هذه الأحاديثَ، ولا نزيغُ لها المعانيَ)
[492] ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (ص: 350). .
المثالُ الثَّالِثُ والعِشرونَ: صِفةُ "البقاءِ" ذهب جمهورُ
الماتُريديَّةِ إلى أنَّ "البقاءَ" هو الوجودُ، وليس زائدًا عليه، وذهب
أبو الحسَنِ الأشْعَريُّ وقُدَماءُ
الأشْعَريَّةِ إلى أنَّ "البقاءَ" صفةٌ وجوديَّةٌ "ثبوتيَّةٌ" زائدةٌ على "الوُجودِ"
[493] يُنظر من كتب الماتريدية: ((شرح المواقف)) مع حاشية الفناري (8/106-109)، ((إشارات المرام)) للبياضي (ص: 53)، ((نظم الفرائد)) لزاده (ص: 7-8)، ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص: 18-19). ومن كتب الأشعرية ((مجرد مقالات الأشعري) لابن فورك (ص: 43)، ((المواقف)) للإيجي (ص: 296-296)، ((طوالع الأنوار)) للبيضاوي مع شرحه ((مطالع الأنظار)) للأصبهاني (ص: 183). .
وكثيرٌ من متأخِّري
الأشْعَريَّةِ، ك
الفَخرِ الرَّازيِّ، مالوا إلى مَذهَبِ
الماتُريديَّةِ في هذه الصِّفةِ، فنَفَوا صفةَ البقاءِ زائدةً على الوجودِ، وقالوا: البقاءُ هو الوجودُ نَفسُه
[494] يُنظر: ((الإرشاد)) للجويني (ص: 90، 133)، ((المحصل)) للرازي (ص: 252-253)، ((مناظرات الرازي في بلاد ما وراء النهر)) (ص: 23)، ((غاية المرام في علم الكلام)) للآمدي (ص: 135-136)، ((المواقف)) للإيجي (ص: 296-297). .
وقد صرَّح بعضُ
الأشْعَريَّةِ و
الماتُريديَّةِ بأنَّ الباقِلَّانيَّ مال إلى مَذهَبِ
الماتُريديَّةِ [495] يُنظر: ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: 90)، ((المحصل)) للرازي (ص: 252)، ((المواقف)) للإيجي (ص: 296)، ((إشارات المرام)) للبياضي (ص: 53)، ((طوالع الأنوار)) للبيضاوي مع شرحه ((مطالع الأنظار)) للأصبهاني (ص: 183)، ((نظم الفرائد)) لزاده (ص: 7). ، لكنَّه في (تمهيدِه) أثبت صفةَ "البقاءِ"، وبوَّب لها فقال: "بابُ البقاءِ من صفاتِ ذاتِه"
[496] يُنظر: ((التمهيد)) (ص: 263). ، وقد نقل ابنُ فُورَكٍ الإجماعَ على إثباتِ هذه الصِّفةِ
[497] يُنظر ((مجرد مقالات الأشعري)) لابن فورك (ص: 43). .
والحقيقةُ أنَّ
الماتُريديَّةَ ومن وافقهم من متأخِّري
الأشْعَريَّةِ على باطلٍ محضٍ في تأويلِهم لصفةِ "البقاءِ" إلى "الوجودِ"؛ لأنَّ "البقاءَ" أخصُّ من "الوجودِ" وأكمَلُ منه، و"الوجودُ" أعمُّ من "البقاءِ"، فالبقاءُ استمرارُ الوجودِ، وهو الوجودُ المستمِرُّ الأبديُّ الذي لا نهايةَ له، فهو وجودٌ مقيَّدٌ بالدَّوامِ والاستمرارِ والأبديَّةِ، وهذا المعنى زائدٌ على مفهومِ مُطلَقِ الوجودِ دونَ شَكٍّ.
قال اللهُ تعالى:
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 26-27]، فوجودُ اللهِ تعالى أزليٌّ وأبَديٌّ، وليس كذلك وجودُ خَلقِه سُبحانَه وتعالى، فاللهُ متَّصِفٌ بـ"الوجود" و"البقاء" معًا.
الأمثلةُ الرَّابعُ والعِشرونَ إلى السَّابعِ والعِشرينَ: صفاتُ "الاستواء" و"النُّزول" و"الإتيان" و"المجيء" له تعالى، فقد عطَّلوها وحرَّفوا نصوصَها معنويًّا
[498] يُنظر: ((مختصر التفتازاني)) (ص: 324). .
وقد سُئِل
أبو حنيفةَ عن النُّزولِ، فقال: (يَنزِلُ بلا كيفٍ)
[499] ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) للصابوني (ص: 42)، ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (ص: 456)، ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص: 60). .
وقال أبو عثمانَ الصَّابونيُّ: (قرأتُ لأبي عبدِ اللهِ بنِ أبي حَفصٍ البخاريِّ -وكان شيخَ بخارى في عَصرِه بلا مدافعةٍ، وأبو حفصٍ كان من كِبارِ أصحابِ
محمَّدِ بنِ الحسَنِ الشَّيبانيِّ- قال أبو عبدِ اللهِ -أعني ابنَ أبي حفصٍ هذا-: سمعتُ
محمَّدَ بنَ الحسَنِ الشَّيبانيَّ يقولُ: قال حمَّادُ بنُ أبي حنيفةَ: قُلْنا لهؤلاء، يعني
الجَهْميَّةَ: أرأيتُم قولَ اللهِ عزَّ وجَلَّ:
وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] قالوا: أمَّا الملائِكةُ فيَجيئون صفًّا صفًّا، وأمَّا الرَّبُّ تعالى فإنَّا لا ندري ما عُني بذلك؟ ولا ندري كيف مجيئُه؟ فقُلتُ لهم: إنَّا لم نكَلِّفْكم أن تعلَموا كيف جيئتُه، ولكِنَّا نكَلِّفُكم أن تؤمنوا بمجيئِه، أرأيتُم من أنكر أنَّ الملَكَ يجيءُ صفًّا صفًّا ما هو عندكم؟ قالوا: كافرٌ مكَذِّبٌ، قُلتُ: فكذلك إن أنكر أنَّ اللهَ سُبحانَه يجيءُ فهو كافِرٌ مكذِّبٌ)
[500] ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) (ص: 49). .
وقال
محمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشَّيبانيُّ عن أحاديثِ النُّزولِ: (هذه الأحاديثُ قد رَوَتها الثِّقاتُ، فنحن نرويها، ونؤمِنُ بها، ولا نُفَسِّرُها)
[501] رواه اللالكائي في ((شرح اعتقاد أهل السنة)) (3/433). .
المثالانِ الثَّامِنُ والعِشرونَ والتَّاسِعُ والعِشرون: صِفَتا "الرِّضا" و"الغَضَب" له سُبحانَه وتعالى.
هاتان الصِّفتانِ عطَّلهما
الماتُريديَّةُ، وحرَّفوا نصوصَهما اتِّباعًا للجَهْميَّةِ الأولى، فحرَّفوا صفةَ "الغَضَبِ" إلى "الانتقامِ" و"إرادةِ الانتقامِ"
[502] يُنظر: ((مدارك التنزيل)) للنسفي (1/6)، ((عمدة القاري)) للعيني (25/115)، ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (1/19). ، وحرَّفوا صفةَ "الرِّضا" إلى "الثَّواب" ونحوِه
[503] يُنظر: ((شرح الفقه الأبسط)) لأبي الليث السمرقَنْدي (ص: 23)، ((نظم الدرر)) لعبيد الله الديوبندي (ص: 183). ، مع أنَّ
أبا حنيفةَ قال: (لا يوصَفُ اللهُ تعالى بصفاتِ المخلوقينَ، وغضبُه ورضاه صفتانِ من صفاتِه بلا كيفٍ، وهو قولُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وهو يغضَبُ ويرضى، ولا يقالُ: غضَبُه عقوبتُه، ورِضاه ثوابُه، ونَصِفُه كما وصف نفسَه)
[504] ((الفقه الأبسط)) (ص: 56). .
المثالُ الثَّلاثون: صفةُ "المحبَّة" فقد عطَّلوها وحرَّفوها إلى "إرادةِ خَيْرَيِ الدُّنيا والآخِرةِ"، و"إيصالِ الخيرِ إلى العبدِ"، و"إرادةِ الثَّوابِ"
[505] يُنظر: ((مدارك التنزيل)) للنسفي (1/209-214)، ((عمدة القاري)) للعيني (25/84، 155) ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (3/51). .
المثالُ الحَادِي والثَّلاثون: صفةُ "الرَّحمة" لله تعالى: عطَّلت
الماتُريديَّةُ هذه الصِّفةَ إلى "إرادةِ الإنعامِ" أو"الإعطاءِ" ومعنى "الرَّحمنِ الرَّحيمِ" عندهم "معطي جلائِلِ النِّعَمِ" و"رحمة الله" عندَهم "إنعامُه، والتَّفضُّلُ، والإحسانُ"
[506] يُنظر: ((مدارك التنزيل)) للنسفي (1/3)، (شرح المواقف)) مع حاشية الفناري (8/212)، ((عمدة القاري)) للعيني (25/115)، ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (1/11)، ((نشر الطوالع)) للمرعشي (ص: 312). . فأرجعوا صفةَ الرَّحمةِ إلى صفةِ الإرادةِ، وإلى فعلٍ من الأفعالِ، كالإعطاءِ ونحوِه
[507] يُنظر: ((التبيان)) للفنجفيري (ص: 49). .
المثالُ الثَّاني والثَّلاثون: صفةُ "الضَّحِك" لرَبِّنا سُبحانَه وتعالى الذي ليس كمِثلِه شيءٌ، وهذه الصِّفةُ ثابتةٌ له جلَّ وعلا على لسانِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لكِنَّ
الماتُريديَّةَ عطَّلوها وحرَّفوا نصوصَها إلى "ظهور تباشير الخيرِ" أو"العَفوِ" و"الارتضاءِ"، ونحوِها
[508] يُنظر: ((شرح المواقف)) للجرجاني (8/114)، ((عمدة القاري)) للعيني (25/127)، ((إشارات المرام)) للبياضي (ص: 189)، ((نشر الطوالع)) للمرعشي (ص 263). .
المثالُ الثَّالثُ والثَّلاثونَ: صِفةُ الغَيرةِ للهِ عزَّ وجلَّ، فقد حرَّفوها وعطَّلوا نصوصَها إلى "كراهية الإتيان إلى الفواحِش" و"عَدَم رِضاه" و"غَضَبه" أو "الزَّجر عن الفواحِشِ" أو"التَّحريم لها" أو "المنعِ منها" أو غيرِها من المجازاتِ
[509] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (25/100، 109). .
ولم يكتفوا بمجازٍ واحدٍ، بل ارتكبوا المجازَ في المجازِ، فقالوا: "ولازِمُ الغَضَبِ إرادةُ إيصالِ العقوبةِ عليها"
[510] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (25/100، 109). .
فحرَّفوا صفةَ "الغَيرةِ" بنوعٍ من المجازِ إلى "الغضَبِ" و"عدَمِ الرِّضا"، ثمَّ حرَّفوا صفة "الغَضَب" إلى إرادةِ إيصالِ "العقوبة"، كما حرَّفوا صفةَ "الرِّضا" إلى ما سبق من المجازِ، فارتكبوا المجازَ في المجازِ!
المثالُ الرَّابعُ والثَّلاثون: صفةُ "الحياءِ" وهي صفةٌ تزيدُ للمُؤمنينَ رجاءً، فعطَّلوها وحرَّفوا نصوصَها إلى "التَّرك" و"الامتِناع"
[511] يُنظر: ((بحر العلوم)) لأبي الليث السمرقَنْدي (1/299)، ((مدارك التنزيل)) للنسفي (1/34)، ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (1/71-72). .
المثالُ الخامِسُ والثَّلاثون: صفةُ "الألوهيَّة"، التي هي غايةُ إنزالِ الكُتُبِ وإرسالِ الرُّسُلِ وخَلقِ
الجِنِّ والإنسِ؛ فقد عطَّلوها وحرَّفوها إلى صفةِ "الرُّبوبيَّة"
[512] يُنظر: ((التبيان)) للرستمي الفنجفيري (ص 58-59). .