موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّامِنُ: هَلِ السِّياقُ مِنَ المُخَصِّصاتِ؟


يَجوزُ تَخصيصُ العُمومِ بالسِّياقِ، وصورَتُه: أن يَكونَ اللَّفظُ قد ورَدَ عامًّا، ولَكِنَّه في سياقٍ يَقتَضي التَّخصيصَ ببَعضِ الأفرادِ، فيَكونُ تَخصيصُ السِّياقِ مُقدَّمًا على عُمومِ اللَّفظِ [2147] يُنظر: ((أصول الفقه على منهج أهل السنة)) للسعيدان (3/616). . وهو الذي يَقتَضيه كَلامُ الشَّافِعيِّ؛ حَيثُ بَوَّبَ له بقَولِه: (بابُ: الصِّنفُ الذي يُبَيِّنُ سياقَه مَعناه) [2148] ((الرسالة)) (ص: 62). .
ومِن أمثِلَتِه:
عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَرَجَ مِن مَكَّةَ، فتَبِعَتهمُ ابنةُ حَمزةَ: يا عَمِّ يا عَمِّ. فتَناولَها عليٌّ، فأخَذَ بيَدِها، وقال لفاطِمةَ عليها السَّلامُ: دونَكِ ابنةُ عَمِّك. حَمَلَتها، فاختَصَمَ فيها عَليٌّ وزَيدٌ وجَعفَرٌ، فقال عليٌّ: أنا أحَقُّ بها، وهيَ ابنةُ عَمِّي. وقال جَعفَرٌ: ابنةُ عَمِّي، وخالَتُها تَحتي. وقال زَيدٌ: ابنةُ أخي. فقَضى بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لخالَتِها، وقال: الخالةُ بمَنزِلةِ الأُمِّ. وقال لعَليٍّ: أنتَ مِنِّي وأنا مِنك. وقال لجَعفَرٍ: أشبَهتَ خَلقي وخُلُقي. وقال لزَيدٍ: أنتَ أخونا ومَولانا)) [2149] أخرجه البخاري (2699). .
قال ابنُ دَقيقِ العيدِ: (قَولُه عليه السَّلامُ: ((الخالةُ بمَنزِلةِ الأُمِّ)) سياقُ الحَديثِ يَدُلُّ على أنَّها بمَنزِلَتِها في الحَضانةِ، وقد يَستَدِلُّ بإطلاقِه أصحابُ التَّنزيلِ على تَنزيلِها مَنزِلةَ الأُمِّ في الميراثِ، إلَّا أنَّ الأوَّلَ أقوى؛ فإنَّ السِّياقَ طَريقٌ إلى بَيانِ المُجمَلاتِ، وتَعيينِ المُحتَمَلاتِ، وتَنزيلِ الكَلامِ على المَقصودِ مِنه، وفَهمُ ذلك قاعِدةٌ كَبيرةٌ مِن قَواعِدِ أُصولِ الفِقهِ... وهيَ قاعِدةٌ مُتَعَيِّنةٌ على النَّاظِرِ) [2150] ((إحكام الأحكام)) (2/216). .

انظر أيضا: