المَطلَبُ الثَّالِثُ: موجِبُ الأمرِ ومُقتَضاه ومُستَنَدُ ذلك
الأمرُ المُطلَقُ يُفيدُ الوُجوبَ. وهو مَنقولٌ عن: مالِكٍ
[704] يُنظر: ((المقدمة)) لابن القصار (ص: 58)، ((إيضاح المحصول)) للمازري (ص: 202). ، والشَّافِعيِّ
[705] اختَلَف النَّقلُ عنِ الشَّافِعيِّ في هذه المَسألةِ، حتَّى قال إمامُ الحَرَمَينِ: (وأمَّا الشَّافِعيُّ رَضِيَ اللهُ عنه فقدِ ادَّعى كُلٌّ مِن أهلِ المَذاهبِ أنَّه على وِفاقَه، وتَمَسَّكوا بعِباراتٍ مُتَفرِّقةٍ له في كُتُبِه، حتَّى اعتَصَمَ القاضي رَضِيَ اللهُ عنه [يَقصِدُ الباقِلَّانيَّ، وذلك في كِتابِه: "التَّقريب والإرشاد" (2/46-47)] بألفاظٍ له مِن كُتُبِه، واستَنبَطَ منها مَصيرَه إلى الوَقفِ، وهذا عُدولٌ عن سَنَنِ الإنصافِ؛ فإنَّ الظَّاهِرَ والمَأثورَ مِن مَذهَبِه: حَملُ مُطلَقِ الأمرِ على الوُجوبِ). ((التلخيص)) (1/264). وقال الغَزاليُّ: (الشَّافِعيُّ حَمَلَ أوامِرَ الشَّرعِ على الوُجوبِ، وقد أصابَ؛ إذ ثَبَتَ لَنا بالقَرائِنِ أنَّ مَن خالَف أمرَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَصى وتَعَرَّضَ للعِقابِ). ((المنخول)) (ص: 108). ويُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (1/68)، ((الإحكام)) للآمدي (2/144)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (2/499)، ((البحر المحيط)) للزركشي (3/286). ، وأحمدَ
[706] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/224)، ((التمهيد)) للكلوذاني (1/145)، ((الواضح)) لابن عقيل (2/490). .
وهو قَولُ مَشايِخِ العِراقِ مِنَ الحَنَفيَّةِ
[707] قال السَّمَرقَنديُّ: (حُكمُه: وُجوبُ العَمَلِ والِاعتِقادِ قَطعًا، وهو قَولُ مَشايِخِ العِراق مِن أصحابِنا). ((ميزان الأُصول)) (ص: 96). ويُنظر في مَذهَبِ الحَنَفيَّةِ: ((الفصول)) للجصاص (2/87)، ((بذل النظر)) للأسمندي (ص: 59). ، وجُمهورِ المالِكيَّةِ
[708] يُنظر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (2/453). ، وأكثَرِ الشَّافِعيَّةِ
[709] يُنظر: ((اللمع)) للشيرازي (ص: 13)، ((المعالم)) للرازي (ص: 50). ، والحَنابِلةِ
[710] يُنظر: ((أصول الفقه)) لابن مفلح (2/660). ، وابنِ حَزمٍ الظَّاهِريِّ
[711] ذَهَبَ إلى أنَّ الأمرَ للوُجوبِ، إلَّا أنَّه يُخالِفُ الجُمهورَ في أنَّه لا تُؤَثِّرُ القَرائِنُ في صَرفِه عنِ الوُجوبِ إلى مَعنًى آخَرَ، إلَّا أن تَكونَ نَصًّا آخَرَ، أو إجماعًا مَبنيًّا على نَصٍّ. يُنظر: ((الإحكام)) لابن حزم (3/2)، ((أثر الاختلاف في القواعد الأصولية)) للخن (ص: 301)، ((القرينة عند الأصوليين)) للخيمي (ص: 213). ، وبه قال جُمهورُ الأُصوليِّينَ
[712] يُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (1/68)، ((التحقيق والبيان)) للأبياري (1/620)، ((لباب المحصول)) لابن رشيق (2/520)، ((مختصر منتهى السول والأمل)) لابن الحاجب (1/651)، ((جمع الجوامع)) لابن السبكي (ص: 41)، ((التحرير)) لابن الهمام (ص: 138)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/39). .
وصَحَّحه الجَصَّاصُ
[713] يُنظر: ((الفصول)) (2/89). ، والإسنَويُّ
[714] يُنظر: ((التمهيد)) (ص: 266). ، ورَجَّحَه الشَّوكانيُّ
[715] يُنظر: ((إرشاد الفحول)) (1/253). واختَلَف أصحابُ هذا القَولِ في أنَّ اقتِضاءَه الوُجوبَ هَل هو بوضعِ اللُّغةِ، أم بالشَّرعِ أم بهما؟ قال الزَّركَشيُّ: (قال الشَّيخُ أبو إسحاقَ: وفائِدةُ الوجهَينِ في الاقتِضاءِ باللُّغةِ أو بالشَّرعِ: أنَّا إن قُلنا: يَقتَضيه مِن حَيثُ اللُّغةُ وجَبَ حَملُ الأمرِ على الوُجوبِ، سَواءٌ كان مِنَ الشَّارِعِ أو غَيرِه، إلَّا ما خَرَجَ بدَليلٍ. وإن قُلنا: مِن حَيثُ الشَّرعُ كان الوُجوبُ مقصورًا على أوامِرِ صاحِبِ الشَّرعِ). ((البحر المحيط)) (3/289). .
الأدِلَّةُ:استَدَلَّ الأُصوليُّونَ بأدِلَّةٍ كَثيرةٍ، أهَمُّها ما يَلي:
أوَّلًا: مِنَ القُرآنِ الكَريمِ:1- قَولُ اللهِ تعالى:
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63].
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ المَعنى: لا تَجعَلوا أمرَه إيَّاكُم ودُعاءَه لَكُم كما يَكونُ مِن بَعضِكُم لبَعضٍ، فتتباطؤون كما يَتَباطَأُ بَعضُكُم عن بَعضٍ إذا دَعاه لأمرٍ، بَل يَجِبُ عليكُمُ المُبادَرةُ لأمرِه؛ إذ كان أمرُه فرضًا لازِمًا. والذي يَدُلُّ على هَذا: قَولُه عَقيبَ هذا:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [716] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (24/425)، ((البحر المحيط)) لأبي حيان (8/75)، ((اللباب في علوم الكتاب)) لابن عادل (14/465)، ((السراج المنير)) للخطيب الشربيني (2/644). .
قال الكَلْوَذانيُّ: (المُرادُ بالآيةِ: أمرُ نَبيِّه؛ لأنَّه قال في أوَّلِ الآيةِ:
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، فحَثَّ بذلك على الرُّجوعِ إلى أقوالِه، ثُمَّ عَقَّبَ بقَولِه:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، فدَلَّ على أنَّ (هاءَ) الكِنايةِ راجِعةٌ إليه. وقيلَ: إنَّ (هاءَ) الكِنايةِ في
أَمْرِهِ راجِعةٌ إلى اللهِ تعالى. وأيَّهما كان فقد حَذَّرَ مِن مُخالَفتِه وتَوعَّدَ عليه، وهذا يَدُلُّ على وُجوبِ فِعلِ ما أُمِرَ به، وهو موافِقٌ لمَساقَ الآيةِ ونَظْمِها)
[717] ((التمهيد)) (1/150). .
2- قَولُ اللهِ تعالى:
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [الأعراف: 11-13] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللَّهَ تعالى لمَّا أمَرَ المَلائِكةَ بالسُّجودِ لآدَمَ بادَروا إلى فِعلِه، فعُلِمَ أنَّهم عَقَلوا مِن إطلاقِه وُجوبَ امتِثالِ المَأمورِ به، ثُمَّ لَمَّا امتَنَعَ إبليسُ مِنَ السُّجودِ وبَّخَه وعاقَبَه، فلَو لَم يَكُنِ الأمرُ مُقتَضيًا للوُجوبِ لَمَا عَلَّقَ التَّوبيخَ والوعيدَ بنَفسِ مُخالَفةِ الأمرِ
[718] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/229)، ((إحكام الفصول)) للباجي (1/201)، ((شرح اللمع)) للشيرازي (1/207)، ((التلخيص)) لإمام الحرمين (1/274)، ((أصول السرخسي)) (1/18)، ((الواضح)) لابن عقيل (2/491). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِقَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لَولا أن أشُقَّ على أُمَّتي لَأمَرتُهم بالسِّواكِ عِندَ كُلِّ صَلاةٍ)) [719] أخرجه البخاري (887)، ومسلم (252) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ السِّواكَ مُستَحَبٌّ، فدَلَّ على أنَّه لَو أمَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَوجَبَ وشَقَّ؛ لأنَّ الوُجوبَ تُتَصَوَّرُ المَشَقَّةُ فيه
[720] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/232)، ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (1/220)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/57)، ((إيضاح المحصول)) للمازري (ص: 204). .
قال الخَطَّابيُّ: (فيه دَليلٌ أنَّ أصلَ أوامِرِه على الوُجوبِ، ولَولا أنَّه إذا أمَرَنا بالشَّيءِ صارَ واجِبًا لَم يَكُنْ لقَولِه:
((لَأمَرتُهم به)) مَعنًى، وكَيف يُشفِقُ عليهم مِنَ الأمرِ بالشَّيءِ، وهو إذا أمَرَ به لَم يَجِبْ ولَم يَلزَمْ؟ فثَبَتَ أنَّه على الوُجوبِ ما لَم يَقُمْ دَليلٌ على خِلافِه)
[721] ((معالم السنن)) (1/29). .
ثالِثًا: عَمَلُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهمإنَّ المُتَعارَفَ مِن حالِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أنَّهم عَقَلوا عن مُجَرَّدِ أوامِرِ اللهِ تعالى ورَسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الوُجوبَ، وسارَعوا إلى تَنفيذِها، ولَم يَنتَظِروا بها قِرانَ الوعيدِ، وإردافَه إيَّاها بالتَّوكيدِ، فكانوا يَرجِعونَ إلى مُجَرَّدِ الأوامِرِ في الفِعلِ والِامتِناعِ مِن غَيرِ تَوقُّفٍ، مِثلُ احتِجاجِ أبي بَكرٍ على عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما بقَولِ اللهِ تعالى:
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة: 43] [722] عن أبي هرَيرةَ قال: (لمَّا توُفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستُخلِفَ أبو بَكرٍ بَعدَه، وكَفَرَ مَن كَفرَ مِنَ العَرَبِ، قال عُمَرُ لأبي بَكرٍ: كَيف تُقاتِلُ النَّاسَ؟ وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ عَصَمَ مِنِّي مالَه ونَفسَه إلَّا بحَقِّه، وحِسابُه على اللهِ، فقال: واللهِ لأُقاتِلَنَّ مَن فرَّقَ بَينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللهِ لو مَنَعوني عِقالًا كانوا يُؤَدُّونَه إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلتُهم على مَنعِه، فقال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رَأيتُ اللَّهَ قد شَرَحَ صَدرَ أبي بَكرٍ للقِتالِ، فعَرَفتُ أنَّه الحَقُّ. أخرجه البخاري (7284، 7285)، ومسلم (20) واللَّفظُ له. ، ورُجوعِ ابنِ عُمَرَ إلى حَديثِ رافِعِ بنِ خَديجٍ في المُساقاةِ
[723] عنِ ابنِ عُمَرَ يَقولُ: كُنَّا لا نَرى بالخِبْرِ بَأسًا حتَّى كان عامُ أوَّلَ، فزَعَمَ رافِعٌ أنَّ نَبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنه. وفي رِواية: فتَرَكناه مِن أجلِه. أخرجه مسلم (1547). والخِبْر: المخابرة، وهي بمعنى المزارعة. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (10/ 202)، ((مجموع الفتاوى)) (29/ 116). ، وغَيرِ ذلك مِنَ القِصَصِ المَشهورةِ عنهم؛ مِمَّا يَدُلُّ على أنَّه كان متقَرِّرًا فيما بَينَهم أنَّ إطلاقَ ذلك يَقتَضي الوُجوبَ والِامتِثالَ
[724] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/235)، ((إحكام الفصول)) للباجي (1/202)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/57)، ((المحصول)) للرازي (2/69)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (2/23). .
وقيلَ: إنَّ صيغةَ الأمرِ حَقيقةٌ في النَّدبِ.
وهو قَولُ بَعضِ المالِكيَّةِ
[725] يُنظر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (2/453). ، وبَعضِ الشَّافِعيَّةِ
[726] يُنظر: ((اللمع)) (ص: 13)، ((التبصرة)) (ص: 27) كلاهما للشيرازي. ، وجَماعةٍ مِنَ الفُقَهاءِ
[727] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 207)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (3/855). .
وقيلَ: إنَّ الأمرَ حَقيقةٌ في القَدرِ المُشتَرَكِ بَينَ الوُجوبِ والنَّدبِ، وهو الطَّلَبُ، أي: تَرجيحُ الفِعلِ على التَّركِ
[728] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (2/144)، ((شرح المعالم)) لابن التلمساني (1/244)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (2/21). .
وهو قَولُ مَشايِخِ سَمَرقَندَ مِنَ الحَنَفيَّةِ؛ حَيثُ قالوا بأنَّ حُكمَ الأمرِ المُطلَقِ الوُجوبُ مِن حَيثُ الظَّاهِرُ عملًا لا اعتِقادًا، على طَريقِ التَّعيينِ، وهو أن لا يَعتَقِدَ فيه بنَدبٍ ولا إيجابٍ قَطعًا على طَريقِ التَّعيينِ، ويَعتَقِدُ على طَريقِ الإبهامِ أنَّ ما أرادَ اللَّهُ تعالى به مِنَ الإيجابِ القَطعيِّ والنَّدبِ فهو حَقٌّ، ولَكِنْ يَأتي بالفِعلِ لا مَحالةَ، حتَّى إنَّه إذا أُريدَ به الإيجابُ على سَبيلِ القَطعِ يَخرُجُ عن عُهدَتِه، وإن أُريدَ به النَّدبُ يَحصُلُ له الثَّوابُ.
والخِلافُ بَينَ الحَنَفيَّةِ في الاعتِقادِ لا في وُجوبِ العَمَلِ، ويَكونُ التَّعَلُّقُ بظَواهرِ الآياتِ الوارِدةِ في الأمرِ صحيحًا في حَقِّ وُجوبِ العَمَلِ، أمَّا وُجوبُ الاعتِقادِ فأمرٌ بَينَ العَبدِ وبَينَ اللهِ تعالى، فيَكفيه مُطلَقُ الاعتِقادِ أنَّ ما أرادَ اللَّهُ تعالى به فهو حَقٌّ
[729] يُنظر: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 96)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/108)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (1/341). .
وقيلَ: بالتَّوقُّفِ.
ومِمَّنِ اختارَه الباقِلَّانيُّ
[730] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) (2/27). ، وابنُ العَرَبيِّ
[731] يُنظر: ((المحصول)) (ص: 56). ؛ حَيثُ قالوا: هو حَقيقةٌ إمَّا في الوُجوبِ، وإمَّا في النَّدبِ، وإمَّا فيهما جميعًا بالِاشتِراكِ اللَّفظيِّ، لكِنَّا لا نَدري ما هو الواقِعُ مِن هذه الأقسامِ الثَّلاثةِ. وهو أيضًا مَذهَبُ الأشاعِرةِ
[732] يُنظر: ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 27). ، وصَحَّحه الآمِديُّ
[733] يُنظر: ((الإحكام)) (2/145). ، وابنُ رَشيقٍ المالِكيُّ
[734] يُنظر: ((لباب المحصول)) (2/521). .
وقيلَ غَيرُ ذلك
[735] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 207)، ((المحصول)) للرازي (2/41، 45)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (3/855)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (4/1037، 1044)، ((البحر المحيط)) للزركشي (3/291). .
مِثالٌ تَطبيقيٌّ للمَسألةِ: حُكمُ رَكعَتَي تَحيَّةِ المَسجِدِ:اختَلَف الفُقَهاءُ في حُكمِ رَكعَتي تَحيَّةِ المَسجِدِ، على قَولَينِ:
الأوَّلُ: أنَّ رَكعَتي دُخولِ المَسجِدِ مَندوبٌ إليهما مِن غَيرِ إيجابٍ، وهو قَولُ جُمهورِ الفُقَهاءِ
[736] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/173)، ((البناية)) للعيني (2/521)، ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (1/166)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/374)، ((البيان)) للعمراني (2/286)، ((إعلام الساجد)) للزركشي (ص349)، ((المغني)) لابن قدامة (2/119). .
