المَسألةُ الأولى: مَعنى التَّخصيصِ بالشَّرطِ
يَنقَسِمُ الشَّرطُ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ: عَقليٌّ، وشَرعيٌّ، ولُغَويٌّ، وعاديٌّ:
فالعَقليُّ: كالحَياةِ للعِلمِ، والعِلمِ للإرادةِ، والمَحَلِّ للحَياةِ؛ إذِ الحَياةُ تَنتَفي بانتِفاءِ المَحَلِّ؛ فإنَّه لا بُدَّ لها مِن مَحَلٍّ، ولا يَلزَمُ وُجودُها بوُجودِ المَحَلِّ.
والشَّرعيُّ: كالطَّهارةِ للصَّلاةِ، والإحصانِ للرَّجمِ.
واللُّغَويُّ: كالتَّعليقاتِ، نَحوُ قَولِه: إن جِئتَني أكرَمتُك؛ فإنَّ مُقتَضاه في اللِّسانِ باتِّفاقِ أهلِ اللُّغةِ اختِصاصُ الإكرامِ بالمَجيءِ؛ فإنَّه إن كان يُكرِمُه دونَ المَجيءِ لَم يَكُنْ كَلامُه اشتِراطًا؛ لأنَّ أهلَ اللُّغةِ وضَعوا هذا التَّركيبَ ليَدُلَّ على أنَّ ما دَخَلَت عليه أداةُ الشَّرطِ هو الشَّرطُ، والمُعَلَّقُ عليه هو الجَزاءُ.
والعاديُّ: كاشتِراطِ السُّلَّمِ لصُعودِ السَّطحِ مثلًا؛ فإنَّ العادةَ قاضيةٌ بأنَّه لا يوجَدُ الصُّعودُ إلى السَّطحِ إلَّا بوُجودِ السُّلَّمِ أو نَحوِه مِمَّا يَقومُ مَقامَه
[2071] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 261)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (2/100)، ((جمع الجوامع)) لابن السبكي (ص: 50)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (1/376). .
ومَحَلُّ الكَلامِ هنا إنَّما هو الشَّرطُ اللُّغَويُّ، فالمُخَصِّصُ مِن هذه الأقسامِ هو الشَّرطُ اللُّغَويُّ
[2072] يُنظر: ((التحبير)) للمرداوي (6/2619)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/340). .
ومِثالُه: قَولُك: "أكرِمِ القَومَ إن دَخَلوا الدَّارَ"؛ فإنَّ الشَّرطَ يَقتَضي اختِصاصَ الإكرامِ بالدَّاخِلينَ فقَط، لَولا الشَّرطُ لعَمَّ وُجوبُ الإكرامِ الدَّاخِلينَ وغَيرَهم
[2073] يُنظر: ((أسلوب الشرط بين النحويين والأصوليين)) لناصر كريري (ص: 336). .
والتَّخصيصُ بالشَّرطِ ضَربانِ: 1- يَخرُجُ مِنَ الكَلامِ ما عَلِمنا خُروجَه منه بدَليلٍ آخَرَ عَقليٍّ أو سَمعيٍّ، فيَكونُ مُؤَكدًا، نَحوُ قَولِك: "أكرِمِ القَومَ أبَدًا إنِ استَطَعتَ".
2- لا يَخرُجُ مِنَ الكَلامِ ما لا نَعلَمُ خُروجَه منه لَولاه، نَحوُ قَولِك: "أكرِمِ القَومَ أبَدًا إن دَخَلوا الدَّارَ"، فلَو لَم يُذكَرِ الشَّرطُ لَزِمَ إكرامُهم وإن لَم يَدخُلوا الدَّارَ، ومَعَ ذِكرِ الشَّرطِ يَسقُطُ وُجوبُ الإكرامِ إن لَم يَدخُلوا الدَّارَ؛ لأنَّ لَفظةَ "إن" للشَّرطِ، والشَّرطُ يَقِفُ عليه المَشروطُ وعلى بَدَلِه، وإلَّا انتَقَضَ كَونُه شَرطًا.
وقد يُشتَرَطُ الحُكمُ الواحِدُ بشُروطٍ كَثيرةٍ على البَدَلِ، وعلى الجَمعِ، فمِثالُ الأوَّلِ: كقَولِك: "أكرِمِ القَومَ أبَدًا إن دَخَلوا الدَّارَ، أو إن دَخَلوا السُّوقَ"، فأيُّهما حَصَلَ استَحَقَّ الإكرامَ، والشَّرطُ الثَّاني قد رَفعَ بَعضَ التَّخصيصِ؛ لأنَّك لَمَّا قُلتَ: "إن دَخَلوا الدَّارَ" أسقَطتَ الإكرامَ بفَقدِ الدُّخولِ، وأخرَجتَ ذلك مِنَ الكَلامِ، فلمَّا قُلتَ: "أو إن دَخَلوا السُّوقَ" أوجَبتَ إكرامَهم بدُخولِ السُّوقِ وإن لَم يَدخُلوا الدَّارَ.
ومِثالُ الثَّاني: قَولُك: "أكرِمِ القَومَ أبَدًا إن دَخَلوا الدَّارَ ودَخَلوا السُّوقَ"، فلا يَستَحِقُّ الإكرامَ إلَّا بهما، والشَّرطُ الثَّاني قد زادَ في التَّخصيصِ؛ لأنَّك لَوِ اقتَصَرتَ على الشَّرطِ الأوَّلِ ما كان يَخرُجُ مِنَ الإكرامِ مَن دَخَلَ الدَّارَ، ولمَّا ذَكَرتَ الشَّرطَ الثَّانيَ خَرَجَ مِنَ الإكرامِ مَن دَخَلَ الدَّارَ مَتى لم يَدخُلِ السُّوقَ.
وقد يُشرَطُ للأحكامِ الكَثيرةِ شَرطٌ واحِدٌ على البَدَلِ، وعلى الجَمعِ؛ فمِثالُ الأوَّلِ: قَولُك: "أعطِ زَيدًا دِرهَمًا أو دينارًا إن دَخل الدَّارَ".
ومِثالُ الثَّاني: قَولُك: "أعطِ زَيدًا دِرهمًا واخلَعْ عليه إن دَخَل الدَّارَ"
[2074] يُنظر: ((المعتمد)) لأبي الحسين البصري (1/240)، ((بذل النظر)) للأسمندي (ص: 209)، ((الإحكام)) للآمدي (2/310). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش