خرج الإمامُ محمد بن عبد الوهاب من العُيينة بنجدٍ يدعو إلى دينِ الله القويم، وقد كانت منطقةُ نجد في هذه الفترة انتشر فيها الشِّركُ والبِدَع، فلقي الشيخُ صعوبات كثيرة إلى أن يسَّرَ الله له الأميرَ محمد بن سعود أمير الدرعية، فتم بينهما اتفاقٌ تاريخي في هذا العام عُرِف "باتفاق الدرعية" لَمَّا وصل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية دخل على شخصٍ مِن خيارها في أعلى البلد يقال له: محمد بن سويلم العريني، فنزل عليه, ويقالُ إنَّ هذا الرجل خاف من نزوله عليه وضاقت به الأرضُ بما رَحُبت، وخاف من أميرِ الدرعية محمد بن سعود، فطمأَنَه الشيخ وقال له: أبشِرْ بخير، وهذا الذي أدعو الناسَ إليه دينُ الله، وسوف يُظهِرُه الله، فبلغ محمَّدَ بن سعود خبرُ الشيخ محمد، ويقال: إن الذي أخبره به زوجتُه، جاء إليها بعضُ الصالحين وقال لها: أخبري زوجَك الأمير محمدًا بهذا الرجل، وشجِّعيه على قَبولِ دعوته، وحَرِّضيه على مؤازرته ومساعدتِه، وكانت امرأةً صالحةً طَيِّبةً، فلما دخل عليها محمد بن سعود أمير الدرعية وملحقاتها قالت له: أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك، رجلٌ داعية يدعو إلى دينِ الله، ويدعو إلى كتاب الله، يدعو إلى سنَّةِ رَسولِ الله عليه الصلاة والسلام، يا لها من غنيمة! بادِرْ بقَبوله وبادر بنُصرته، ولا تقف في ذلك أبدًا، فقبل الأمير مشورتَها، ثم تردد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه؟! فأشير عليه، ويقال: إن المرأة أيضًا هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين، وقالوا له: لا ينبغي أن تدعوه إليك، بل ينبغي أن تقصِدَه في منزله، وأن تقصِدَه أنت وأن تعظِّمَ العلم والداعيَ إلى الخير، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادةِ والخيرِ- رحمةُ الله عليه، وأكرم الله مثواه- فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم العريني، ورحب به قائلًا: "أبشر ببلاد خيرٍ مِن بلادك، وأبشر بالعِزِّ والمنعة، فقال الشيخ محمد: وأنا أبشِّرُك بالعز والتمكين، وهذه كلمةُ لا إله إلا الله، من تمسَّك بها وعمل بها ونصرها، مَلك بها البلادَ والعباد، وهي كلمةُ التوحيد، وأوَّلُ ما دعت إليه الرسل، من أوَّلهم إلى آخرهم, ثم بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب للأمير محمد بن سعود حقيقةَ الإسلام والإيمان، وأخبره ببطلان ما عليه أهل نجد من عبادة الأوثان والأصنام والأشجار، فقال الأمير له: يا شيخ، لاشك عندي أنَّ ما دعوتَ إليه أنَّه دين الله الذي أرسل به رسُلَه وأنزل به كتُبَه، وأنَّ ما عليه اليوم أهلُ نجد من هذه العبادات الباطلة هو كما ذكرت نفسُ ما كان عليه المشركون الأولون من الكُفرِ باللهِ والإشراك، فأبشِرْ بنُصرتِك وحمايتك والقيام بدعوتِك، ولكن أريد أن أشتَرِطَ عليك شرطين: نحن إذا قمنا بنصرتك وجاهدنا معك ودان أهلُ نجد بالإسلام وقَبِلوا دعوة التوحيد، أخاف أن ترتحِلَ عنا وتستبدل بنا غيرَنا، والثاني: أن لي على أهل الدرعية قانونًا آخذُه منهم وقت حصاد الثمارِ، وأخاف أن تقول: لا تأخذ منهم شيئًا، فقال الشيخ: أما الشرط الأول فابسُطْ يدك أعاهِدْك: الدَّمُ بالدَّمِ، والهدمُ بالهدم، وأما الثاني فلعل الله أن يفتحَ عليك الفتوحاتِ فيُعَوِّضَك من الغنائِمِ والزكوات ما هو خيرٌ منه. فتمَّ التعاهد والاتفاق بينهما"، فقام الأمير محمد بن سعود بمؤازرة الشيخ ودَعْمِه وحمايته؛ ليقوم بتبليغ الدعوة، فانطلق الشيخ محمد يصحح الأوضاعَ الدينية المتردِّية، فقويت الدرعية سياسيًّا ودينيًّا, ثم انطلقت منها الجيوشُ لتوحيد الأجزاء المتفَرِّقة من نجد وما حولها ونشْرِ الدعوة فيها.
هو الشيخ الفاضل محمد بن علي بن حامد بن صابر بن الفاروقي التهانوي الهندي الحَنَفي: أحدُ رجال العلم، اشتُهر بكتابه الشهير: كشاف اصطلاحات الفنون. عاش التهانوي في عصر سلاطين الدولة المغولية في الهند، فأدرك طَرَفًا من عهد الإمبراطور أورنغ زيب عالمكير الذي عرفت الهندُ في عصره حركةً علمية ثقافية نَشِطةً بتشجيعه لها. وقد قيل: إن التهانوي كان قاضيًا في قريته تهانة في عصر هذا الإمبراطور. نشأ التهانوي في بيئة علمية، نهل من ينابيعها؛ إذ كان والده من كبار العلماء حتى لُقِّب بقطب الزمان، في هذا الجوِّ المفعم بالزاد والنشاط العلميين عاش التهانوي، فنهل من ينابيع المعرفة وبحار العلم. وجال على الحواضِرِ يلتقي العلماءَ ويستمع إليهم يأخُذُ عنهم وينكبُّ على بحثِه, فلا عجب أن أورد في تقديمه الكشاف قوله: "لَمَّا فرغت من تحصيل العلوم العربية والشرعية من حضرة جناب أستاذي ووالدي، شمَّرت عن ساق الجِدِّ إلى اقتناء ذخائر العلوم الحكمية الفلسفية من الحكمة الطبيعية والإلهية والرياضية كعِلم الحساب والهندسة والهيئة والإسطرلاب ونحوها. فلم يتيسر لي تحصيلًا من الأساتذة، فصرفت شطرًا من الزمان إلى مطالعة مختصراتها الموجودة عندي، فكشفها الله عليَّ، فاقتبست منها المصطلحات وسطَّرتُها على حدة في كل بابٍ يليق بها" كان قرأ النحوَ والعربية على والده وتفَقَّه عليه, ثم طَفِق يقتني ذخائِرَ العلوم الحكمية، فجمع الكتب، ولم يتَّفِقْ له تحصيلُها على الأساتذة، فصرف شطرًا من الزمان في مطالعة الكتب الموجودة عنده, فجمع في مصنَّفِه الكشَّاف- الذي يعتبر معجمًا لغويًّا فنيًّا- مصطلحاتِ العلوم وتعريفَها، وشرَحَ الموضوعات العلمية الاصطلاحية حسب العلم ورتبه أبجديًّا. وقد فرغ من تصنيفه سنة 1158, وقد اختُلف في تاريخ وفاته، والمتَّفق عليه أنَّه توفي بعد سنة 1158.
ظلَّت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد سلميةً دون الدخولِ مع خصوم الدعوة في أي صدامٍ عسكري منذ الاتفاق التاريخي بين أمير الدرعية والشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1157 إلى هذا العام، حين ابتدأ الصراع العسكري بين الدرعية والرياض، بعد انضمام منفوحة إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذه السنة، حيث قام دهام بن دواس أميرُ الرياض بالهجوم على المنفوحة الذين لبَّوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودخلوا في طاعة الأمير محمد بن سعود، فعدا عليهم صباحًا على غِرَّة ومعه بعض أهل الرياض وبعض سكان البوادي من آل ظفير، فكمن لهم قرب البلد وأمر البوادي والخيل أن تغير على زرعهم ونخلِهم في أطراف البلدة، فهبَّ المقاتلون من أهل المنفوحة مع أميرِهم علي بن مزروع وردُّوهم على أعقابِهم بعد مقاومةٍ عنيفة، جُرح فيها دهام بن دواس وقُتِل فرَسُه، كما قُتل أحد عشر رجلًا من رجالِه.
هاجم أميرُ الرياض دهام العماريةَ المواليةَ للدرعية وقتل أميرَها عبد الله بن علي وعقر إبِلَه، فلما بلغ ذلك الإمام محمد بن سعود جمع أهل الدرعية وعرقة، وأراد أن يرصد عودة جيش دهام من العمارية ويكمن له، وكان دهام بن دواس قد كمن في الموضعِ نفسه فالتقى الفريقان واقتتلوا قتالًا شديدًا انهزم فيه دهام، وجَدَّ أهل الدرعية في إثرِه ولكنهم فُوجئوا بخروج فرقة لابن دواس من جهة العمارية، فوقع القتل وانكسر جيشُ الدرعية.
أخذت الدرعية بثأرِها من دهام بن دواس بعد وقعةِ العمارية حينما قام الأميرُ محمد بن سعود بحملةٍ على دهام وجَرَت موقعةٌ في مكان يقال له الوشام، انهزمت فيها قوات الرياض، ودُعِيت بوقعة "الشياب" لأنه قتل فيها شايبان (أي شيخان مُسِنَّان) من آل شمس من أهل الرياض.
جهَّز دهام بن دواس أميرُ الرياض جيشًا وهاجم الدرعية، ولما اندفعت نحوه قواتُها تظاهر بالتقهقر فظَنَّ جيش الدرعية أنَّ جيش دهام قد انهزم، إلا أن جيش الرياض كان قد نصب كمينًا لجيش الدرعية، فكانت الهزيمة لجيش الدرعية، وقُتِلَ فيها الأميران فيصل وسعود ابنا الإمام محمد بن سعود، وكل هذه الحروب كانت في هذه السَّنةِ، وذكر ابن بشر أنَّها كانت سنة 1160.
بعد أن جهر أميرُ الرياض دهام بن دواس بعداوتِه وانكشف غدرُه في هجومِه على المنفوحة، انتدب الأمير محمد بن سعود جماعةً توجَّهت ليلًا إلى الرياض فدخلوها وأتوا باب القلعة التي فيها دهام، فشذبوا البابَ بالمنشار ودخلوا بيت ناصر بن معمر وتركي بن دواس، فعقروا فيهما إبلًا كثيرةً، ورموا بالرصاص دهام بن دواس وهو في عليَّة قصره ثم عادوا إلى الدرعية سالمين.
كانت وقعةُ دلقة من غير رضاء أمير العُيينة ابن معمر ولم يشاوَرْ فيها؛ لذلك لم يحضُرْها. يقول ابن غنام: "لما رأى ابنُ معمر عودةَ الجماعة من الحرب خَشِيَ أن ينكشف نفاقُه وأن تظهر خيانته, فأرسل إلى الشيخ وإلى محمد بن سعود يستشفع إليهما, ويطلب منهما الصفحَ عن تخلُّفِه، فقبلا عذره رجاءً منهما ألا يعودَ إلى مكره, ثم قَدِمَ عليهما ومعه وجوهُ أهل حريملاء والعُيينة، وعاهدهما على الجهاد والقيام بنصرة الدين، ولو في أي مكان, فتوهَّما فيه الصدق والوفاء، فرأَّسوه ورفعوه على المسلمين وأمَّروه, وكان من أعظم ما أظهر نفاق عثمان بن معمر أنَّه أرسل إلى إبراهيم بن سليمان أمير ثرمداء وأمَرَه أن يركب إلى دهام بن دواس مع جماعتِه ويزين له الاتِّفاقَ مع عثمان والقدوم عليه إلى العُيينة على أن يُظهِرَ في أحاديثه بمجالِسِه أنه اهتدى وانضم إلى الجماعة, فقدم مع دهام مع إبراهيم بن عثمان، وكان ذلك من غير مشورة الشيخ وابن سعود، فحين رأى أهل العيينة دهامًا وعَلِموا بما حدث شَقَّ عليهم ذلك واجتمعوا جميعًا وساروا إلى عثمان, فلما رأى حالَهم مَوَّه عليهم وقال لهم: ليس لي مرادٌ إلا الإرسال للشيخ ليحضُرَ عقد الصلح ويدخُلَ دهام في دائرة الإسلامِ، فاطمأنت نفوسُ القوم, ثم أرسل إلى الشيخ وألحَّ عليه في القدوم، ولكن الله ألقى في رُوعِ الشيخ ما استبان به خيانةَ عثمان وغدره، فامتنع عن الذهاب فلمَّا رجع الرسول وأخبرهم بذلك عرف أهل البلد مكرَ عثمان، فحصروا ابن دواس في القصرِ وهَمُّوا أن يفتكوا به، لكن دهام هرب منهم تحت جنح الظلام، وعاد إبراهيم بن سليمان إلى ثرمداء وفارق منهج الحق, وكان هذا كلُّه قبل أن يفِدَ عثمان على الشيخ وابن سعود ويأخذ منهما العهد المجدد, ولكنه مع ذلك لم يخلِصِ النية ولم يعقِدْ على الوفاء، وسيتبين غدرُه "
قامت الدرعية بقيادة أميرِها محمد بن سعود بتجهيز جيشٍ قوي للهجوم على الرياض، ردًّا على هزيمة الدرعية في "وقعة العبيد"، إلَّا أن أحد أهالي بلدة حريملاء يقالُ له أبو شيبة من آل داود، ويدعى أبو شيبة كان قد أفشى للرياض سرَّ المعلومات التي هيأتها الدرعية لمهاجمة الرياض, فصَبَّحهم الأمير محمد بن سعود وجماعته فإذا هم مستعِدُّون والتقوا في جوف البلد فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وحمي القتال عند باب القصر، وأصيب دهام حيث ضربه حمد بن محمد بن منيس في رأسه وجسده، حتى جاء موسى الحريصي من خلفِه فقتله فنجا دهام بعد أن أشرفَ على الموت, وكان جزاءُ الحريصي المعاقبة والتنكيل من دهام لأنَّه اهتدى بعد الوقعة وأراد الهجرةَ إلى الدرعية، فأمر دهام بقطع رجلِه وقدمِه، ثم نفاه إلى الدرعية، فلم يبرح إلَّا ثلاثة أيام مات بعدها.
