موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّالِثُ: مُقتَضى النَّهيِ الوارِدِ بَعدَ الأمرِ


الرَّاجِحُ أنَّ النَّهيَ الوارِدَ بَعدَ الأمرِ يُفيدُ التَّحريمَ. وبه قال جُمهورُ الأُصوليِّينَ [1102] يُنظر: ((التحبير)) للمرداوي (5/2258)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/205)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/65). ، ومِنهم: القاضي أبو يَعلى [1103] يُنظر: ((العدة)) (1/262). ، وأبو إسحاقَ الشِّيرازيُّ [1104] يُنظر: ((التبصرة)) (ص: 39). ، والطُّوفيُّ [1105] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) (2/373). ، وصَحَّحه المَرداويُّ [1106] يُنظر: ((التحبير)) (5/2258). .
الأدِلَّةُ:
1- أنَّ صيغةَ النَّهيِ ظاهرةٌ في التَّحريمِ كما لَو ورَدَتِ ابتِداءً، وتَقدُّمُ الأمرِ لا يَصلُحُ قَرينةً على أنَّ النَّهيَ للإباحةِ، أي: رَفعِ الوُجوبِ؛ لأنَّ صيغةَ النَّهيِ لَم تَرِدْ للإباحةِ، بخِلافِ صيغةِ الأمرِ، كما تَقدَّمَ، ولا يُقاسُ أحَدُهما على الآخَرِ [1107] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/262)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (2/206). .
2- أنَّه نَهيٌ بَعدَ أمرٍ، فاقتَضى الحَظرَ، كما لَوِ انفرَدَ؛ فإنَّ النَّهيَ يَقتَضي قُبحَ المَنهيِّ عنه [1108] يُنظر: ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (2/355). .
3- أنَّه إذا قال له مَثَلًا: صُمْ، ثُمَّ قال له: لا تَصُمْ. فقد رُفِعَ بهذا النَّهيِ الإذنُ له أوَّلًا في الصَّومِ بكُلِّيَّتِه [1109] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/373). .
وقيلَ: إذا ورَدَ النَّهيُ بَعدَ الأمرِ ارتَفعَ الوُجوبُ وعادَ إلى أصلِه، وهو الإباحةُ [1110] يُنظر: ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 40)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 140)، ((المختصر)) لابن اللحام (ص: 100). ، وهو وجهٌ عِندَ الحَنابِلةِ [1111] يُنظر: ((المسودة)) لآل تيمية (ص: 17). .
وقيلَ: إذا ورَدَ النَّهيُ بَعدَ الأمرِ أفادَ الكَراهةَ، وهو قَولُ بَعضِ الحَنابِلةِ [1112] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (2/530)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/373)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (2/727). .
وقيلَ: النَّهيُ الوارِدُ بَعدَ الأمرِ لإسقاطِ الوُجوبِ، فيَعودُ الحالُ إلى ما كان عليه قَبلَ الوُجوبِ مِن إباحةٍ أو تَحريمٍ بحَسَبِ المَقامِ، واختارَه ابنُ عَقيلٍ [1113] يُنظر: ((الواضح)) (2/530). ويُنظر أيضًا: ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (2/355). .
وقيلَ بالتَّوقُّفِ. وبه قال إمامُ الحَرَمَينِ [1114] يُنظر: ((البرهان)) (1/88). .
ومِنَ الأمثِلةِ التَّطبيقيَّةِ للمَسألةِ:
النَّهيُ عنِ الإحراقِ بالنَّارِ بَعدَ الأمرِ به:
فعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: بَعَثَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَعثٍ، فقال: ((إن وجَدتُم فُلانًا وفُلانًا فأحرِقوهما بالنَّارِ. ثُمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ أرَدنا الخُروجَ: إنِّي أمَرتُكُم أن تُحرِقوا فُلانًا وفُلانًا، وإنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بها إلَّا اللَّهُ، فإن وجَدتُموهما فاقتُلوهما)) [1115] أخرجه البخاري (3016). .
فأمرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحَرقِ بالنَّارِ، ثُمَّ جاءَ النَّهيُ بَعدَ الأمرِ، فيَبقى النَّهيُ على مَعناه الأصليِّ، وهو التَّحريمُ، كما يَكونُ هذا النَّهيُ ناسِخًا للأمرِ [1116] يُنظر: ((قواعد أصول الفقه وتطبيقاتها)) لصفوان داوودي (1/359). .

انظر أيضا: