الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 458 العام الميلادي : 1065
تفاصيل الحدث:

حَدثَ بخُراسان زَلزلةٌ مَكثَت أيَّامًا، تَصدَّعَت منها الجِبالُ، وهَلكَ جَماعةٌ، وخُسِفَ بعِدَّةِ قُرى، وخَرجَ الناسُ إلى الصحراءِ وأقاموا هنالك، ووَقعَ حَريقٌ بنهر معلى فاحتَرقَ مائةُ دُكَّانٍ وثلاثةُ دُورٍ، وذهبَ للناس شيءٌ كَثيرٌ، ونَهبَ بَعضُهم بَعضًا.

العام الهجري : 458 العام الميلادي : 1065
تفاصيل الحدث:

سار ألب أرسلان من مرو إلى رايكان، فنَزلَ بظاهِرِها، ومعهُ جَماعةُ أُمراءِ دَولتِه، فأَخَذَ عليهم العُهودَ والمَواثِيقَ لِوَلَدِهِ ملكشاه بأنَّه السُّلطانُ بعدَه، وأَركبَه، ومشى بين يَديهِ يَحمِلُ الغاشيةَ، وخَلعَ السُّلطانُ على جَميعِ الأُمراءِ، وأَمرَهُم بالخُطبةِ له في جميعِ البلادِ التي يَحكُم عليها، ففعل ذلك، وأَقطَع البِلادَ، فأَقطَع مازندران للأَميرِ إينانج بيغو، وبلخ لأخيه سُليمان بن داود جغري بك، وخوارزم لأخيه أرسلان أرغو، ومرو لابنِه الآخر أرسلان شاه، وصغانيان وطخارستان لأخيه إلياس، ووِلايةَ بغشور ونواحيها لِمَسعودِ بن أرتاش، وهو من أَقاربِ السُّلطانِ، ووِلايةَ أسفرار لِمَوْدُودِ بن أرتاش.

العام الهجري : 458 العام الميلادي : 1065
تفاصيل الحدث:

سَيَّرَ تَميمٌ، صاحبُ إفريقية، عَسكرًا كَثيفًا إلى مَدينةِ قابس، وبها أحمدُ بن خُراسان قد أَظهرَ عليه الخِلافُ، وسَببُ ذلك أنَّ المُعِزَّ بن باديس، أبا تَميمٍ، لمَّا فارَقَ القَيروانَ والمَنصوريَّةَ ورَحلَ إلى المَهديَّة، استَخلفَ على القَيروان وعلى قابس قائدَ بنَ مَيمونٍ الصنهاجيَّ، وأَقامَ بها ثلاثَ سنين، ثم غَلبَتهُ هوارةُ عليها، فسَلَّمَها إليهم وخَرجَ إلى المَهدِيَّة، فلمَّا وَلِيَ المُلْكَ تَميمُ بن المُعِزِّ بعدَ أَبيهِ رَدَّهُ إلى قائدِ بنِ ميمونٍ، وأَقامَ عليها، ثم أَظهرَ الخِلافُ على تَميمٍ والْتَجأَ إلى طَاعةِ الناصرِ بن علناس بن حمَّادٍ، فسَيَّرَ إليه تَميمٌ عَسكرًا كَثيرًا، فلمَّا سَمِعَ بهم قائدُ بن مَيمونٍ عَلِمَ أنَّه لا طَاقةَ له بهم، فتَركَ القَيروانَ وسار إلى الناصرِ، فدَخلَ عَسكرُ تَميمٍ القَيروانَ، وخَرَّبوا دُورَ قائدٍ، وسار العَسكرُ إلى قابس، وبها ابنُ خُراسان، فحَصَروهُ بها سَنةً وشَهرينِ، ثم أَطاعَ ابنُ خُراسان تَميمًا وصالَحهُ.

العام الهجري : 458 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1066
تفاصيل الحدث:

هو إمامُ اللُّغةِ، أبو الحُسينِ عَلِيُّ بن إسماعيلَ المرسي نِسبةً إلى مَدينةِ مرسية في شَرقِ الأَندَلُس المُعروفُ بابنِ سِيدَه، وأَحَدُ مَن يُضرَب بِذَكائِه المَثَلُ. كان إمامًا حافِظًا في اللُّغةِ، وكان ضَريرَ البَصَرِ، أَخذَ عِلمَ العَربيَّةِ واللُّغةِ عن أَبيهِ، وكان أَبوهُ ضَريرًا أَيضًا، واشتَغلَ على أبي العَلاءِ صاعدٍ البغداديِّ، وله ((المُحكَم في لِسانِ العَربِ)) في مُجلَّداتٍ عَديدةٍ، وله ((شَرحُ الحَماسَةِ)) في سِتِّ مُجلَّداتٍ، وغيرُ ذلك، وقَرأَ على الشيخِ أبي عُمَرَ الطلمنكي كِتابَ ((الغريب)) لأبي عُبيدٍ سَرَدَها مِن حِفظِه، قال الطلمنكي: "دَخلتُ مرسية فتَشَبَّثَ بي أَهلُها يَسمَعون عَلَيَّ "غَريب المُصَنَّف" فقلتُ لهم: انظُروا لي مَن يَقرأُ لكم وأُمسِكُ أنا كِتابي، فأَتوني برَجُلٍ أَعمَى يُعرَف بابنِ سِيدَه، فقَرأهُ عَليَّ مِن أَوَّلِه إلى آخرِهِ، فتَعجَّبتُ مِن حِفظِه". وكان الشيخُ يُقابِل بما يَقرأُ في الكِتابِ، فسَمِعَ الناسُ بقِراءتِه مِن حِفظِه، فتَعجَّب الناسُ لذلك، وكان له في الشِّعْرِ حَظٌّ وتَصَرُّفٌ. قال اليسعُ بنُ حزمٍ: "كان ابنُ سِيدَه شُعوبِيًّا يُفضِّل العَجَمَ على العَربِ". قال الذهبيُّ: "وحَطَّ عليه السّهيليُّ في ((الرَّوْض الأَنِف)) فقال: "تَعَثَّر في ((المُحكَم)) وغَيرِه عَثراتٍ يَدْمَى منها الأَظَلّ، ويَدْحَضُ دَحَضاتٍ تُخرِجُه إلى سَبيلِ مَن ضَلّ، حتى إنَّه قال في الجِمارِ: هي التي تُرمَى بِعَرفَة. قلتُ (الذَّهبيُّ): هو حُجَّةٌ في نَقلِ اللُّغةِ، وله كِتابُ ((العالم في اللُّغةِ)) نحو مائة سِفْرٍ، بَدأَ بالفَلَكِ، وخَتَمَ بالذَّرَّةِ" تُوفِّي وله سِتُّونَ سَنَةً ولم يَتَيَسَّر له الحَجُّ.

العام الهجري : 458 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1066
تفاصيل الحدث:

هو العَلَّامةُ، الثَّبْتُ، الفَقيهُ، شَيخُ الإسلامِ، أبو بكرٍ أَحمدُ بنُ الحُسينِ بن عَلِيِّ بن عبدِ اللهِ بن موسى البَيهقيُّ، الخسرو جردي الشافعيُّ الخُرسانيُّ الحافظُ الكَبيرُ المَشهورُ، المُحَدِّثُ الأُصوليُّ. وُلِدَ سَنةَ 384هـ. أَخَذَ الفِقهَ عن أبي الفَتحِ المروزيِّ، ثم غَلَبَ عليه الحَديثُ، واشتَهرَ به، وهو أوَّلُ مَن جَمعَ نُصوصَ الإمامِ الشافعيِّ في عَشرِ مُجلَّداتٍ. قال إمامُ الحَرمينِ في حَقِّهِ: "ما من شافعيِّ المَذهبِ إلَّا وللشافعيُّ عليه مِنَّةٌ، إلَّا أحمدَ البيهقيَّ فإنَّ له على الشافعيِّ مِنَّةً، وكان مِن أَكثرِ الناسِ نَصرًا لِمَذهبِ الشافعيِّ". كان له التَّصانيفُ التي سارَت بها الرُّكبانُ إلى سائرِ الأمصارِ، أَخذَ العِلمَ عن الحاكمِ أبي عبدِ الله النيسابوري، وسَمِعَ على غَيرِه شيئًا كَثيرًا، وجَمعَ أَشياء كَثيرةً نافعةً، لم يُسبَق إلى مِثلِها، ولا يُدرَك فيها، منها كتاب: ((السُّنَن الكبير))، و((السُّنَن الصغير))، و((مَعرِفَة السُّنَن والآثار))، و((المَدْخَل))، و((الآداب)) و((شُعَب الإيمان))، و((الخِلافِيَّات))، و((دَلائِل النُّبُوَّة))، و((البَعْث والنُّشُور))، وغيرُ ذلك من المُصَنَّفاتِ الكِبارِ والصِّغارِ المُفيدَةِ، وكان زاهدًا مُتقَلِّلًا من الدُّنيا، كَثيرَ العِبادَةِ والوَرَعِ. قال الحافظُ عبدُ الغافِر بن إسماعيل: "كان البيهقيُّ على سِيرَةِ العُلماءِ، قانِعًا باليَسيرِ، مُتجَمِّلًا في زُهدِهِ ووَرَعِه, الفَقيهَ، الحافظَ الأُصوليَّ، الدَّيِّنَ الوَرِعَ، واحدَ زَمانِه في الحِفْظِ، وفَرْدَ أَقرانِه في الإتقانِ والضَّبْطِ، مِن كِبارِ أَصحابِ الحاكمِ، ويَزيدُ على الحاكمِ بأَنواعٍ مِن العُلومِ، كَتَبَ الحَديثَ، وحَفِظَهُ مِن صِباهُ، وتَفَقَّه وبَرَعَ، وأَخَذَ فَنَّ الأُصُولِ، وارتَحَلَ إلى العراقِ والجبالِ والحِجازِ، ثم صَنَّفَ، وتَواليفُه تُقارب ألفَ جُزءٍ مما لم يَسبِقهُ إليه أَحدٌ، جَمَعَ بين عَلْمِ الحديثِ والفِقْهِ، وبَيانِ عِلَلِ الحَديثِ، ووَجْهِ الجَمْعِ بين الأحاديثِ، طَلبَ منه الأئمَّةُ الانتقالِ من بَيهَق إلى نيسابور، لِسَماعِ الكُتُبِ، فأتى في سَنةِ 441هـ، وعَقَدوا له المَجلِسَ لِسَماعِ كِتابِ ((المعرفة)) وحَضَرهُ الأئمَّة"  تُوفِّي بنيسابور، ونُقِلَ تابوتُه إلى بَيهَق.

العام الهجري : 458 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1066
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ، العلامةُ، شَيخُ الحنابلةِ، القاضي، أبو يَعلى محمدُ بن الحُسينِ بن محمدِ بن خَلَفِ بن أحمدَ البغداديُّ، الحَنبليُّ، ابنُ الفَرَّاءِ، وُلِدَ في مُحرَّم سنةَ 380هـ، صاحبُ التَّعليقَةِ الكُبرى، والتَّصانيفِ المُفيدةِ في المَذهَبِ, ومُمَهِّدُ مَذْهَبِهم في الفُروعِ، أَفْتَى ودَرسَ، وتَخَرَّجَ به الأصحابُ، وانتهت إليه الإمامةُ في الفِقْهِ، وكان عالِمَ العراقِ في زَمانهِ، مع مَعرفةٍ بعُلومِ القُرآنِ وتَفسيرِه، والنَّظَرِ والأُصولِ، وكان أبوه مِن أَعيانِ الحَنفيَّة، مات ولأبي يَعلَى عَشرةُ أَعوامٍ، فلَقَّنَهُ مُقرِئُه العِباداتِ مِن (مُختَصَر) الخِرَقِي، فلَذَّ له الفِقْهُ، وتَحوَّل إلى حَلَقَةِ أبي عبدِالله بن حامدٍ البغداديِّ الوَرَّاق، شَيخِ الحنابلةِ، فصَحِبَهُ أَعوامًا، وبَرعَ في الفِقهِ عنده، وتَصدَّر بأَمرِه للإفادةِ سنةَ 402هـ، قال ابنُ الجوزي: "كان مِن ساداتِ العُلماءِ الثِّقاتِ، وشَهِدَ عند ابنِ ماكولا وابنِ الدَّامغاني فقَبِلَاهُ، وتَوَلَّى النَّظَرَ في الحُكمِ بِحَريمِ الخِلافةِ، وكان إمامًا في الفِقْهِ، له التَّصانيفُ الحِسانُ الكَثيرةُ في مَذهَبِ أحمد، ودَرَّسَ وأَفتَى سِنينَ، وانتهت إليه رِياسةُ المَذهبِ، وانتشرت تَصانيفُه وأَصحابُه، وجَمعَ الإمامةَ والفِقهَ والصِّدقَ، وحُسْنَ الخُلُقِ، والتَّعَبُّدَ والتَّقَشُّفَ والخُشوعَ، وحُسْنَ السَّمْتِ، والصَّمْتَ عمَّا لا يَعْنِي. اتَّهَمَهُ بعضُهم بالتَّجسيمِ بسَببِ كِتابهِ ((الصِّفات))، وله مِن المُصنَّفاتِ: ((الأحكام السُّلطانِيَّة)) و((الكِفاية في أُصولِ الفِقهِ)). قال الذهبيُّ: "وَلِيَ أبو يَعلَى القَضاءَ بدارِ الخِلافةِ والحَريمِ، مع قَضاءِ حران وحلوان، وقد تَلَا بالقِراءاتِ العَشْرِ، وكان ذا عِبادةٍ وتَهَجُّدٍ، ومُلازَمَةٍ للتَّصنيفِ، مع الجَلالَةِ والمَهابَةِ، ولم تكن له يَدٌ طُولَى في مَعرفةِ الحَديثِ، فرُبَّما احتَجَّ بالواهي". تُوفِّي في العشرين من رمضان عن ثَمانٍ وسبعين سَنةً، "واجتَمَع في جَنازَتهِ القُضاةُ والأَعيانُ، وكان يومًا حارًّا، فأَفطَرَ بعضُ مَن اتَّبَعَ جَنازَتَه"

العام الهجري : 459 العام الميلادي : 1066
تفاصيل الحدث:

عَصَى مَلِكُ كرمان، وهو "قرا أرسلان"، على السُّلطانِ ألب أرسلان، وسببُ ذلك أنَّه كان له وَزيرٌ جاهلٌ سَوَّلَت له نَفسُه الاستِبدادَ بالبِلادِ عن السُّلطانِ، وأن صاحِبَه إذا عَصَى احتاجَ إلى التَّمَسُّكِ به، فحَسُنَ لصاحِبِه الخِلافُ على السُّلطانِ، فأجابَ إلى ذلك، وخَلعَ الطَّاعةَ، وقَطعَ الخُطبةَ، فسَمِعَ ألبُ أرسلان، فسارَ إلى كرمان، فلمَّا قارَبَها وَقعَت طَليعَتُه على طَليعَةِ قرا أرسلان، فانهزمت طَليعَةُ قرا أرسلان بعدَ قِتالٍ، فلمَّا سَمِعَ قرا أرسلان وعَسكرُه بانهِزامِ طَليعَتِهم، خافوا وتَحَيَّرُوا، فانهَزَموا لا يَلوِي أَحدٌ على آخر، فدَخلَ قرا أرسلان إلى جيرفت وامتَنعَ بها، وأَرسلَ إلى السُّلطانِ ألب أرسلان يُظهِر الطَّاعةَ ويَسألُ العَفْوَ عن زَلَّتِه، فعَفَا عنه، وأَعادهُ إلى مَملَكتِه، ولم يُغَيِّر عليه شيئًا مِن حالِه، ثم سار منها إلى فارس فوَصلَ إلى إصطخر، وفَتحَ قَلعتَها، واستَنزلَ وَالِيَهَا، فحَملَ إليه الوالي هَدايا عَظيمةً جَليلةَ المِقدارِ، وأَطاعهُ جَميعُ حُصونِ فارس، وبَقِيَت قَلعةٌ يُقالُ لها: بهنزاد، فسار نِظامُ المُلْكِ إليها، وحَصرَها تحتَ جَبلِها، وأعطى كُلَّ مَن رَمَى بسَهمٍ وأصابَ قَبضةً مِن الدَّنانيرِ، ومَن رَمَى حَجرًا ثَوْبًا نَفيسًا، ففَتحَ القَلعةَ في اليومِ السادس عشر مِن نُزولِه، ووَصلَ السُّلطانُ إليه بعدَ الفَتحِ، فعَظُمَ مَحَلُّ نِظامِ المُلْكِ عِندَه، فأَعلَى مَنزِلَتَهُ، وزادَ في تَحكِيمِه.

العام الهجري : 459 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1067
تفاصيل الحدث:

كان الشُّروعُ ببِناءِ المَدرسَةِ النِّظامِيَّة نِسبةً إلى الوَزيرِ نِظامِ المُلْكِ، وَزيرِ ملكشاه في مَدينةِ بغداد، في ذي الحجَّةِ من عام 457هـ ونُقِضَ لأَجلِها دُورٌ كَثيرةٌ مِن مَشرعَةِ الزَّوايا وبابِ البَصرةِ، ثم في ذي القَعدةِ من سَنةِ 459هـ، فَرغَت عِمارةُ المَدرسَةِ النِّظامِيَّة، وتَقرَّر التَّدريسُ بها للشيخِ أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ الشافعيِّ، فجَمعَ العَميدُ أبو سعدٍ القاضي الناسَ على طَبقاتِهم إلى المَدرسةِ، وجَعَلَها بِرَسْمِ أبي إسحاقَ الشيرازيِّ الفيروزآبادي، صاحبِ كِتابِ ((التَّنْبيهُ)) في الفِقهِ على مَذهبِ الإمامِ الشافعيِّ بعدَ أن وَافَقَهُ على ذلك، فلمَّا كان يومُ اجتِماعِ الناسِ فيها وتَوقَّعوا مَجيءَ أبي إسحاقَ فلم يَحضُر، فطُلِبَ فلم يَظهَر، وكان السببُ أن شابًّا لَقِيَه فقال: يا سيدنا، تُريدُ تُدَرِّسُ في المدرسةِ؟ فقال: نعم. فقال: وكيف تُدَرِّسُ في مَكانٍ مَغصُوبٍ؟ فغَيَّرَ نِيَّتَه فلم يَحضُر، فلمَّا ارتَفعَ النَّهارُ، وأَيِسَ الناسُ مِن حُضورِه، أشارَ الشيخُ أبو منصورِ بن يُوسُف بأبي نَصرِ بن الصَّبَّاغِ، صاحبِ كتابِ ((الشامل))، وقال: لا يجوزُ أن يَنفَصِلَ هذا الجَمْعُ إلَّا عن مُدَرِّسٍ، ولم يَبقَ ببغداد مَن لم يَحضُر غيرَ الوَزيرِ، فجلسَ أبو نَصرٍ للدَّرْسِ، ثم ظَهرَ الشيخُ أبو إسحاقَ بعدَ ذلك، ولمَّا بَلغَ نِظامَ المُلْكِ الخَبَرُ أَقامَ القِيامةَ على العَميدِ أبي سعدٍ، ولم يَزَل يُرفِق بالشيخِ أبي إسحاقَ حتى دَرَّسَ بالمدرسةِ، وكانت مُدَّةُ تَدريسِ ابنِ الصَّبَّاغِ عشرين يومًا فقط. أَجرَى نِظامُ المُلْكِ للمُتَفَقِّهَةِ لِكلِّ واحدٍ أَربعةَ أَرطالِ خُبزٍ كلَّ يَومٍ, وقد أَشارَ ابنُ الجوزيِّ الى وَقْفِ هذه المدرسة ومُسْتَحِقِّيهِ بقَولِه: "هذه المَدرسةُ وسُقوفُها المَوقُوفُ عليها، وفي كِتابِ شَرْطِها أنَّها وُقِفَت على أَصحابِ الشافعيِّ أَصلًا، وكذلك الأَملاكُ المَوقوفةُ عليها شَرطٌ فيها أن تكونَ على أَصحابِ الشافعيِّ أَصلًا، وكذلك شَرْطٌ في المُدَرِّسِ الذي يكون فيها، والواعِظِ الذي يَعِظُ فيها ومُتَوَلِّي الكُتُبِ, وشَرْطٌ أن يكونَ فيها مُقرئٌ يَقرأُ القُرآنَ، ونَحْوِيٌّ يُدَرِّس العَربيَّةَ، وفُرِضَ لِكلٍّ قِسْطٌ مِن الوَقْفِ" ووَصفَها المَقرِيزيُّ بقَولِه: "أَشهَرُ ما بُنِيَ في القَديمِ المَدرسةُ النِّظامِيَّة ببغداد، لأنَّها أوَّلُ مَدرسةٍ قُرِّرَ بها للفُقهاءِ مَعاليمُ – أي مِقدار مِن المالِ-"

العام الهجري : 460 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1067
تفاصيل الحدث:

هو شَيخُ الشِّيعةِ، وصاحِبُ التَّصانيفِ، أبو جَعفرٍ محمدُ بن الحسنِ بن عليٍّ الطُّوسيُّ، فَقيهُ الإِمامِيَّة وعالِمُهُم، انتَقلَ مِن خُراسان إلى بغداد وأقامَ فيها أربعين سَنةً، تَفَقَّهَ فيها أوَّلًا للشافعيِّ, ثم أَخذَ الكلامَ وأُصولَ الشِّيعةِ عن الشيخِ المُفيدِ رَأسِ الإماميَّةِ ولَزِمَهُ حتى تَحوَّل رافِضِيًّا، وعَمِلَ التَّفسيرَ، وأَملَى أحاديثَ ونَوادِرَ في مُجلَّدينِ، عامَّتُها عن شَيخِه المُفيدِ، ثم رَحلَ إلى النَّجفِ واستَقرَّ بها حتى تُوفِّي فيها، أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ مَرَّاتٍ، له مِن التَّصانيفِ ((البيان الجامع لعلوم القرآن))، و((الاستبصار فيما اختُلِفَ فيه من الأخبار))، و((الاقتصاد في الاعتقاد))، وله أمالي وغيرُ ذلك، قال الذهبيُّ: "أَعرضَ عنه الحُفَّاظُ لِبِدعَتِه، وقد أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ نُوَبٍ في رَحْبَةِ جامعِ القَصْرِ، واستَتَر لمَّا ظَهَرَ عنه مِن التَّنَقُّصِ بالسَّلَفِ، وكان يَسكُن بالكرخِ، مَحَلَّةِ الرَّافِضَةِ، ثم تَحوَّل إلى الكوفةِ، وأقامَ بالمَشهَدِ يُفَقِّهُهم, وكان يُعَدُّ مِن الأذكياءِ لا الأزكياءِ" تُوفِّي بمَشهدِ عليِّ بن أبي طالبٍ ودُفِنَ فيهِ، عن 75 عامًا.

العام الهجري : 460 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1068
تفاصيل الحدث:

كانت زَلزلةٌ بأَرضِ فِلسطينَ، أَهلكَت بَلدَ الرَّملةِ، ورَمَت شَراريفَ -الشراريف ما يُوضَع في أَعلى البناء يحلَّى به- من مَسجدِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولَحِقَت وادي الصَّفْرَ وخَيبرَ، وانشَقَّت الأرضُ عن كُنوزٍ كَثيرةٍ مِن المالِ، وبَلغَ حِسُّها إلى الرَّحبةِ والكوفةِ، وجاء كِتابُ بَعضِ التُّجَّارِ فيه ذِكْرُ هذه الزَّلزلةِ، وذَكرَ فيه أنَّها خَسفَت الرَّملةَ جَميعًا حتى لم يَسلَم منها إلا داران فقط، وهَلكَ منها خمس عشرة ألف نَسَمةٍ، وغارَ البحرُ مَسيرةَ يَومٍ، وساخَ في الأرضِ وظَهرَ في مَكانِ الماءِ أشياءُ مِن جواهرَ وغَيرِها، ودَخلَ الناسُ في أَرضهِ يَلتَقِطُونَه، فرَجعَ عليهم فأَهلكَ كَثيرًا منهم.

العام الهجري : 460 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1068
تفاصيل الحدث:

يومَ النِّصفِ من جُمادى الآخرة قُرِئَ الاعتقادُ القادريُّ الذي فيه مَذهبُ أَهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، والإنكارُ على أَهلِ البِدَعِ، وقَرأَ أبو مُسلمٍ الكجيُّ البخاريُّ المُحَدِّثُ كِتابَ ((التَّوحيدِ)) لابنِ خُزيمةَ على الجَماعةِ الحاضرين، وذُكِرَ بمَحضرٍ مِن الوَزيرِ ابنِ جَهيرٍ وجَماعةِ الفُقهاءِ وأَهلِ الكَلامِ، واعتَرَفوا بالمُوافَقةِ، ثم قُرِئَ الاعتِقادُ القادريُّ على الشَّريفِ أبي جَعفرِ بن المُقتدِي بالله ببابِ البَصرةِ، وذلك لِسَماعِه له مِن مُصَنِّفِه الخَليفَةِ القادرِ بالله.

العام الهجري : 461 العام الميلادي : 1068
تفاصيل الحدث:

هو الصَّدرُ الأَنبلُ الرَّئيسُ القُدوةُ أبو منصورٍ عبدُ المَلِكِ بن محمدِ بن يُوسُفَ البغداديُّ، سِبْطُ الإمامِ أبي الحسينِ أحمدَ بن عبدِ الله السوسنجردي, وُلِدَ سنةَ 395هـ وكان يُلقَّب بالشَّيخِ الأَجَلِّ، كان أَوْحَدَ زَمانِه في الأمرِ بالمَعروفِ والنهيِ عن المُنكرِ، والمُبادَرةِ إلى فِعلِ الخَيراتِ، واصطِناعِ الأَيادي عند أَهلِها، مِن أَهلِ السُّنَّةِ، مع شِدَّةِ القِيامِ على أَهلِ البِدَعِ ولَعْنِهِم، قال الخَطيبُ البغداديُّ: كان أَوْحَدَ وَقتِه في فِعلِ الخَيرِ، وافتِقادِ المَستُورِينَ بالبِرِّ، ودَوامِ الصَّدقَةِ، والإفضالِ على أَهلِ العِلمِ، والقِيامِ بأُمورِهم والتَّحَمُّلِ لِمُؤَنِهِم، والاهتمامِ بما عادَ مِن مَصالِحِهم، والنُّصرَةِ لأَهلِ السُّنَّةِ، والقَمعِ لأَهلِ البِدَعِ" تُوفِّي عن خمسٍ وسِتِّين سنةً، وكان يومُ مَوتِه يومًا مَشهودًا، حَضرَهُ خَلْقٌ لا يَعلمُ عَددَهم إلَّا الله عز وجل. قال أبي النرسي: "لم أرَ خَلْقًا قَطُّ مِثلَ مَن حَضرَ جَنازَتَه" دُفِنَ بمَقبَرَةِ بابِ حَربٍ إلى جَنْبِ جَدِّهِ لأُمِّهِ أبي الحُسينِ ابن السوسنجردي. قال الذهبيُّ: "كان ذا جاهٍ عَريضٍ واتِّصالٍ بالخَليفَةِ, وأَرَّخَ له ابنُ خيرون، وقال: دُفِنَ عند جَدِّهِ لأُمِّهِ، وحَضرَهُ جَميعُ الأَعيانِ، وكان صالحًا، عَظيمَ الصَّدقَةِ، مُتعصِّبًا للسُّنَّةِ، قد كَفَى عامَّةَ العُلماءِ والصُّلَحاءِ".

العام الهجري : 461 العام الميلادي : 1068
تفاصيل الحدث:

بَدأَت الدَّولةُ الفاطِمِيَّةُ بمصر يُصيبُها الضَّعفُ بسَببِ عِدَّةِ أُمورٍ كان مِن أَهمِّها حُصولُ الشِّقاقِ بين التُّركِ والعَبيدِ، وحُصولُ الاقتِتالِ بينهم، وفي هذه السَّنَةِ خَرجَ ناصرُ الدولةِ بن حمدان من عند الوزيرِ أبي عبدِ الله الماشلي وَزيرِ المُستَنصِر بمصر فوَثبَ عليه رَجلٌ صَيْرَفِيٌّ وضَربَه بسِكِّينٍ؛ فأُمسِكَ الصَّيرفيُّ وشُنِقَ في الحالِ، وحُمِلَ ناصرُ الدولةِ بن حمدان إلى دارِه جَريحًا، فعُولِجَ فبَرِئَ بعدَ مُدَّةٍ. فقِيلَ: إن المُستَنصِر ووالدَتَهُ كانا دَسَّا الصَّيرفِيَّ عليه، وفي هذه الأيامِ اضمَحلَّ أَمرُ المُستَنصِر بالدِّيارِ المِصريَّة لِتَشاغُلِه باللَّهوِ والشُّربِ والطَّرَبِ. فلمَّا عُوفِيَ ابنُ حمدان اتَّفقَ مع مُقدَّمِي المَشارِقَة، مثل سنان الدولةِ وسُلطانِ الجُيوشِ وغَيرِهما، فرَكِبوا وحَصَروا القاهرةَ، فاستَنجدَ المُستَنصِر وأُمُّهُ بأَهلِ مصر، وذَكَّرَهم بحُقوقِه عليهم، ووَعدَهم بالإحسانِ؛ فقاموا معه ونَهَبوا دُورَ أَصحابِ ابن حمدان وقاتَلوهُم. فخاف ابنُ حمدان وأَصحابُه، ودَخَلوا تحتَ طاعةِ المُستَنصِر، بعدَ أُمورٍ كَثيرةٍ صَدرَت بين الفَريقَينِ.

