هو الشيخ المحدث المقرئ الفقيه أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن غازي، العثماني المكناسي ثم الفاسي المالكي، عالم المغرب وراويته الحيسوبي الفَرَضي صاحب الحواشي على الصحيح, والمعروف بابن غازي المكناسي. ولد سنة 841 بمكناس. برع في عدة فنون، لكنه اشتهر بالفقه، وكان بديع الخط متقِن الضبط. لم يكتفِ بالتعليم والتأليف، بل شارك في جهاد الإفرنج لحماية ثغور المغرب، حتى إنه توفي وهو في غزوة ضد النصارى بآصيلا؛ حيث مرض في هذه الغزوة، فأمر السلطان بحمله إلى منزله من فاس، فلما وصل إلى قرب عقبة المساجين اشتد به الحال وأمر أصحابَه أن يريحوا به هنالك، فبينما هو كذلك إذ مر به الشيخ أبو عبد الله الغزواني في سلسلته فسأل الموكلين به أن يعَرِّجوا به على الشيخ ابن غازي كي يعوده ويؤدي حقَّه، فلما وقف عليه طلب ابن غازي منه الدعاءَ، فدعا له بخير وانصرف. فلما غاب عنه قال ابن غازي لأصحابه: احفظوا وصيتي؛ فإني راحل عنكم إلى الله تعالى بلا شكٍّ، ثم حملوه إلى منزله فكان آخِر العهد به.
بعد أن نشأت الدولة الصفوية لم تكتفِ بفرض مذهبِها الشيعي على الناس بالقوةِ والقهر، بل بدأت تتحرَّش بالدولة العثمانية عن طريق إثارة الموالين لها من أصحابِ العمائم الحمر المعروفين بـ (قزلباش) ذوي التدين الشيعي، وأيضًا إثارتهم البرتغاليين وإرسال الرسائل لهم وحثهم على حرب العثمانيين، كما أنَّ احتضان الدولة لمراد بن أحمد الهارب من عمه السلطان سليم، كلُّ هذه الأمور اجتمعت لإثارة الحرب بين الدولتين العثمانية والصفوية، فتوجَّه السلطان العثماني سليم الأول بجيشٍ عظيم من أدرنة إلى الصفويين، وكان قد أحصى الشيعةَ الذين يقيمون في شرقي الدولة؛ لأنهم سيكونون أنصارًا للصفويين، وأمر بقتلهم جميعًا، ثم تقدَّم نحو تبريز عاصمة الصفويين الذين أرادوا الخديعة بالتراجُعِ حتى إذا أُنهك الجيش العثماني انقضُّوا عليه، وبقي السلطان العثماني في تقدُّمِه حتى سهل جالديران جنوب قارص شرقي الأناضول، وكانت فيه معركةٌ شرسة في شهر رجب من هذا العام عُرِفت بمعركة جالديران، انتصر فيها العثمانيون وفَرَّ من الميدان إسماعيل شاه الصفوي، ثم دخل السلطان العثماني تبريز في شهر رمضان واستولى على الخزائن ونقلها إلى إستانبول وتتبَّع إسماعيل لكنَّه لم يستطع القبض عليه، وأقبل فصلُ الشتاء فاشتد الأمرُ على الجنود وبدأ تذمُّرُهم، فترك السلطان المنطقة وسار نحو أماسيا حتى انتهى فصل الشتاء فرجع إلى أذربيجان، ففتح بعض القلاع ودخل إمارةَ ذي القادر، ثم رجع إلى إستانبول بعد أن ترك الجيش العثماني الذي دخل أورفة والرقَّة وماردين والموصل.
بعد أن استطاع السلطان العثماني سليم الأول أن ينتصرَ على الصفويين في معركة جالديران، ترك جيشًا كان مهمتُه الاستيلاء على الرقَّة وأورفة وماردين والموصل، وقبل هذا قام السلطان بعد أن انتهى من استراحته حتى انتهى الشتاء بالرجوع إلى أذربيجان ففتح فيها بعض القلاع ودخل إمارة ذي القدر السلجوقية، وأميرُها علاء الدولة، التي كانت تعتبر تحت سيطرة المماليك، وهذه الإمارة تضم مدن أبلستين ومرعش وعينتاب، فأصبحت ضمن أراضي الدولة العثمانية، وقد عين عليها السلطانُ سليم ابنَ شاه سوار، وهذا الأمر أثار حفيظة السلطان المملوكي قانصوه الغوري الذي جهَّز جيشًا وتوجَّه به إلى الشام لقتال العثمانيين الذين توجهوا هم أيضًا إلى الشام.
ما إن هُزمَ إسماعيل شاه الصفوي في موقعة جالديران العام الماضي أمام السلطان العثماني سليم الأول حتى كان أكثرَ استعدادًا وتقبلًا من قبلُ للتحالف مع البرتغاليين، وبدأ في الاستعداد للارتباط بالبرتغال عقِبَ استيلاء البوكرك على هرمز، عندها وصل سفيرٌ من لدى إسماعيل شاه وتمَّ الدخول في اتفاقية محدودة بين البرتغاليين والصفويين نصَّت على ما يلي: أن يقدِّم البرتغال أسطولَه ليساعدَ الفُرسَ في غزو البحرين والقطيف، كما يقدِّم البرتغال المساعدة لإسماعيل شاه لقمع الثورة في مكران وبلوجستان، وأن يكوِّن الشعبان البرتغالي والفارسي اتحادًا ضد العثمانيين، إلَّا أن وفاة البوكرك التي أتت بعد ذلك قد أعاقت ذلك التحالف، ولقد أظهر البرتغاليون تودُّدًا لإسماعيل شاه قبل معركة جالديران، وكانوا يهدفون من وراء تودُّدهم للصفويين أن تتاح لهم فرصة تحقيق أهدافهم في إيجاد مراكزَ لهم في الخليج العربي، وكانوا يُدركون أنهم إذا لم يكسبوا وُدَّ الصفويين فإن تعاوُنَ قوَّتِهم مع القوى المحلية في الخليج قد يؤدي إلى فشلِهم في تحقيق أهدافهم ولا سيما أن مشروعاتِهم في إيجاد مراكز نفوذ في البحر الأحمر مُنِيت بالفشل إلى حدٍّ كبير، لقد أدَّت هزيمة إسماعيل شاه أمام العثمانيين إلى حرصه الشديد للتحالف مع النصارى وأعداء الدولة العثمانيَّة؛ ولذلك تحالف مع البرتغاليين وأقرَّ استيلاءهم على هرمز في مقابل مساعدتِه على غزو البحرين والقطيف، إلى جانب تعهدِهم بمساندتهم ضد القوات العثمانية، وقد تضمَّن مشروع التحالف البرتغالي الصفوي تقسيمَ المشرق العربي إلى مناطقِ نفوذٍ بينهما، حيث اقترح أن يحتلَّ الصفويون مصرَ، والبرتغاليون فلسطينَ.
بلغ منويل البرتغالي أنَّ مينا المعمورة جيِّدة وبلادها نفاعة، فبعث إليها طائفةً من جنده فوصلوا إلى ساحلِها ونزلوا في البرِّ المقابل لها، وبنَوا هنالك برجًا لحصارها، ثم أردفهم مَلِكُهم منويل بعمارة تشتملُ على مائتي مركبٍ مشحونة بثمانية آلاف من المقاتلة، وكان خروج هذه العمارة من مدينة أشبونة، فوافت مينا المعمورة في الثالث والعشرين من يونيه من هذه السنة، وحاصروها وألحُّوا عليها بالقتال أيامًا، وبلغ الخبر بذلك إلى السلطان أبي عبد الله محمد البرتغالي، فبعث أخاه الناصر صريخًا في جيشٍ كثيف، وقاتل البرتغال قتالًا شديدًا وهزمهم هزيمةً قبيحة، ثم كانت لهم الكَرَّة على المسلمين فهزموهم واستولوا على المعمورة، وثبت قدمُهم بها وحصَّنوها بالسور الموجود بها الآن، واستمروا بها نحو خمس سنين ثم استرجعها المسلمون منهم بعد ذلك.
هو القائد البحري فاسكو دي جاما البرتغالي، ولد سنة 1460م في عائلة نبيلة، ودرس الملاحة البحرية، أوكل إليه ملك البرتغال مانويل الأول حملةً بحرية يصل فيها لبلاد الشرق دون المرور ببلاد المسلمين, فانطلق برحلته سنة 1497م من لشبونة ووصل بلاد الهند عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وذلك بعد اعتماده على معلومات وخبرات البحَّار المسلم أحمد بن ماجد النجدي العماني، وكان من أثر هذه الرحلة زيادةُ أطماع البرتغال الاستعمارية، فبعث الملك مانويل الأول حملةً بحرية عسكرية من 13 سفينة إلى الهند، فصدَّها الهنود، وقتلوا عددًا كبيرًا منها, فأوكل الملك مانويل إلى فاسكو دي جاما رحلة من 15 سفينة سنة 1502م, فعبَرَت رأس الرجاء الصالح ثم المحيط الهندي، حتى وصلت إلى بحر العرب، فسيطروا على مركب تجاري للمسلمين عدد ركابها 380 راكبًا كانوا عائدين من الحجِّ, فأمر فاسكو دي جاما بقتلهم جميعًا, فأضرم بها النار, واستغرقت السفينة أربعة أيام لتغرق في البحر؛ مما أدى إلى مقتل جميع من فيها من رجال ونساء وأطفال؛ مما أدى إلى ثورة المسلمين ضدَّه فهرب دي جاما شرقًا حتى وصل إلى مدينة غوا، وقد عمِلَ فاسكو دي جاما على قرصنة سفن المسلمين، فحطم لهم أسطولًا كاملًا عدد سفنه تسع وعشرين سفينة. كما قام بشنق 38 صيادًا ثم قطع رؤوسهم وأطرافهم ورمى بالجثث والأشلاء في البحر لتطفوَ بالقرب من شاطئ مدينة كاليكوت ليُرهب المسلمين فيها, ثم عاد إلى البرتغال سنة 1503م فتنقل في عدَّة مناصب عسكرية وإدارية، ثم عُيِّن نائبًا عن ملك البرتغال في الهند، وبعد وصوله بلاد الهند عاجلته المنية فهلك في الهند، ثم نُقل رفاتُه إلى البرتغال.