والثَّاني: أنَّها واجِبةٌ. وهو قَولُ ابنِ حَزمٍ
[737] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (3/275)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد الحفيد (1/218). .
وقد بَيَّنَ ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ وَجهَ تَخريجِ الفَرعِ على القاعِدةِ، فقال: (سَبَبُ الخِلافِ في ذلك: هَلِ الأمرُ في قَولِه عليه الصَّلاةُ السَّلام:
((إذا جاءَ أحَدُكُمُ المَسجِدَ فليَركَعْ رَكعَتَينِ قَبلَ أن يَجلِسَ)) [738] أخرجه الترمذي (316)، والدارمي (1433)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (53/373) من حديثِ أبي قتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (316). وأخرجه البخاري (444)، ومسلم (714) باختِلاف يَسيرٍ، ولفظُه: ((إذا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسجِدَ فليَركَعْ رَكعَتَينِ قَبلَ أن يَجلِسَ)). مَحمولٌ على النَّدبِ أو على الوُجوبِ؟ فإنَّ الحَديثَ مُتَّفَقٌ على صِحَّتِه.
فمَن تمسَّك في ذلك بما اتَّفقَ عليه الجُمهورُ مِن أنَّ الأصلَ هو حَملُ الأوامِرِ المُطلَقةِ على الوُجوبِ حتَّى يَدُلَّ الدَّليلُ على النَّدبِ، ولَم يَنقدِحْ عِندَه دَليلٌ يَنقُلُ الحُكمَ مِنَ الوُجوبِ إلى النَّدبِ، قال: الرَّكعَتانِ واجِبتانِ.
ومَنِ انقدَحَ عِندَه دَليلٌ على حَملِ الأوامِرِ هاهنا على النَّدبِ، أو كان الأصلُ عِندَه في الأوامِرِ أن تُحمَلَ على النَّدبِ حتَّى يَدُلَّ الدَّليلُ على الوُجوبِ -فإنَّ هذا قد قال به قَومٌ- قال: الرَّكعَتانِ غَيرُ واجِبَتينِ.
لَكِنَّ الجُمهورَ إنَّما ذَهَبوا إلى حَملِ الأمرِ هاهنا على النَّدبِ؛ لمَكانِ التَّعارُضِ الذي بَينَه وبَينَ الأحاديثِ التي تَقتَضي بظاهرِها أو بنَصِّها أنْ لا صَلاةَ مَفروضةٌ إلَّا الصَّلَواتِ الخَمسَ... مِثلُ حَديثِ الأعرابيِّ
[739] عن طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ، يَقولُ: ((جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أهلِ نَجدٍ ثائِرَ الرَّأسِ، يُسمَعُ دَويُّ صَوتِه ولا يُفقَهُ ما يَقولُ، حتَّى دَنا، فإذا هو يَسألُ عنِ الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خَمسُ صَلَواتٍ في اليَومِ واللَّيلةِ. فقال: هَل عليَّ غَيرُها؟ قال: لا، إلَّا أن تَطَوَّعَ. قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وصيامُ رَمَضانَ. قال: هَل عليَّ غَيرُه؟ قال: لا، إلَّا أن تَطَوَّعَ. قال: وذَكَرَ له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الزَّكاةَ، قال: هَل عليَّ غَيرُها؟ قال: لا، إلَّا أن تَطَوَّعَ. قال: فأدبَرَ الرَّجُلُ وهو يَقولُ: واللهِ لا أزيدُ على هذا ولا أنقُصُ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفلَحَ إن صَدَقَ)). أخرجه البخاري (46) واللَّفظُ له، ومسلم (11). وغَيرِه؛ وذلك أنَّه إن حُمِلَ الأمرُ هاهنا على الوُجوبِ لَزِمَ أن تَكونَ المفروضاتُ أكثَرَ مِن خَمسٍ.
ولمَن أوجَبَها: أنَّ الوُجوبَ هاهنا إنَّما هو مُتَعَلِّقٌ بدُخولِ المَسجِدِ لا مطلقًا، كالأمرِ بالصَّلَواتِ المَفروضةِ)
[740] ((بداية المجتهد)) (1/218) بتصرف. .