هو الملك نادر شاه الأفشار التركماني، ويعرف كذلك باسم "نادر قـُلي بگ" ولد نادر شاه في محرم 1100هـ/ 22 نوفمبر 1688م وجلس على العرش في شوال 1148هـ وهو مؤسِّس الأسرة الأفشارية التي حكمت إيران. كانت قبيلةُ أفشار هي إحدى القبائل التركمانية التي فرَّت من وجه المغول تاركةً تركستان، واستقرت في أذربيجان، فأرسل الشاه إسماعيل الصفوي قِسمًا من هذه القبيلة إلى الجزء الشمالي من خراسان وأسكنهم فيها بالقرب من منبع نهر كوبكان. كان أول أمر نادر شاه من قطَّاع الطرق, ثم جمع رجاله ورأى من مصلحته العمل كقائد عسكر لطهماسب الثاني آخر شاهات الدولة الصفوية, كان لنادر شاه الفضلُ في حركة المقاومة العسكرية لتحرير إيران من الاحتلال الأفغاني، وبعد نجاحه أخذ اسمُه يصعد في إيران حتى انتهى به الأمر إلى أن نصَّب نفسه شاهًا لإيران بعد أن عزل طهماسب الثاني, وأعلن نهايةَ الدولة الصفوية في إيران. عُرف نادر شاه بأنه محارب عسكري مشهور بحملاته العسكرية, ويعدُّ واحدًا من أكبر الغزاة الفاتحين في تاريخ إيران الحديث، حيث قام بعدة حملات ناجحة في الهند وأفغانستان وضِد الدولة العثمانية وآسيا الوسطى، وحَسَبت له روسيا حسابه كقوَّة فتية في المنطقة، وتحالفت معه ضد العثمانيين. فلما زادت قسوةُ نادر شاه ورأى الناس ظلمَه وتعسُّفَه، خافه الأمراء فتآمروا على قتلِه، وفي جملتهم بعضُ القواد من الأفشار، وكان منهم رئيسُ الحرس الذي أعانهم فدخلوا عليه وهو نائم فقتلوه في سريره ليلة 11 من جمادى الثانية, ثم أرسلوا وراءَ علي شاه ابن أخي نادر شاه فحكَّموه على إيران، لكنه كان ضعيفًا خاملًا، فجاء أخوه إبراهيم الذي حكم العراق باسمه وعزله، وكان علي شاه قد قَتَل كل آل نادر عدا حفيدًا له اسمه شاه رخ ميرزا، وأما إبراهيم فلم يدُم طويلًا حتى قتله حرَّاسه وولَّوا مكانه شاه رخ الصغير، لكن قائد الجيوش ميرزا محمد أسَرَه وسمل عينيه وأعيد بعد فترة، حيث جاء علي خان رئيس جيش إيران فأخرجه من سجنه وأعاده، لكنه رضي ببلاد خراسان وحسبُ, وصارت إيران في قبضة كريم خان زند، وأخذت الولايات تستقِلُّ واحدة تلو الأخرى.
قام عثمانُ بن معمر أمير العيينة بمعاهدة الأمير محمد بن سعود على الحربِ معه، فقاد جيشُ الدرعية ضِدَّ جيش الرياض، وانهزم بعد قتالٍ شديد قُتِل فيه أناس كثيرون، ثم حدثت وقعة أخرى سار فيها عبد العزيز بن محمد بن سعود بأهل الدرعية وضرما، وتولى عثمان بن معمر قيادةَ قوات العُيينة وحريملاء، كما أنه كان الأمير عليهم جميعًا واشتبك مع جيش الرياض في مكان يدعى "الخريزة" قرب الرياض، وكانت النتيجة متكافئة، وتلت ذلك معاركُ كثيرة بين الدرعية والرياض، كان أسلوب الكرِّ والفر ونصْب الكمائن هو الفَنَّ القتاليَّ فيها.
برز أحمد خان الدوراني الذي كان يقود الأفغان والأوزبك في جيش نادر شاه، وعندما قُتل نادر شاه عام 1160هـ في شروان أسرعت الفرقة الأفغانية التي كانت معه عائدةً إلى بلادها واستقَرَّت في قندهار، ونادت بقائدها أحمد خان الذي كان قد تقاتل مع بقية القادة وهُزِمَ فانسحب إلى قندهار أيضًا، وأسس فيها مملكة الأفغان وعاصمتها قندهار، وبدأ أحمد خان شاه يوسِّع دولته؛ فقد ضم إليها كشمير ولاهور والملتان، وقاتل السيخ والهندوك.
هو الشيخ العلامةُ الإمام العالمُ الهُمام الحجَّة الرُّحلة العمدة: أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني، الشهير بالجراحي- نسبة إلى أبي عبيدة بن الجراح- العجلوني الدمشقي، محدِّث الشام في أيامه. وُلِد بعجلون (بالأردن) سنة 1087 نشأ بدمشق وفيها توفي. كان عالِمًا بارعًا صالحًا مفيدًا محدِّثًا مبجَّلًا قدوة سندًا خاشعًا. له يدٌ في العلوم لا سيما الحديث والعربية، وكان شافعيًّا صوفيًّا، له مصنفات كثيرة، أشهرها: كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث, وله عقد اللآلئ والزبرجد في ترجمة الإمام الجليل أحمد، وله شرح على البخاري، وغيرها.
جرت وقعة البطحاء في الرياض، وذلك أن محمد بن سعود سار بجنودِه إلى الرياض ليلًا ووصل المكان المعروف بباب المروة ومعه رجال مشهورون بالشجاعة، منهم علي بن عيسى الدروع، وسليمان بن موسى الباهلي، ومحمد بن حسن الهلالي، وعلي بن عثمان بن ريس، وعبد الله بن سليمان الهلالي، وإبراهيم الحر، فخرج إليهم أهلُ الرياض ووقع قتال شديد، قُتل فيه من أهل الرياض سبعةُ رجال, واثنان من أهل الدرعية.
سارت قوةٌ من أهل الدرعية وأميرُهم عبد العزيز بن محمد إلى ثرمداء، وكان النذيرُ قد جاء أهل ثرمداء بذلك، فاستعانوا بأهل وثيثيا ومرات، فالتقى بهم جيش الدرعية وهم مستعدون للقتال في موضع قريب من ثرمداء يسمى الوطية، وكان جيش الدرعية قد أعدوا كمينًا، فلما نشب القتال خرج عليهم الكمين فولَّوا مدبرين وقتل منهم خمسة وعشرون، منهم علي بن زامل أمير وثيثيا
هو عثمانُ بن حمد بن عبد الله بن محمد بن حمد بن عبد الله بن محمد بن حمد بن حسن بن طوق بن سيف آل معمر، من العناقر، من بني سعد من بني تميم: أمير العيينة. تولى إمارتها خلفًا لأخيه محمد, وهو جدُّ سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد ثالث حكام الدولة السعودية الأولى. كان ابن معمر آوى الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العيينة ووعد بنصره بعد خروجه من حريملاء، لكنه طرد الشيخَ من العيينة بعد أن تلقَّى ابن معمر تهديدًا من قائد الأحساء بشأن الشيخ يأمره أن يقتله، وقال: إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا وكذا، فإما أن تقتله، وإما أن نقطع عنك خراجَك الذي عندنا. فقال للشيخ: إن هذا الأمير كتب إلينا وإنه لا يحسُنُ منا أن نقتلك، وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته، فإذا رأيتَ أن تخرج عنا فعلتَ، فنصحه الشيخ ورغَّبه في نصرة لا إله إلا الله، وأن من تمسك بهذا الدين ونصره وصدق في ذلك، نصره الله وأيَّده وولاه على بلاد أعدائه، فإن صبرتَ واستقمتَ وقبِلتَ هذا الخير، فأبشر فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره، وسوف يولِّيك الله بلاده وعشيرته, فقال: أيها الشيخ إنا لا نستطيعُ محاربته، ولا صبْرَ لنا على مخالفته. فخرج الشيخ عنده وتحوَّل من العيينة إلى الدرعية، ثم لَمَّا قَوِيَ شأن الدعوة وقَوِيت بسببها إمارة الدرعية، اضطر ابن معمر أن يدخل تحتَ لواء حكام الدرعية، وقد ظهرت منه أمور تدلُّ على عدم صدقه، ونفاقِه، حتى إنه تآمر مع دهام بن دواس على المكر بالشيخ محمد بن عبد الوهاب, ولما كثرت شكايةُ أهل العيينة من تآمرِه على الدعوة اتفقوا مع الشيخ المجدد على التخلُّص منه، يقول ابن غنام: "لما تزايد شرُّ عثمان بن معمر على أهل التوحيد وظهر بغضُه لهم وموالاته لأهل الباطل، وتبيَّن الشيخ صدق ما كان يُروى عنه، وجاءه أهل البلاد كافة وشكوا إليه خشيتهم من غدره بالمسلمين، قال الشيخ حينئذ لمن وفد عليه من أهل العيينة: أريدُ منكم البيعةَ على دين الله ورسولِه، وعلى موالاة من والاه ومعاداة من حاربه وعاداه، ولو أنه أميركم عثمان, فأعطَوه على ذلك الأيمان وأجمعوا على البيعة, فملئ قلب عثمان من ذلك رعبًا, وزاد ما فيه من الحقد, وزيَّن له الشيطان أن يفتك بالمسلمين, ويُجليَهم إلى أقصى البلدان، فأرسل إلى ابن سويط وإبراهيم بن سلمان رئيس ثرمداء... يدعوهما إلى المجيء عنده لينفذ ما عزم عليه من الإيقاع بالمسلمين, فلما تحقق أهلُ الإسلام ذلك تعاهد على قتله نفرٌ، منهم حمد بن راشد, وإبراهيم بن زيد, فلما انفضَّت صلاة الجمعة قتلوه في مصلَّاه بالمسجد, فلما عَلِمَ بذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب عَجِل بالمسير إلى العيينة خشية اختلاف الناس وتنازُعِهم، فقدم عليهم في اليوم الثالث بعد مقتلِه، فهدأت النفوس فتجاذبوا عنان الرأي والمشورة فيمن يتولى الرئاسة والإمارة بعده، وأراد أهل التوحيد ألَّا يولى عليهم أحدٌ من آل معمر، فأبى الشيخ ووضَّح لهم طريقَ الصواب بالحجَّة ولمقنعة، وأمَّر عليهم مشاري بن معمر"
قامت دولةُ الدرعية الناشئة بعدة غزوات ضد بلدان منطقة سدير التي رفضت الدعوة، ورفضت الانضواءَ تحت لواء الدولة الناشئة. والتي بدأت غزواتُها للمنطقة في هذه السنة، واستمرت حتى عام 1177هـ. وفي هذه الفترة استطاعت نشرَ مبادئ الدعوة في كلٍّ من الزلفي وجلاجل والحوطة والجنوبية والروضة والتويم والغاط والداخلة والعودة وحرمة، وغيرها من المدن والبلدان، في هذه المنطقة.
بعد أن أعلنت حريملاء خضوعَها لدولة الدرعية في أوَّلِ الأمر، ثم قام بعض أهلها في هذه السنة بتحريضٍ من قاضيها سليمان بن عبد الوهاب شقيق الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي كان معارضًا لآراء أخيه، قاموا بنقضِ عَهدِهم مع الدعوة والدولة، وأخرجوا من البلدة من لم يستجِبْ دعواهم، ومن بينهم الأمير محمد بن عبد الله بن مبارك، وأخوه عثمان، فقصد هؤلاء المطرودون بلدة الدرعية ونزلوا ضيوفًا على أميرها، ولما خَشِي المتمردون في حريملاء من ردِّ الدرعية عليهم، أرسلوا وفدًا لاسترضاء المطرودين واسترجاعهم إلى بلدتهم. فلما عادوا إليها إذا بقبيلة آل راشد من أهل حريملاء تهجم على هؤلاء العائدين وتفتكُ ببعضِهم، فقتلوا الأمير محمد بن عبد الله وثمانية من أتباعه، وكان من الناجين مبارك بن عدوان الذي فرَّ وطلب النجدة من الدرعية.
اجتمع أهلُ سدير والوشم ومعهم آل ظفير، واتجهوا إلى رغبة، وكان أهلها قد اهتَدَوا إلى التوحيد, فحصرتهم تلك الجموعُ في البلد أيامًا، فجنح بعض أهلها إلى الضَّلالِ فأدخلوا تلك الأجناد فنَهَبوا جميع الأموال، ولكِنَّ الله حقن دماء المسلمين, ثم اتجهت تلك الجموع ومعهم جلوية ضرمى إلى ضرمى- الذين دخل أهلها في طاعة الدرعية- فحصَروا أهلها أيامًا ونصبوا السلالم على أسوارها، وصعد منهم السور نحو ثلاثين رجلًا قُتلوا جميعًا, ثم رجعوا بعد ذلك خائبين.