العام الهجري : 461 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

هو المُعتَضِدُ بالله أبو عَمرٍو عَبَّادُ بن الظَّافرِ المُؤَيَّدِ بالله أبي القاسمِ محمد قاضي إشبيلية بن أبي الوَليدِ إسماعيلَ بن قُريشِ بن عَبَّادِ بن عَمرِو بن أَسلمَ بن عَمرِو بن عَطَّافِ بن نُعيمٍ، اللخميُّ، مِن وَلَدِ النُّعمانِ بن المُنذِر اللخميِّ، آخر مُلوكِ الحِيرَةِ, لمَّا تُوفِّي محمدٌ القاضي سَنةَ 433هـ قامَ مَقامَه وَلَدُه عَبَّادٌ، قال أبو الحسنِ عليُّ بن بَسَّامٍ في حَقِّهِ: " ثم أَفضَى الأَمرُ إلى عَبَّادٍ ابنِه سَنةَ ثلاثٍ وثلاثين, وتَسمَّى أَوَّلًا بِفَخرِ الدولةِ ثم المُعتَضِد، قُطْبُ رَحَى الفِتنَةِ، ومُنتَهى غايةِ المِحْنَةِ، مِن رَجُلٍ لم يَثبُت له قائمٌ ولا حَصيدٌ، ولا سَلَّمَ عليه قَريبٌ ولا بَعيدٌ، جَبَّارٌ، أَبرمَ الأُمورَ وهو مُتناقِض، وأسد فرس الطلى وهو رابض، مُتهَوِّرٌ تَتحاماهُ الدُّهاةُ، وجَبَّارٌ لا تَأمَنُه الكماو، مُتَعَسِّفٌ اهتدى، ومنبت قطع فما أَبقَى، ثارَ والناسُ حَرْبٌ، وكل شيءٍ عليه إلب، فكَفَى أَقرانَه وهُم غيرُ واحدٍ، وضبط شانه بين قائمٍ وقاعد، حتى طالت يَدُه، واتَّسعَ بَلدُه، وكَثُرَ عَديدُه وعَدَدُه؛ افتَتحَ أَمرَهُ بِقَتلِ وَزيرِ أَبيهِ حبيب المذكور، طَعنةً في ثَغرِ الأيامِ، مَلَكَ بها كَفَّهُ، وجَبَّارًا مِن جَبابِرَةِ الأنامِ، شُرِّدَ به مَن خَلْفَه، فاستمر يَفرِي ويُخلِق، وأَخَذَ يَجمَعُ ويُفَرِّق، له في كل ناحيةٍ مَيدان، وعلى كل رابِيَةٍ خُوان، حَرْبُه سُمٌّ لا يُبطِئ، وسَهْمٌ لا يُخطِئ، وسِلْمُه شَرٌّ غيرُ مَأمون، ومَتاعٌ إلى أدنى حين". ولم يَزل المُعتَضِدُ في عِزِّ سُلطانِه واغتِنامِ مَسارِّهِ، حتى أَصابَتهُ عِلَّةُ الذَّبْحَة، فلم تَطُل مُدَّتُها، وتُوفِّي يومَ الاثنينِ غُرَّةَ جُمادى الآخرة، ودُفِنَ ثاني يوم بمَدينةِ إشبيلية، وقام بالمَملَكةِ بَعدَه وَلَدُه المُعتَمِدُ على الله أبو القاسمِ محمدٌ.

العام الهجري : 461 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

في لَيلةِ النِّصفِ من شعبان كان حَريقُ جامعِ دِمشق، وكان سَببُه أنَّ غِلمانَ الفاطِميِّين والعَبَّاسِيِّين اختَصَموا فأُلقِيَت نارٌ بِدارِ المُلْكِ، وهي الخَضراءُ المُتاخِمَةِ للجامعِ مِن جِهَةِ القِبلَةِ، فاحتَرقَت، وسَرَى الحَريقُ إلى الجامعِ فسَقطَت سُقُوفُه وتَناثَرت فُصوصُه المُذَهَّبَةُ، وتَغيَّرَت مَعالِمُه، وتَقَلَّعَت الفُسَيْفِساءُ التي كانت في أَرضِه، وعلى جُدرانِه، وتَبدَّلَت بِضِدِّها، وقد كانت سُقوفُه مُذهَّبَةً كُلَّها، والجَمَلُونات مِن فَوقِها، وجُدرانُه مُذَهَّبَة مُلَوَّنَة مُصَوَّرٌ فيها جَميعُ بلادِ الدنيا، بحيث إنَّ الإنسانَ إذا أراد أن يَتَفرَّج في إقليمٍ أو بَلدٍ وَجدَه في الجامعِ مُصَوَّرًا كهَيئَتِه، فلا يُسافِر إليه ولا يُعنَى في طَلَبِه، فقد وَجدَهُ من قرب الكعبة ومكة فوق المحراب والبلاد كلها شَرقًا وغَربًا، كلُّ إقليمٍ في مكانٍ لائقٍ به، ومُصَوَّر فيه كل شَجرةٍ مُثمِرةٍ وغيرِ مُثمِرة، مصور مشكل في بُلدانِه وأَوطانِه، والسُّتورُ مُرخاةٌ على أَبوابِه النافذةِ إلى الصَّحْنِ، وعلى أُصولِ الحِيطانِ إلى مِقدارِ الثُّلُثِ منها سُتورٌ، وباقي الجُدرانِ بالفُصوصِ المُلوَّنَة، وأَرضُه كُلُّها بالفُصوصِ، ليس فيها بَلاطٌ، بحيث إنَّه لم يكن في الدنيا بِناءٌ أَحسنَ منه، لا قُصورَ المُلوكِ ولا غَيرَها، ثم لمَّا وَقعَ هذا الحَريقُ فيه تَبدَّلَ الحالُ الكاملُ بِضِدِّهِ، وصارت أَرضُه طِينًا في زَمنِ الشِّتاءِ، وغُبارًا في زَمنِ الصَّيفِ، مَحفورةً مَهجورةً، ولم يَزَل كذلك حتى بُلِّطَ في زَمنِ المَلِكِ العادلِ بن أيوبَ، أخي صَلاحِ الدين الأيوبي.

العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

أَقبلَ مَلِكُ الرُّومِ مِن القُسطنطينِيَّة في عَسكرٍ كَثيفٍ إلى الشامِ، ونَزلَ على مَدينةِ منبج بسوريا ونَهبَها وقَتلَ أَهلَها، وهَزمَ محمودَ بن صالحِ بن مرداس، وبني كِلابٍ، وابنَ حسَّان الطائيَّ، ومَن معهما مِن جُموعِ العَربِ، ثم إنَّ مَلِكَ الرُّومِ ارتَحلَ وعادَ إلى بِلادِه، ولم يُمكِنهُ المَقامُ لِشِدَّةِ الجُوعِ.

العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

أبو بكرِ بن عُمرَ بن تكلاكين اللَّمتوني، أَميرُ المُلَثَّمِين، وهو ابنُ عَمِّ يُوسفَ بنِ تاشفين أَميرِ المُرابطين، كان في أَرضِ فرغانة، خَلَفَ أَخاهُ يحيى بن عُمرَ في زَعامةِ صنهاجة وتَقَلَّدَ أُمورَ الحَربِ، اتَّفقَ له مِن النَّاموسِ ما لم يَتَّفِق لِغيرهِ مِن المُلوكِ، كان يَركَبُ معه إذا سار لِقِتالِ عَدُوٍّ خمسُمائةِ ألفِ مُقاتلٍ، كان يعتقد طاعته، لمَّا قَدِمَ عبدُالله بن ياسين للصحراء لصحراء أفريقية لِدَعوةِ قَبائلِها وتَعليمِهم أُمورَ دِينِهم وإقامةِ شَرعِ الله فيهم؛ فلمَّا قَدِمَ على لتمونة لمتونة قَبيلةِ يُوسفَ بنِ تاشفين, فأَكرَموه، وفيهم أبو بكرِ بن عُمرَ، فذَكَر لهم قواعدَ الإسلامِ، وفَهَّمَهُم، فقالوا: أمَّا الصلاةُ والزَّكاةُ فقَريبٌ، وأمَّا مَن قَتَلَ يُقتَل، ومَن سَرقَ يُقطَع، ومَن زَنَى يُجلَد، فلا نَلتَزِمُه، فذَهَبَا في تلك الصحارى المُتَّصِلَةِ بإقليمِ السُّودانِ حتى انتَهَيَا إلى جدالة، قَبيلةِ جوهر، فاستجابَ بَعضُهم، فقال ابنُ ياسين للذين أَطاعُوه: قد وَجَبَ عليكم أن تُقاتِلوا هؤلاء الجاحِدين، وقد تَحَزَّبُوا لكم، فانْصُبوا رايةً وأَميرًا. قال جوهر: فأنت أَميرُنا. قال: لا، أنا حامِلُ أَمانةِ الشَّرعِ؛ بل أنت الأميرُ. قال: لو فعلتُ لَتَسَلَّطَت قَبيلَتِي، وعاثُوا. قال: فهذا أبو بكر بن عُمرَ رَأسُ لَمتونَة، فسِرْ إليهِ وعرض واعرض عليه الأَمرَ، فبايَعُوا أبا بكرٍ، ولَقَّبُوه أَميرَ المُسلمين، وقام معه طائفةٌ مِن قَومهِ وطائفةٌ مِن جدالة، وحَرَّضَهم ابنُ ياسين على الجِهادِ، وسَمَّاهُم المُرابِطين، فثارت عليهم القَبائلُ، فاستَمالَهم أبو بكرٍ، وكَثُرَ جَمعُه، وبَقِيَ أَشرارٌ، فتَحَيَّلُوا عليهم حتى زَرَبوهُم في مكانٍ، وحَصَرُوهُم، فهَلَكوا جُوعًا، وضَعُفُوا، فقَتَلوهُم، وقَوِيَ أَمرُ أبي بكر بن عُمرَ وظَهرَ، ودانت له الصحراءُ، ونَشأَ حول ابنِ ياسين جَماعةٌ فُقهاءُ وصُلَحاءُ، وظَهرَ الإسلامُ هناك، وكان مع هذا يُقيمُ الحُدودَ ويَحفظُ مَحارِمَ الإسلامِ، ويَحوطُ الدِّينَ ويَسيرُ في الناسِ سِيرَةً شَرعِيَّةً، مع صِحَّةِ اعتِقادِه ودِينِه، ومُوالاةِ الدولةِ العبَّاسِيَّةِ، في سَنةِ 453هـ قام أبو بكر بن عُمرَ بِتَوْلِيَةِ ابنِ عَمِّهِ يُوسف بن تاشفين شُؤونَ المُرابِطين، وتَوَجَّهَ هو إلى الجنوبِ على رَأسِ جَيشٍ مُختَرِقًا بِلادَ سجلماسة ثم قَصدَ بِلادَ السُّودانِ السِّنغالَ مُتَوَغِّلًا فيها ناشِرًا للإسلامِ إلى أن أَصابَتهُ نُشَّابَةٌ في بَعضِ غَزَواتِه في حَلْقِه فقَتَلَتْهُ وهُم في قِتالٍ مع السُّودانِ السِّنغالِ.

العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

كان بمصر غَلاءٌ شَديدٌ، ومَجاعةٌ عَظيمةٌ حتى أَكلَ الناسُ بَعضُهم بَعضًا، وفارَقوا الدِّيارَ المِصريَّة، فوَرَدَ بغدادَ منهم خَلْقٌ كَثيرٌ هَرَبًا مِن الجوعِ، ووَرَدَ التُّجَّارُ، ومعهم ثِيابُ صاحبِ مصر وآلاتُه، نُهِبَت مِن الجوعِ، وكان فيها أشياءُ كَثيرةٌ كانت قد نُهِبَت من دارِ الخِلافةِ وقتَ القَبضِ على الطائعِ لله سنة 381هـ، وممَّا نُهِبَ أيضًا في فِتنةِ البساسيري وخَرَجَ من خَزائنِهم ثمانون ألف قِطعةِ بِلَّوْر كِبار، وخمسة وسبعون ألف قِطعةٍ من الدِّيباج، وعشرون ألف سَيفٍ مُحَلًّى، وغيرُ ذلك كثيرٌ ممَّا يَتَعَجَّبُ المرءُ مِن سَماعِه لِكَثرَتِه وعِظَمِه، وكُلُّه كان في قُصورِ المُستَنصِر، وأَكلَ أهلُ مصر الجِيَفَ والمَيْتَةَ والكِلابَ، فكان يُباع الكَلبُ بخَمسةِ دنانير، وماتت الفِيَلَةُ فأُكِلَت مَيتَتُه، وأُفْنِيَت الدَّوابُّ فلم يَبقَ لصاحبِ مصر سوى ثلاثةُ أَفراس، بعدَ أن كان له العددُ الكثيرُ من الخَيْلِ والدَّوابِّ، ونَزلَ الوزيرُ يومًا عن بَغلتِه فغَفَلَ الغُلامُ عنها لِضَعْفِه من الجوعِ فأَخذَها ثلاثةُ نَفَرٍ فذَبَحوها وأَكلوها فأُخِذُوا فصُلِبُوا فما أَصبَحوا إلَّا وعِظامُهم بادِيَةٌ، قد أَخذَ الناسُ لُحومَهم فأَكَلوها، وظُهِرَ على رَجُلٍ يَقتُل الصِّبيانَ والنِّساءَ ويَدفِن رُؤوسَهم وأَطرافَهم، ويَبيع لُحومَهم، فقُتِلَ وأُكِلَ لَحمُه، وكانت الأعرابُ يَقدَمون بالطعامِ يَبيعونَه في ظاهرِ البلدِ، لا يَتجاسرون يَدخلون لِئلَّا يُخطَف ويُنهَب منهم، وكان لا يَجسُر أَحدٌ أن يَدفِن مَيِّتَهُ نهارًا، وإنَّما يَدفِنه ليلًا خُفيةً، لِئلَّا يُنبَش فيُؤكَل، وبِيعَت ثِيابُ النِّساءِ والرِّجالِ وغيرُ ذلك بأَرخصِ ثَمَنٍ، وكذلك الأملاكُ وغيرُها.

العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

وَرَدَ رسولُ صاحبِ مكَّةَ محمدِ بن أبي هاشمٍ، ومعه وَلَدُه، إلى السُّلطانِ ألب أرسلان، يُخبِرُه بإقامةِ الخُطبةِ للخَليفةِ القائمِ بأَمرِ الله وللسُّلطانِ بمكَّةَ، وإِسقاطِ خُطبَةِ الفاطميِّ صاحبِ مصر، وتَرْكِ الأَذانِ بِحَيَّ على خَيرِ العَملِ، فأَعطاهُ السُّلطانُ ثلاثينَ ألف دِينارٍ، وخِلَعًا نَفيسَةً، وأَجرَى له كلَّ سَنَةٍ عَشرةَ آلاف دِينارٍ، وقال: إذا فَعلَ أَميرُ المَدينَةِ مهنأ كذلك، أَعطَيناهُ عشرينَ ألف دِينارٍ، وكلَّ سَنةٍ خَمسةَ آلاف دِينارٍ. فلم يَلتَفِت المُستَنصِر لذلك لِشُغلِه بِنَفسِه ورَعِيَّتِه مِن عِظَمِ الغَلاءِ والجوعِ، عِلمًا بأنه في هذه السَّنَةِ ضاقت النَّفَقَةُ على أَميرِ مكَّةَ فأَخذَ الذَّهَبَ من أَستارِ الكَعبةِ والمِيزابِ وبابِ الكَعبةِ، فضَرَبَ ذلك دَراهِمَ ودَنانيرَ، وكذا فَعلَ صاحبُ المَدينةِ بالقَناديلِ التي في المَسجدِ النَّبَوِيِّ.

العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

قام يحيى المأمون بن إسماعيل بن ذي النون أَميرُ طُليطلة بالمَسيرِ إلى قُرطُبة للاستِيلاءِ عليها، فاستَنجدَ أَميرُها عبدُالملك بن جَهور بالمُعتَمِد بن عبَّادٍ الذي أَرسلَ إليه جَيشًا للنَّجدَةِ فاحتَلَّ قُرطُبة واعتَقلَ عبدَالملك بن جَهور ووَالِدَهُ وأَخاهُ ونَفاهُم إلى جَزيرةِ شلطيش، ووَلَّى ابنَه سِراجَ الدَّولةِ حاكِمًا على قُرطُبة فأنهى بذلك دَولةَ الجَهوريِّينَ على قُرطُبة التي دامت قَريبًا من خمسٍ وثلاثين سَنةً.