عندما استولى السلطان سليم الأول العثماني على إمارة ذي القادر التي كانت تابعة للدولة المملوكية وتوجَّه إلى الشام، أثار مخاوف السلطان المملوكي قانصوه الغوري الذي جهز جيشًا وتوجه به إلى الشام، وزاد هذا الأمر أنَّ المماليك وقفوا مع الصفويين ضد العثمانيين في ذي القادر ومرعش، بينما أمراء الشام شجَّعوا العثمانيين على القدوم إلى الشام؛ لخوفهم من الزحف البرتغالي، وربما أيضا زاد هذا أن علاء الدين الهارب من عمِّه سليم الأول والذي لجأ إلى قانصوه الغوري ولم يسلِّمْه الأخير للسلطان سليم، كلُّ ذلك ولَّد هذا التنافر بين الدولتين اللتين أصبحتا على عتبة الحرب، وكان السلطان قانصوه الغوري لعلمِه بقوة الجيش العثماني أرسل رسولًا للصلح الذي رفضه سليم الأول، فسار بجيشه إلى الشام والتقى الطرفان في مرج دابق غربيَّ مدينة حلب في الخامس والعشرين من رجب، ثم إن نواب الشام: خيري بك نائب حلب، وجانبردي نائب الشام، انضموا إلى العثمانيين فانتصر العثمانيون على المماليك، وقُتِل قانصوه الغوري فيها، ودخل السلطان سليم حلبَ وحماة وحمص ودمشق دون أي مقاومة، وأبقى ولاةَ الشام على ولاياتهم حسبما وعدهم، فعيَّن السلطانُ سليم جانبردي الغزاليَّ على دمشق، وعين فخر الدين المعني على جبال لبنان، وهو درزي لكنه كان ممن ساعد العثمانيين على المماليك رغبةً في الولاية, ثم اتجه إلى مصر، وكان المماليك قد عيَّنوا سلطانا آخر هو طومان باي.
هو السلطان الأشرف أبو النصر قانصوه بن بيبردى الغوري الجركسي الجنس, وهو من سلاطين المماليك البرجية. ولِدَ سنة 850 امتلكه الأشرف قايتباي وأعتقه وعيَّنه في عدة وظائف في خدمته. كان في أوائل الأمر أميًّا لا يعرف شيئًا؛ لأنه جُلب من بلاده وهو كبير قد شَرَع فيه الشيب، وصار السلطان قايتباي يرقِّيه لكونه أخًا لزوجته، وهي التي بذلت الأموال للجند ومكَّنَته من الخزائن حتى ملَّكوه بعد السلطان قايتباي، فاستمر سلطانًا سنة وسبعة أشهر، ثم خلعوه وكان قد تلقب بالأشرف وأخرجوه من المملكة سنة 905 وولي بعده أميران لم يثبت قدمُهما في السلطنة، ثم أجمع الأجناد على تولية السلطان قانصوه الغوري، وكان من أقَلِّ الأمراء شأنًا وأحقرهم مكانةً، لكن الأمراء الكبار تحامَوا الإقدام على السلطنة خوفًا من بعضهم البعض، فولوا قانصوه فقَبِلَ بعد أن شرَطَ عليهم أنهم لا يقتلونه إذا أرادوا خلعَه، فقبلوا منه ذلك فولي السلطنة سنة 906 وكان عظيم الدهاء قويَّ التدبير، فثبت قدمه في السلطنة ثباتًا عظيمًا، وما زال يقتل أكابِرَ الأمراء حتى أفناهم وصَفَت له المملكة ولم يبقَ له فيها منازعٌ، ولكنه مال إلى الظلم والعسف وانتهب أموال الناس وانقطعت بسببه المواريثُ، فضجَّ أهلُ مصر ومَن تحت طاعتِه؛ مِن أخذِه لأموالهم، فسلط الله عليه السلطان سليم الأول سلطانَ العثمانيين؛ فإنه غزاه إلى دياره ووقع بينهما مصاف، فقُتِل قانصوه الغوري تحت سنابك الخيل في معركةِ مرج دابق وعمرُه إذ ذاك يقارب الثمانين عامًا، وكانت مدة سلطنته ستة عشر سنة وعدة أشهر، فاختار المصريون سلطانًا جديدًا هو نائبه الذي تركه السلطان قانصوه على مصر: طومان باي، الذي تلقَّب بالملك الأشرف بعد أن أقسَمَ له الأمراء بالطاعة وبايعوه، وبايعه الخليفة كذلك.